دعوة للفرح (2)

د. عائض القرني

TT

12) مُدَّ جسور التواصل تنقذ سفينتك من الغرق: واغرس لك في القلوب شجر المحبة، وتعاهد صداقتك بالناس واكسب ودهم، واحذر من أن تخسر أحدا من الناس وفي استطاعتك كسبه.

13) لا يوهمك الشيطان أنك أفضل الناس: تخلص من عقدة الوهم، عندما تفكر في فضائلك وترى محاسنك فتتوهم أنك وحيد زمانك وأفضل معاصريك، فهذا كله زور ودجل، وهو من تلبيس إبليس، ففي العالم آلاف العلماء والكرماء والأذكياء والعباقرة والنجوم، أفضل مني ومنك مئات المرات. فخففْ من إعجابك بنفسك وطأطئ رأسك واخشع لربك وتواضع لبني جنسك.. إن كنت عالما، ففي قومك علماء أنبل وأفضل، وإن كنت كاتبا فهناك كتاب أشهر وأنبل.. وهكذا، فاعترف بالحقيقة واهضم نفسك.

14) اعترف بمواهب الناس يعترفوا بموهبتك: من أصعب الأمور على النفس جحود الناس للموهبة وكتمانهم لفضائل الآخرين، فإن أردت أن يعترف الناس بموهبتك فاعترف بمواهبهم واشكرهم عليها؛ فلست تملك كل المواهب وحدك، بل عند الناس مواهب ليست عندك، فإن كنت شاعرا فغيرك خطيب، وإن كنت صاحب مال فسِواك عالم أو طبيب أو وزير أو مهندس أو طيار، فلماذا تحتكر فضل الله الواسع وفي الناس من يفوقك في أي موهبة؟

15) بعد زمن لن تكون موجودا: تفكر أنك سوف تغادر هذه الحياة قريبا، فاحرص على حسن العلاقة مع الناس لتذكر بعد موتك بخير ويُدعى لك بعد موتك. لن تذهب من هذه الحياة بشيء إلا بعملك، فاترك خلفك ذكرا جميلا وثناء حسنا، لا تسئ لأحد من البشر فتبقى نقطة سوداء في دفتر أعمالك، أنت جئت للدنيا مؤقتا، وتذهب كما ذهب من قبلك لتعطي الفرصة لغيرك، فأحسنْ إلى الناس ما دمت في رحلة قصيرة.

16) اترك عقدة المؤامرة وتربص الناس بك: الناس لا يفكرون فيّ ولا فيك، فعندهم هموم وغموم وسموم، الحياة صعبة تشغل الإنسان عن العالم بأسره، فلا تظن أن الآخرين سهروا يدبرون لك بكيدهم أو أنهم مشغولون بالتخطيط للنكاية بك. نظف ذهنك من هذه المعتقدات التي اعتقدت بسببها أنك ضحية للقاضي، والجندي والصديق والتاجر والمجتمع بأسره، عِش الاطمئنان وتوكل على الله، فلن يصيبك شيء إلا بإذنه.

17) لا يأخذ أحد من رزقك أبدا: الرزاق هو الله وحده، قسّم الأرزاق على عباده، فلن يأخذ أحد من رزق أحد ولا من موهبته، فلا تحسد أحدا على ما أعطاه الله، ولا تخفْ على موهبتك فلن يصل إليها أحد. الخزائن كلها عند الله فاطلب ما أردت من ربك، فالناس لا يملكون ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. اترك الأنانية وضيق الصدر والشح، فالخير كثير ولا يحجبه أحد عن أحد. 18) الحياة شراكة فلا تلغِ أدوار الآخرين: يظن بعض الناس أن الحياة تتوقف عليهم لتضخم مواهبهم في أذهانهم، والصحيح أن الحياة سوف تستمر من دونهم كما كانت قبل وجودهم تماما. الحياة لا تتوقف على صنف العلماء أو الحكام أو التجار أو الأدباء أو الأطباء، بل هي تقوم على طاقات ومواهب من كل جنس وصنف ولون، فإذا أعطاك الله موهبة فإنما هي ذرة في هذا الكون، وأنت نقطة صغيرة في هذا العالم، فاعرف قدرك ولا تهوّنْ من شأن غيرك لتعيش.

19) كن لطيفا في الزحام: تمر بك حالات من الزحام في المطار والمستشفى والمعارض الدولية والميادين فتصرّفْ بلطف تكسب احترام الجميع، اترك المجال لغيرك ليتقدم، كلها دقائق معدودة وينتهي الزحام وتحل المشكلة وتخرج فاترا مسرورا، قدّرْ ظروف الناس: الشيخ الكبير، العالم، المريض، الطفل.. أسبغ عليهم لطفك، تواضع لهم، افتح لهم المجال تنلْ الدعاء والثناء والرضا والحب.

20) فكّرْ في ذنوبك لا في ذنوب الناس: مشكلة كثير منا أنهم يتشاغلون بذنوب الناس وأخطائهم، ويتركون ذنوبهم وكأنهم ملائكة مطهرون أو أنبياء معصومون، ثم يتكبرون على عباد الله.. وهل بقي في الدنيا وقت حتى نفتش في ملفات البشر ونكتشف زلاتهم؟ يا لها من حماقة كبيرة يوم ننغمس في آثام الآخرين ونحن نغوص في بحر الآثام. إذا تشاغلت بعيوبك شغلتك عن عيوب الناس، حينها ترحمهم، وتشفق عليهم وتتصالح معهم، وتترك الغطرسة والعجب والتيه.

21) انزل إلى أفكار البسطاء وهموم العامة: ليس كل الناس علماء أو فلاسفة أو عباقرة، بل غالب الناس من العامة، فتعامل معهم ببساطة ولا تستعرض أمامهم مهاراتك أو عضلاتك، حدثهم بلهجتهم وعلى حسب استيعابهم تكسب قلوبهم، وشاركهم أفراحهم وأتراحهم، ولا تتقعر في ألفاظك معهم فتصبح عندهم بغيضا ثقيلا، كن سهلا ميسرا قريبا من أفكارهم ولغتهم، ودَعْ استعراض مواهبك، فلن ينفعك هذا إلا النفور والكراهية. 22) احترم الأسماء ولا تلغِ الألقاب الجميلة: نادِ صاحبك بأحب الأسماء إليه، فهو أجمل نداء في أذنه، ولا تلغِ ألقابه المحببة إلى نفسه التي كسبها بجهده في حياته كلفظ الشيخ والسعادة والحضرة والسماحة والدكتور والمهندس والأستاذ ونحوها، ماذا تستفيد من التحطيم إلا العداوة وظهورك بثوب الحاسد الجاحد؟ أأنت الذي منحتهم هذه الألقاب الجميلة أم هم الذين نالوها بجهدهم وعرقهم؟ فلماذا تريد إلغاءها؟ كرّمْ الناس ليكرموك واحترمهم يحترموك.