سابقة قضائية سعودية لضبط أخلاقيات سعوديي الخارج

ياسر صالح البلوي

TT

إنني وأنا أكتب هذه المقالة لم أنس حميدان التركي المبتعث السعودي والذي يقضي الآن محكوميته والتي أرى أنه بعد دراستي لملابسات قضيته وصفحاتها المترجمة وبعد نقاشات كثيرة مع خبراء القانون في موسوعة جوريسبيديا في القانون المشارك.. أجد أن القضية قد تعرضت لثغرات في العدالة أضعفت كثيرا حقيقة التهم الموجهة إليه، ولو عرضت القضية في محاكمنا لأيقنت، بصرف النظر عن طلب المدعي العام، عدم موضوعية الشهادات المرصودة في القضية وعدم سلامتها من ثغرات الانحياز والتي تعتبر في مفهومنا القضائي الإسلامي أكبر طاعن في عدالة الشهادة.. من الواضح جدا أن هيئة المحلفين قد تعرضوا لضغط عاطفي كبير نتيجة ما تمر به بلادهم من ظروف استثنائية جعلتهم يتعاملون مع القضية بتأثر عاطفي.

لسنا بحاجة إلى أن نعيد تفاصيل ملابسات الحكم وما تعرض له المبتعث الدكتور حميدان التركي لمحاكمة مشحونة عاطفيا أشغلت الرأي السعودي العام.

أرجو أن تصل رسالتي للرئيس الأميركي أوباما لإصدار عفو رئاسي عن حميدان، إنه يعاني كثيرا.. وإن أسرته عانت كثيرا... وإن أطفاله بعيدين جدا عن أبيهم.. فهل من شفقة ليلتئم أفراد أسرة حميدان إلى بعضهم؟.. إن أبناءه قد أصيبوا بخيبة أمل مع ظروف لم تكن مواتيه للجميع.

لقد عاشوا 14 سنة في ولاية كولورادو وكانوا متفائلين جدا بأن منح أبوهم فرصة البقاء في الولايات المتحدة لأجل الدراسة.. كانوا حقيقة أسرة رائعة عاشت كل ثواني حياتها في عطاء وعمل من أجل نشر السلام. مارست حياتها بتعاليم محمد - صلى الله عليه وسلم - رسول السلام إلى البشرية.. ويأملون ألا يصابوا بخيبة أمل على حياة السلام التي منحوها لجيرانهم من المواطنين الأميركيين.

لعل ظروف الولايات المتحدة تلك الفترة كانت حرجة وأنه كانت هناك أجواء ملبدة جعلت الولايات المتحدة تعذر نفسها إزاء التشدد في إجراءاتها.

كنا نتمنى ألا تؤدي هذه الحالة الاستثنائية التي مرت بها الولايات إلى حوادث الاختناق المتأثر بالشحن العاطفي مع كثير من الأخطاء البسيطة والتي تحصل بعفوية من الرعايا السعوديين.

ودعوتي إلى سفير خادم الحرمين الشريفين في واشنطن لأن يلتمس الحرية لحميدان أو على أقل تقدير بأن يقضي بقية محكوميته في المملكة العربية السعودية.

ورسالتي الأخرى لأعزائي المبتعثين.. لقد أصبح سبعون ألف مبتعث مبعثا للطموح بأن يعودوا بأفضل ما لدى الآخرين من التقنية والعلم وأن يرسموا صورة السعوديين المسلمين الصالحين ناشري السلام ومصدري المثل للعالم.. لقد أصبح هذا العدد الضخم هما مؤرقا بأن تقل أمام هذه الأعداد نسبة الإخفاقات التي من الطبيعي حصولها.

أيها السعودي المبتعث.. إننا ننتظرك بشوق بأحر من الجمر.. ننتظر رجوعك وقد نلت أعلى الخبرات والتقنيات.. وطنك ينتظر منك ألا يغيب عن ذهنك ثانية واحدة.. فتستيقظ مبكرا ومع زقزقة العصافير وكلك طموح وثقة بأن تحصل على أدق العلوم لتنفع أمتك.

ونحن نستشعر مدى حاجة المبتعث إلى أن نقدم له كل الإمكانيات والدعم ليواجه صعوبة تأقلمه مع واقع معيشي مختلف ومع تعقيدات مختلفة وما يجده أحيانا من إهمالنا لحاجاته واضطراراته. نتمنى أن يستشعر معنا أيضا ما هو الواجب عليه في المقابل أن يفعله وما يجب عليه ألا يفعله في بلد الاغتراب.

ما هي دوائر السماح والحظر للسعودي في أرض الغربة؟.. هل من المناسب أن يعلق بطاقة على قميصه الخارجي كتب عليها باللون الأحمر «يا غريب كن أديبا - امش بجنب الجدار يحتار فيك الآخرون - إن لي وعاءين أما أحدهما فلو بثثته لقطع هذا الحلقوم».

