رئيس جامعة جالا الإسلامية في تايلاند: الإسلام ليس بحاجة للدفاع عنه ولكنه بحاجة إلى مسلمين يوضحون حقيقته للعالم

قال لـ «الشرق الأوسط»: الحوار مع الآخر أفضل وسيلة لتصحيح الأفكار المغلوطة

مسلمون تايلانديون أثناء أدائهم لإحدى الصلوات (رويترز)
TT

أكد الدكتور إسماعيل لطفي جافاكيا رئيس جامعة جالا الإسلامية في تايلاند أهمية فتح قنوات جديدة للحوار مع الغرب، لبناء علاقات تقوم على تبادل المنافع، مشيرا إلى أهمية السعي نحو توسيع دائرة الحوار الثقافي والحضاري مع الغرب ومخاطبته بلغته.

وقال الدكتور إسماعيل جافاكيا في حديث مع «الشرق الأوسط» على هامش مشاركته في المؤتمر الإسلامي الدولي الذي نظمه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة مؤخرا: «إن الحوار أفضل وسيلة لتحقيق التعايش والتعارف وتوضيح الحقائق وإزالة سوء الفهم والأفكار المغلوطة التي تسود في الثقافة الغربية عن الإسلام، خاصة أن هذه الثقافة تحمل في طياتها صورة مخيفة عن الإسلام أو ما يعرف بالإسلاموفوبيا، مؤكدا أن الإسلام ليس بحاجة للدفاع عنه، ولكنه بحاجة إلى مسلمين يبينون حقائقه للعالم.

* نريد منكم التعريف بجامعة جالا الإسلامية والدور الذي تقوم به في خدمة الإسلام والمسلمين في تايلاند؟

- جامعة جالا الإسلامية بتايلاند تقوم بدور عظيم، ليس لخدمة المسلمين في تايلاند فقط، ولكن في الدول المجاورة أيضا، وتعد جامعة جالا صرحا علميا شامخا يحمل على عاتقه مسؤولية نشر العلم الصحيح المعتمد على الكتاب والسنة، وما كان عليه السلف الصالح ليتخرج فيها جيل مؤمن صالح عالم بدينه وعارف بعصره وعامل بعلمه، وتعتبر جامعة جالا أول مؤسسة تعليمية جامعية إسلامية أهلية في تايلاند، وتحتضن 6 كليات بها 27 قسما، وهي: كلية الدراسات الإسلامية، وبها أقسام الشريعة الإسلامية، وأصول الدين، والدراسات الإسلامية، والدعوة وتنمية المجتمع، والكتاب والسنة، ثم كلية الآداب وبها 4 أقسام للغة العربية: اللغة الملايوية، واللغة الإنجليزية، والتاريخ، والحضارة الإسلامية، ثم كلية العلوم والتكنولوجيا وبها 6 أقسام هي: قسم علوم الزراعة، وعلوم الأغذية، والتمريض، والعلوم العامة، وقسم تكنولوجيا الأحياء، وتكنولوجيا المعلومات، ثم كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية وبها 3 أقسام هي: الإدارة العامة، وإدارة الأعمال، والاقتصاد المالي والمصارف الإسلامية، ثم كلية التربية وبها قسمان: أحدهما للدبلوم العالي التربوي لتعليم اللغة العربية، والثاني للدبلوم العالي التربوي لتعليم اللغة الإنجليزية، ثم كلية الدراسات العليا لدرجة الماجستير وبها 6 أقسام: الشريعة، واللغة العربية، والكتاب والسنة، والعلوم السياسية، والتاريخ والحضارة، ومناهج وطرق التدريس، وأخيرا كلية الدراسات العليا لدرجة الدكتوراه في قسم الدراسات الإسلامية، وتشهد هذه الجامعة إقبالا منقطع النظير للالتحاق بها من أبناء مسلمي تايلاند وأبناء الأقليات المسلمة من الدول المجاورة لتايلاند إقليميا، وأبناء الأقليات المسلمة في العالم لمواصلة التعليم الجامعي فيها، كما أن جامعة جالا الإسلامية تعمل على ترسيخ مفهوم الإسلام الوسطي الذي يدعو إلى التعايش السلمي وإلى التسامح بين البشر جميعا على مختلف معتقداتهم وألوانهم وأجناسهم، فضلا عن ذلك يتجلى الدور المنشود لجامعة جالا الإسلامية في تخريج الكوادر الأكاديمية وبناء القوة العلمية المستمرة، والتنافس لمواكبة ثورة المعلومات ورفع وتنمية مستوى مجالات التعليم والدراسات الإسلامية نحو الجودة الشاملة العالمية لاستيفاء حاجات المجتمع الإسلامي والإنساني، وكذلك للمشاركة في حل معضلات المنطقة والنهوض بها.

* ما هو واقع التعايش السلمي في تايلاند وفقا للمنطلق الإسلامي الذي تنشدونه؟

- نعم، فنحن نقول للمسلمين وحتى غير المسلمين إننا نحن المسلمين أمة سلام، ولا نرضى بالظلم أو أي أعمال من شأنها إيذاء المسلم أو غير المسلم، لأننا جميعا إخوة في الإنسانية، أصلنا واحد وهو آدم أبو البشر، كما أن ديننا الإسلامي يدعونا إلى التسامح والرحمة والتعاون والمودة مع المسلمين وغير المسلمين من منطلق حق الإخوة الإنسانية، وأن معظم آيات القرآن الكريم، خاصة المكية، جاءت تؤكد الوحدة الإنسانية وتحطم الفوارق التمييزية قبل أن يكون للمسلمين كيان أو موقع جغرافي، وكانت الوحدة الإنسانية أو وحدة الأصل الإنساني من المقومات الأساسية التي نص عليها الوحي، وكان عطاء الوحي موجها إلى العالمين، بل لقد كانت الغاية من الرسالة الإسلامية وإنتاجها الحضاري هو إلحاق الرحمة بالناس كافة وتحقيق ملامح السلام في العالم، والإسلام هو أول من دعا إلى فكرة المواطن العالمي والتعايش السلمي في أمة الإسلام والتمتع بالحقوق والواجبات كافة، فالمسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم، وطالما أن الناس كلهم خلق الله وكلهم بنو آدم وكلهم إخوة في النفس الواحدة وكلهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وكلهم أعداء للشيطان، فلماذا العداء بين البشر.

