زعيم المسلمين في غرب البلقان لـ «الشرق الأوسط»: سريبرينتسا نعيشها كل يوم

مصطفى تسيريتش: على العلماء والمفكرين إيجاد الحلول وليس عد المشكلات

د. مصطفى تسيريتش رئيس العلماء في البوسنة («الشرق الأوسط»)
TT

اكتسب الدكتور مصطفى تسيريتش، زعيم المسلمين في غرب البلقان رئيس العلماء في البوسنة، خبرات يفتقدها الكثيرون. وكان قد حضر المؤتمر الأخير للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وقبله المؤتمر الذي نظمته مكتبة الإسكندرية بمناسبة مرور عام على خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى العالم الإسلامي.

حول هذين المؤتمرين، والذكرى الخامسة عشرة لجريمة الإبادة في سريبرينتسا، واقتراب موعد افتتاح مكتبة الغازي خسرف بك بدعم من دولة قطر، التقت «الشرق الأوسط» به في هذا الحوار.

* حضرتم المؤتمر الأخير للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي عقد في إسطنبول على مدى عدة أيام، لو تحدثونا عما تمخض عنه هذا المؤتمر الهام جدا، وهل لديكم تعليق على ذلك؟

- الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد كان يسعى منذ 20 سنة لأن يكون للمسلمين اتحاد عالمي لعلماء المسلمين، وهو حلم من أحلام الشيخ القرضاوي مع زملائه الذين أيدوا الفكرة، وأنا سعيد كوني واحدا من هؤلاء الذين شاركوا في تأسيسه ونموه. شاركنا في الجمعية العمومية، وشهدنا نقاشا مفيدا لفهم أوضاعنا الراهنة والاهتمام بقضايا المسلمين اليوم من كل النواحي، إلا أنني أرى أنه يجب على الاتحاد أن يكون أكثر فعالية وتواصلا مع الشعوب الإسلامية. العلماء هم قادة الفكر وقادة مجتمعاتهم، ولذلك يجب أن يساهموا في إيجاد الحلول للمشكلات وليس الاكتفاء بالعرض فقط. إذ أن عرض المشكلات ليس صعبا، فالعرض ممكن، ولكننا نحتاج لمن يقدمون الاقتراحات والحلول، وهذا هو الهدف من إنشاء الاتحاد. بمعنى أن الاتحاد مرجع شرعي، لمواجهة المشكلات القائمة وتقديم الحلول لقضايا المسلمين في الوقت الحاضر والمستقبل.

* حضرتم أخيرا مؤتمرا في الإسكندرية بمناسبة مرور عام على خطاب أوباما للعالم الإسلامي، ماذا بقي من خطاب أوباما بعد هذه الفترة؟

- أولا أهنئ مدير مكتبة الإسكندرية على تنظيم المؤتمر بعد عام على خطاب أوباما ولنناقش هذا الخطاب ونعرف ما تحقق منه وما لم يتحقق، ونسبة الحلم في الخطاب. وهناك ثلاث مجموعات، الأولى ترفض الخطاب جملة وتفصيلا، والثانية تقبل بكل ما جاء فيه. وهناك وسطيون ينظرون للخطاب بأنه خطوة نحو الاتجاه الصحيح، ولكنها غير كافية. ونحن نعتقد أن الرئيس باراك حسين أوباما عندما تحدث في القاهرة كان صادقا، وأراد فعلا أن يغير، ولكن قوى أخرى عرقلت مساعيه، وهو لا يعرف كيف يتخلص من تلك العوائق والعراقيل، ونحن بدل أن نساعده في رسالته، هناك من يساهم مع الأعداء في عدم ترجمة أقوال أوباما إلى أفعال. ويضعون عراقيل تضاف إلى التي يعانيها داخل الولايات المتحدة الأميركية من طرف اللوبيات. ولكن هذا لا يعني أني من الذين يعيشون في الخيالات أو الشاطحين بهذا الاتجاه أو ذاك مع إقراري بأن الخطاب تاريخي. وربما الرئيس لم يقل جديدا لا نعرفه. ولكنه كان يتكلم باسم الولايات المتحدة، ولم يكن كلاما ارتجاليا لمتحدث حر. وقال كلمة تاريخية وهي أن الولايات المتحدة والعالم الإسلامي يجب أن يعملوا سويا في الكفاح من أجل حقوق الإنسان والحرية وكرامة الإنسان حيثما كان.

