مواقع الإنترنت الإسلامية ضرورة دينية واجتماعية لخدمة الأقليات المسلمة

عدد من ممثليها لـ «الشرق الأوسط» : نحتاج إلى الدعم والتمويل لتفعيل أنشطتنا

تنامي دور المواقع الإلكترونية الإسلامية في ربط الأقليات المسلمة بالمجتمعات الإسلامية والعربية
TT

على خلفية أزمة موقع «إسلام أون لاين» الأخيرة التي ظهرت مع عزل الشيخ يوسف القرضاوي الأب الروحي للموقع من رئاسة جمعية البلاغ الداعمة والممولة للموقع، ومنع الصحافيين في مكتب القاهرة من مزاولة مهمتهم في تقديم خطاب ورسالة إعلامية استطاعت لسنوات طويلة كسب قلوب القراء؛ انهالت رسائل التأييد والتضامن للقائمين على الموقع من جانب قادة ورموز ونشطاء الأقليات المسلمة في دول العالم ومن قبل مؤسسات وشخصيات إسلامية بارزة فيها، معبرين عن تخوفهم من تراجع الدور الرائد للموقع في تغطية قضاياهم وتخصيص المساحات لنشر أخبارهم وأنشطتهم، بل اعتبره البعض، خصوصا في دول القارة الأوروبية، شريكا لهم في تحقيق رؤية ورسالة مسلمي أوروبا تجاه دينهم ومجتمعاتهم الغربية.

وبنظرة على تلك الرسائل «الداعمة» التي وفدت من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها كألمانيا وإسبانيا وهولندا والدنمارك وإيطاليا وبلجيكا وأوكرانيا، والبرازيل، وكندا، والبوسنة، وجنوب أفريقيا..، يتأكد لنا تنامي دور المواقع الإلكترونية الإسلامية في ربط هذه الأقليات بالمجتمعات الإسلامية والعربية، وكيف يمكن لهذه المواقع أن تؤدي رسالة إنسانية واجتماعية وفكرية وأدبية وتربوية وتوعوية إلى جانب رسالتها الإعلامية والدعوية.

«الشرق الأوسط» تواصلت مع عدد من ممثلي هذه الأقليات، للوقوف على أهم إيجابيات وسلبيات المواقع الإسلامية على شبكة الإنترنت التي تقدر أعدادها بالعشرات، ومدى استفادتهم الحقيقية منها، وما يطلبونه من القائمين على هذه المواقع..

الشيخ خالد رزق تقي الدين، الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في البرازيل (الذي يضم في عضويته الغالبية العظمى من أئمة ودعاة البرازيل) يرى أنه «على الرغم من كثرة المواقع الإسلامية في العالم الإسلامي فإن القليل منها نراه يهتم بأمور الأقليات المسلمة».. ومع ذلك يوضح الشيخ تقي الدين أن المواقع الإسلامية مهمة جدا للأقليات المسلمة في كل بلدان العالم، حيث إنها تخلق نوعا من الوعي وتعليم الإسلام وسرعة التواصل ونقل الأخبار المختلفة وتعليم الأبناء اللغة العربية، بل إن بعضها يمكن أن يتجاوز - على حد قوله - دوره الإعلامي والدعوي ويساهم في وضع مشاريع ودراسات تاريخية كما هو الحال في بعض المواقع المعدودة.

أما عن المواقع الإسلامية في البرازيل، فيقول: «هذه المواقع ناطقة باللغة البرتغالية فلذلك حتى الآن لم تحقق هذه الأهداف، وهذا بلا شك يقف عائقا أمام حاجتنا الماسة في أن نتواصل وأن يعرف أهلنا ما يدور على الساحة من أمور دعوية وشؤون إسلامية، وجعل هذه المواقع حتى الآن لا تتجاوز دورها الإعلامي البسيط».

وينصح الشيخ خالد القائمين على المواقع الإسلامية في العالم الإسلامي بحمل هموم الجاليات المسلمة، قائلا: «أنصح القائمين على هذه المواقع أن يتقوا الله فينا وأن يوجهوا خطابا سهلا واضحا عن الإسلام يشرحه بنوع من سلاسة العبارة، والوضوح في الطرح وبما يتناسب مع واقع الأقليات المسلمة في دول العالم عامة والبرازيل خاصة، وأن يبادروا بخلق خطط ووضع آلية لتقديم أدوار إنسانية ودعوية وتربوية تخدم أبناء الأقليات، وكذلك ضرورة التواصل مع المؤسسات والأشخاص المهمين في تلك الدول، لأن هناك مواقع تعنى بنمط معين أو بفكر معين أو جماعة معينة، وهذا الفكر يؤدي إلى خلق بلبلة فكرية ومشكلات داخل الجاليات والأقليات، فقد تم ترجمة بعض المواقع كما هي للغة البرتغالية وهذه المواقع تطعن وتشكك في علماء المسلمين!».