* انتشر في العالم الآن ظاهرة غريبة وهي الخوف من الإسلام أو ما يعرف بالإسلاموفوبيا، هل لهذه الظاهرة وجود في تايلاند؟

- نعم للآسف هذه الظاهرة وجدت في تايلاند خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 الإرهابية في أميركا، واتهام الإسلام والمسلمين بالإرهاب، فظاهرة الخوف من الإسلام أو ما يعرف بالإسلاموفوبيا وجدت في تايلاند في أوساط غير المسلمين وحتى في أوساط المسلمين أنفسهم، خاصة الذين لا يعرفون عن الإسلام إلا اسمه، فهؤلاء يخافون من المسلمين المتدينين، وقد حاولنا بشتى الطرق علاج هذه المشكلة بالعمل على نشر الإسلام الصحيح الوسطي المتسامح الذي يدعو إلى الرحمة وحسن الخلق، وهو الهدف الأسمى للإسلام، ومجيئه للعالم لقول الله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» وتواصلنا في الدعوة لنشر هذه المفاهيم السامية وبيان مقاصد الشريعة الإسلامية العامة والخاصة، والحمد لله تعالى، أصبحت الأمور تسير في اتجاه أفضل من ذي قبل.

* هناك دعوات صدرت تؤكد أهمية تفعيل الحوار بين العالم الإسلامي والغرب بهدف إزالة سوء الفهم عن الإسلام الذي بدأ ينتشر في الثقافة الغربية، ما تعليقك؟

- الحوار أفضل وسيلة لتحقيق التعايش والتعارف في المجتمع الإنساني، ونحن نرحب بهذه الدعوات، لأن ديننا أمرنا بالحوار والتعاون والتعارف لتحقيق الخير للبشرية جمعاء، ونحن في تايلاند، والحمد لله تعالى، قطعنا شوطا كبيرا في الحوار بين الأديان، فبعد أن تم اختياري رئيسا لمجلس التعاون بين الأديان، التي تتمثل في «الإسلام والمسيحية والبوذية والهندوسية والسك»، أقمنا عدة فعاليات تركزت حول السعي لهدف واحد وهو التعايش السلمي واحترام التعددية الدينية والثقافية، والتركيز على تنمية الإنسان، ودعم علاقات الإخوة الإنسانية، وهذا ما تهدف إليه جميع الأديان، وكان الجميع متفقين على هذا الهدف.

* أخيرا نريد تسليط الضوء على علاقة مسلمي تايلاند بالعالم الإسلامي وعلاقتهم بالدولة في تايلاند؟

- الحمد لله، مسلمو تايلاند على علاقة وثيقة بأمتهم الإسلامية، وكما أننا، والحمد لله، نلتزم بتطبيق الإسلام الوسطي المتسامح منهجا وسلوكا، ونسعى دائما لنجعل المسلم في تايلاند يجسد حقيقة الإسلام السمح، وفي الوقت نفسه نتلقى الدعم من العالم الإسلامي، خاصة في تأسيس جامعة جالا الإسلامية، فقد تمثلت باكورة الدعم المادي من البنك الإسلامي للتنمية بجدة عام 1988 بمبلغ مليون ومائتي ألف دولار أميركي، ثم كانت التوصية المباركة من لدن المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في الاجتماع لدورته الرابعة والثلاثين بمكة المكرمة عام 1995، وبناء على هذه التوصية بادرت هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية المنبثقة عن الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بدعم الجامعة، أيضا الحكومة في تايلاند تحاول دائما الاستعانة بالعلماء المسلمين الذين يمثلون الاعتدال والوسطية ويتحلون بروح الإسلام الصحيح، بهدف توعية مسلمي تايلاند وذلك لمنع حدوث أي مشاغبات من بعض مسلمي تايلاند، خاصة الذين يقومون بأعمال ضد الحكومة، بسبب مطالبتهم باسترداد إقليم «فطاني» الذي يقع جنوب تايلاند، وكان يحكمه سلاطين مسلمون في فترة ما من الزمن، ثم وقع تحت حكم تايلاند منذ أكثر من مائة سنة، وهذه القضية ما زالت تثار من حين لآخر لدى المسلمين، فقد قام بعضهم بأعمال ضد الحكومة بهدف استرداد بلادهم وأراضي أجدادهم كما يقولون، ويبدو أن هذه الأعمال تستحوذ على اهتمام الحكومة، ومن ثم بدأت الحكومة في ترسيخ دعوة الإسلام إلى التعايش السلمي في أوساط المسلمين، وبالتالي تسعى دائما لاستقدام علماء كبار من العالم الإسلامي أخص منهم فضيلة شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي، الذي حضر إلى تايلاند وألقى بعض الخطب والأحاديث التي تؤكد وسطية الإسلام ودعوته إلى الاعتدال والوسطية والتسامح والرحمة والبر.