* هناك من لا يرى فائدة من إقامة المؤتمرات؟

- هل يمكن أن تكون هناك فائدة من دون مؤتمرات؟

* نحن نعيش أجواء الذكرى 15 لجريمة الإبادة في سريبرينتسا هل من جديد؟

- قضية سريبرينتسا في 11 يوليو (تموز) قد غيرت مفهومي للوقت والزمان، وأشعر بأني أعيش 11 يوليو كل يوم، وأحس بأن 11 يوليو قريب مني باستمرار. وكأنه حدث بالأمس، نحن نعيش 24 ساعة سريبرينتسا والإبادة الجماعية. ولا أستطيع قول الجديد سوى أن هناك بكاء، وهموما، وهناك عجز عن تقديم البلسم الشافي للضحايا وذويهم، ووقف ما يعتمل في النفس من ألم. 11 يوليو يعيد كل هذه الصور وكل هذه المعاناة. ما نقوله إن الاتحاد الأوروبي أصدر بيانا يعتبر يوم ذكرى الإبادة الجماعية سريبرينتسا ذكرى في كل أوروبا. ولكن هذا لا يكفي، يجب أن تكون هناك مناهج دراسية تتحدث عن سريبرينتسا في أوروبا، من الابتدائية إلى الثانوية إلى الجامعة، وكيف كان بالإمكان أن يحدث في أوروبا ما حدث في نهاية القرن العشرين. أوروبا أخرجت المسلمين واليهود من إسبانيا سنة 1492. واستقبلهم المسلمون في البلقان، وفي الحرب العالمية الثانية عاش العالم بأسره الهولوكوست بطرق مختلفة، وفي تسعينات القرن الماضي حدثت الإبادة في سريبرينتسا. إذن يجب على أوروبا أن تتنبه لهذه الحقائق التاريخية حتى لا تتكرر سريبرينتسا.

* أعيد في الذكرى 15 لجريمة الإبادة في سريبرينتسا 775 ضحية، وهو أكبر عدد يعاد دفنه في مقبرة الشهداء ببلوتتشاري منذ بدء إعادة دفن الضحايا هل من دلالات لذلك؟

- يقول المولى سبحانه وتعالى «أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا»، فما بالك بأكثر من 8 آلاف نسمة. عندما ترى 8 آلاف شهيد قتلوا من دون ذنب فهذا قتل للناس جميعا أكثر من 8 آلاف مرة. على كل حال أريد أن أشارك أهالي الضحايا الذين يعيدون دفن ذويهم آلامهم ومصابهم الجلل الذي هو مصابنا جميعا، ولا سيما أولئك الذين يدفنون جزءا فقط من ذويهم في انتظار العثور على أجزائهم الأخرى. ونحن اليوم على الرغم من كل التضحيات توجه لنا التهم بأننا نريد تطبيق الشريعة الإسلامية. لم تكن الشريعة مطبقة في سريبرينتسا. أوروبا كلها يجب أن تحس بالخجل، وأن تعيد النظر في إجراءاتها ضد المسلمين، فما هو القانون الذي بموجبه تم تنفيذ جريمة الإبادة في سريبرينتسا. وعدونا بالدفاع عنا، ونزعوا أسلحتنا، ومنعوا السلاح عنا، ثم أعلنوا المنطقة آمنة، وسمحوا للصرب باستباحتها. لو كانت الشريعة سائدة لما حصل ما حصل.

* لذلك بنى الأهالي نصبا تذكاريا من الأحذية للأمم المتحدة؟

- نعم رأيت هذا.

* البرلمان الصربي أصدر بيانا يدين ما حدث في سريبرينتسا، لكنه لم يذكر لفظ الإبادة، والرئيس الصربي طاديتش ممن حضروا الذكرى 15 لسريبرينتسا كيف تقيمون ذلك؟

- الدكتور طاديتش زار سريبرينتسا من قبل وزيارته الأخيرة لا تضيف جديدا. زيارته ليست حدثا يمكن التركيز عليه، ولا هي زيارة صادقة، ولكنها من أجل أن يقول للغرب إن صربيا ليست مسؤولة، وإن القضية مسؤول عنها شخص مات، وهكذا ببساطة يتنصلون من الجريمة. ومعاملته للمسلمين في السنجق لا تؤكد بأنه صادق بل هو ينافقنا في سريبرينتسا وفي السنجق.

وبخصوص بيان البرلمان الصربي أريد القول إن البرلمان الأوروبي أصدر العام الماضي 2009 بيانا يعد المعيار الذي لا يمكن لأحد أن ينزل عن السقف الذي وضعه. وهو بيان نتيجة لجهود المشيخة الإسلامية وضحايا سريبرينتسا. لقد نجحنا في إقناع 560 صوتا لصالح البيان، و22 تحفظوا، و8 صوتوا ضده وهم مجموعة لوبان من فرنسا. أما السياسيون فلم يستطيعوا أن يتفقوا على نشيد قومي للبوسنة.

* قريبا تفتتح مكتبة الغازي خسرف بك، لو تحدثونا عن هذا المعلم المهم؟

- المشيخة الإسلامية قامت بمشروع بناء مكتبة الغازي خسرف بك، وأريد أن أقول بهذه المناسبة وباسم المسلمين في البوسنة، بأننا نقدم شكرا عميقا لدولة قطر، خاصة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي قام بدعم المكتبة، والذي نعتبره مشروع القرن في سراييفو والبوسنة، وهو من أثمن المشاريع بعد بناء وقف غازي خسرف بك، المسجد والمدرسة سنة 1537.