وأوضح ضو صالح التريكي، مسؤول قسم الإعلام والمؤسسات في الرابطة الإسلامية للحوار والتعايش بإسبانيا، ‏ أن المواقع الإسلامية بالنسبة للمسلمين في أوروبا لا تزال ذات تأثير ضعيف نتيجة الاستخدام البسيط للإنترنت من جانب أفراد الأقليات حيث يقتصر في الأغلب على «الشات» والمواقع الهابطة، أي أن المسؤولية هنا تقع على الفرد نفسه، مضيفا: «لكن هذا لا يعني أن هذا هو السمت العام لمسلمي الأقليات، فالإقبال على الإنترنت في تصاعد مستمر، كما أن هناك إقبالا متزايدا من طرف مسؤولي المراكز والمؤسسات والأئمة على إنشاء مواقع إسلامية تهتم في الأغلب بعرض أنشطة المؤسسة والرد على بعض الأسئلة الفقهية».

أما المواقع الإسلامية التي تطلق من الدول الإسلامية فقد نجحت إلى حد ما في الربط بين مسلمي الغرب والعالم الإسلامي، وهذا يتوقف على نوعية هذه المواقع نفسها من حيث مضمون الرسالة التي تحملها وكذلك الفئة المستهدفة من هذه الرسالة.

ويرى التريكي أن ضعف التمييز لدى بعض القائمين على هذه المواقع بين الرسالة التي يجب أن توجه للغرب والرسالة التي توجه للعالم الإسلامي أو لجزء منه قد وضعهم في تناقضات عدة سببت لهم حرجا كبيرا، فليست كل المواقع الإسلامية اليوم تحمل بالضرورة رسالة صالحة لمسلمي أوروبا، بل للأسف كثير منها غير صالح حتى للعالم الإسلامي! وبرأي التريكي أنه من المهم تفعيل دور هذه المواقع لكي تتخطى دورها الإعلامي لتقديم أدوار إنسانية ودعوية وتربوية تخدم الأقليات، لكن تلك الخطوة يجب أن يسبقها التفكير في كيفية رفع مستوى الوعي بأهمية هذه المواقع، وجزء من هذه المسؤولية يقع على عاتق المؤسسات الإسلامية في الغرب، حيث بالإمكان تهيئة قاعات إنترنت لروادها وتوجيههم لزيارة مواقع معينة...، إلى غير ذلك.

ومن كندا يحدثنا عماد حلاق، عضو مجلس مسلمي مونتريال (كبرى مدن مقاطعة كيبيك جنوب شرقي كندا) قائلا: «طبيعة التحدي الذي يعيشه الإسلام في الغرب تحتم على المسلمين الاستزادة من إسلامهم، ومع ذلك لا يملك المسلمون في الغرب صحيفة أو إذاعة (كندا والولايات المتحدة على سبيل المثال)، ومن هنا فإن المواقع الإسلامية في المقام الأول تبني الثقافة الإسلامية للمسلم في الغرب، حيث يستمد منها المعلومات سواء مواد إخبارية يتطلع إليها المسلمون المهاجرون بسبب تعلق قلوبهم بأوطانهم أو مواد دينية من فتاوى وأحكام وتفسيرات».