كثير من الوقائع المؤسفة تجعلنا نتساءل: ما السبب لتكون صورة السعودي في الخارج يعلوها بعض الاهتزاز؟ هل هذا الاهتزاز لأن دمنا عربي أصيل لم يدخل مزاج دم الأوروبيين الأزرق.. أو كذا في الله ولله؟

بعض الوقائع التي تحصل من بعض المبتعثين تسبب موجات من قضايا الرأي العام في الدول المبتعث إليها طلابنا تتطلب تدخل السفير ورجع الصدى لدى كبار المسؤولين في المملكة لإدارة القضية.. قد لا نعلم حقيقة ملابسات تلك الأخبار.. وقد يكون بعضها فيها تجن على مبتعثينا أو مورست ضدهم تصرفات عنصرية.. أو اختلقت عليهم الأكاذيب.

هل مثل هذه الوقائع المؤسفة تجل الحاجة داعية إلى أن نطالب السفراء برصد أخلاقيات الرعايا السعوديين وتحويلهم إلى المحاكم السعودية للنظر في شأنهم بالوجه الشرعي؟.. هل نحن بحاجة إلى أن نستذكر سابقة قضائية في التسعينات الهجرية السبعينات الميلادية جعلت أحد سفراء المملكة في إحدى الدول الغربية يرفع بأوراق أحد الطلاب السعوديين بالخارج لتحال إلى المحكمة السعودية المختصة لإعادة محاكمته على تشويه صورة المملكة في الخارج وقيامه بأعمال شغب عبثية مع مجموعة من الهيبيين أو الهيبيز (بالإنجليزية: hippie‏): وهم ممن يمثلون ظاهرة اجتماعية مناهضة للقيم الرأسمالية ظهرت بين طلاب بعض الجامعات في الولايات المتحدة ثم ما لبثت أن انتشرت في باقي دول الغرب بين الأوساط الشبابية خلال فترة الستينات وبداية السبعينات، كظاهرة احتجاج وتمرد على قيادة الكبار ومظاهر المادية والنفعية وثقافة الاستهلاك فقام بعض الشباب المتذمر إلى التمرد على هذه القيم فميزوا أنفسهم بإطالة شعورهم ولبس الملابس المهلهلة والفضفاضة والتجول والتنقل على هواهم في مختلف الأنحاء كتعبير عن قربهم من الطبيعة وحبهم لها وقد وجدت هذه المجموعات من الشباب في المخدرات والتصوف الشرقي متنفسا لها وطريقة للتمرد على القيم وتجربة أشياء جديدة. وصلت هذه الحركة الشبابية أوجها أيام فرقة الخنافس الهيبية بيتلز التي استطاعت استقطاب ملايين الشباب في الغرب. ثم انقرضت هذه الموضة؟

بالفعل تمت محاكمة الطالب السعودي بعد قرار إلغاء بعثته وإعادته للمملكة، وجاء في ثنايا القضية على هذا الطالب أنه في أثناء جلوسه مع أحد زملائه في مقهى في العاصمة مدريد، وبعد شربه لنخب الخمر وبعد تضلعه من الخمر ليقوم بأعمال تخريب مع مجموعة الهيبيز ولكن لضعف الأدلة ولإنكار المدعى عليه، على الرغم من اعترافه السابق، يصرف القاضي السعودي النظر عن الدعوى ويرى الاكتفاء بقرار نقله من إسبانيا وحرمانه من الدراسة كتأديب له ثم ترفع القضية للتمييز فتطالب محكمة التمييز بعقوبة أشد لأنهم رأوا أن النقل غير كاف بالتأديب وأنه لا بد للقاضي من إعمال الفراسة في معرفة حال الشاب وأنه في مصاحبته للهيبيز دليل على سوء أخلاقه، وشربه للخمر موجب لإقامة الحد مع اعترافه أو التعزير البليغ مع الرجوع عن الإقرار، وتم أخذ ورد بين محكمة التمييز والقاضي حتى حسمته الهيئة القضائية العليا بتأييد قرار محكمة التمييز بأنه على الحاكم تعزير المدعى عليه. (مدونة الأحكام القضائية، الإصدار الثاني، ص197).

أتمنى ألا يصل الحد لأن نذكر السفراء ببعض السوابق القضائية ونطالبهم بالرصد المطلوب لضمان أخلاقيات الرعايا السعوديين بالخارج.. نتمنى أن يكون الرصد من أجل التكريم والحصول على جوائز خادم الحرمين الشريفين للإبداع العلمي وخدمة المجتمع.

* قاضي محكمة صامطة العام