وأضاف: «ولكن معظم هذه المواقع ذات طابع سكوني (ستاتيكي) حيث تُحمل فيها المواد وتبقى عليها لعشرات السنين، كما أن معظم هذه المواقع تخصصية ذات طابع أحادي لا يقدم سوى مواد إسلامية دينية كما يقتصر على أئمة كلهم من بلد واحد تقريبا، ولذلك فإنه لا يمكن لها أن تلبي حاجات المسلمين في المهجر الذين يعانون الحرج والمصاعب في أبسط أمور دينهم كالوضوء والصلاة، فما بالنا بمسائل مهمة مثل دعوة غير المسلمين إلى الإسلام أو التعريف بالإسلام، فالمسلم في الغرب يجد نفسه بحاجة لترميم النقص وإعادة اكتشاف الإسلام ليستطيع تقديمه للغربيين، ولكن استثناء من ذلك نجح موقع (إسلام أون لاين) في ربط الأقليات بالعالم الإسلامي من خلال تقديم توليفة متعددة الجوانب في كل نواحي الحياة، فكان موقعا ذا طابع حركي، الأخبار فيه متغيرة والفتاوى متعددة من مفتين من كل بلاد العالم الإسلامي، كما ساهم في تكوين وعي إسلامي جغرافي سياسي بهذه الأمة المترامية الأطراف، وكان وقوفه بالمرصاد لأي تعدٍّ على حقوق الأقليات المسلمة في الصين أو إنجلترا أو فرنسا، وكان مهما في تنبيه المسلمين في البلدان الأخرى».

ويضع حلاق روشتة لتفعيل دور المواقع الإسلامية تتضمن بعض الأمور منها أنه كلما غطى الموقع مساحة أوسع من حاجات الناس كان إقبالهم عليه أكثر، والتحول من الخطاب الديني الوحيد الاتجاه لتناول الحياة بكل جوانبها، فالدين في كل زاوية من زوايا الحياة والإيمان بضع وسبعون شعبة، كما أنه من المهم أن تتحول هذه المواقع إلى مجمع فكري لمفكري هذه الأمة وهو ما يطلق عليه في الغرب Think - Tank بما يسمح لهم باللقاء والتفاعل عن بعد وتطوير الأفكار التي تفيد الأمة المسلمة من خلال المواد الإعلامية والإخبارية من خلال مفكرين مطلعين على أمور الإسلام في الخارج، كذلك من المهم أن تكون المقالات المنشورة مترجمة أولا بأول مع الابتعاد عن الترجمة الحرفية فيكون المستوى متقاربا بين المادتين ولا فارق بينهما.

أما هاني صلاح، الباحث في شؤون الأقليات المسلمة، فيشير إلى أهمية وسائل الإعلام كجسر تواصلي بين الأقليات المسلمة المنعزلة عن جسد الأمة الإسلامية، وعلى رأسها المواقع الإسلامية على شبكة الإنترنت، فالتواصل من خلال الإنترنت متاح لكل دول العالم، كما أن هناك سهولة في إنشاء المواقع بلغات متعددة لكي توجه لمسلمي الغرب مقابل تكاليف مادية منخفضة لذلك بعكس الفضائيات الدينية التي لا نرى فيها برامج موجهة لمسلمي الغرب، وهو ما عمل على نجاح المواقع في عكس واقع الأقليات المسلمة وتحقيق التواصل بينها وبين الدول الإسلامية والعربية، مما أعطى دعما لهذه الأقليات والمؤسسات الموجودة فيها، بمعنى أنها أصبحت بمثابة الرئة التي يتنفسون من خلالها في تواصلهم مع العالم الإسلامي.

وأوضح أنه بجانب هذا النجاح في الدور الإعلامي نجحت المواقع الإسلامية أيضا في أداء أدوار إنسانية واجتماعية وفكرية وأدبية وتربوية، حيث فتحت نافذة للتعريف بأحوال الأقليات المسلمة في كثير من الدول، كما استفادت منها الأقليات في تلبية احتياجاتها من خلال ما ينشر من استشارات فقهية واجتماعية ودعوية وشبابية وما يلمس أمور الحياة اليومية، إلى جانب المواد الإخبارية التي تعمل على التعريف بما يحدث للمسلمين في دول أخرى، وما يزيد من تفعيل هذه الأدوار قيام بعض الأفراد الوافدين إلى البلدان التي بها الأقليات بإنشاء مواقع باللغة المحلية في هذه الدول لترجمة ما ينشر في المواقع الإسلامية مثل مواقع محلية في دول البلقان تترجم ما ينشر في موقعي «إسلام أون لاين»، و«إسلام توداي».

ويدعو الباحث في شؤون الأقليات المسلمة إلى أهمية وجود شراكة بين القائمين على المواقع الإسلامية ورموز وقادة الأقليات في كل دولة لتفعيل دور المواقع بشكل أكبر، مع مراعاة الطبيعة الداخلية لكل بلد وانتقاء ما يناسب الحياة فيها، والتطرق إلى المشكلات الكثيرة التي تواجه الأقليات، وهو المشروع الذي يجب أن يتحمس له الممولون ورجال الأعمال في البلدان الإسلامية.