القيادة الدينية في القرية العالمية

شون كيلينغ

TT

إن الزيارة المهمة التي قام بها مؤخرا فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس، إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة، إلى المملكة المتحدة، توضح ظاهرة قليلا ما تتم الإشارة إليها، ألا وهي عمق الروابط الدينية بين المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة. فالموضوع يستحق التفكير والتأمل، إذ غالبا ما تكثر الإشارة إلى توجه المسلمين نحو القبلة في صلواتهم اليومية، وأن نحو 20 ألف حاج بريطاني يؤدون فريضة الحج كل عام. إلا أنه نادرا ما يتم التطرق إلى مدى تأثير الدور الديني السعودي في المملكة المتحدة. يشهد عدد المسلمين البريطانيين الذين يحرصون على الحصول على إرشاد ديني من المملكة العربية السعودية تزايدا مستمرا، وبات الدور العام الذي يلعبونه أكثر وضوحا، باتت مظاهر البنية التحتية الإسلامية هناك - التي لا تتعدى عددا من المساجد والمكتبات الدينية - تنمو بشكل منتظم. لذلك فإنه من المهم أن يتلقوا نصائح مفصلة ودقيقة، وفقا لاحتياجاتهم التي تعكس واقع حياتهم في مجتمع غير مسلم.. وهو ما يسمى «بفقه الأقليات». إن مجرد حدوث مثل هذه الزيارة يمثل انعكاسا لمجتمع يواصل احترامه للتنوع، ومكان يتيح للمسلمين، بما في ذلك الفئات المحافظة، القيام بدور حيوي وإيجابي، ويجب علينا ألا ننسى أنه بينما تجد المسلمين مهمشين اجتماعيا في دول غربية أخرى، تجدهم في المملكة المتحدة منخرطين وبإيجابية داخل الحكومة وفي مؤسسات المجتمع المدني. وهذا أمر يتطلب الدعم والتشجيع من الأصوات الإيجابية، مثل فضيلة الشيخ السديس.

حرص فضيلته خلال لقاءاته ومحاضراته وخطبه على إبراز هذه النقاط. وتبرهن كلماته على وجود فهم واضح للتحديات التي تواجه المسلمين البريطانيين، لا سيما في الوقت الراهن الذي تكثر فيه المفاهيم الخاطئة. إن رسالة فضيلة الشيخ قد طمأنت المجتمع عامة وأيضا وسائل الإعلام، وهذا مهم بل في غاية الأهمية. وفي معرض تصريحاته بشأن الدين الإسلامي وطبيعته القائمة على السلم والتسامح، ذكر فضيلته أن الطلاب السعوديين (الذين سيتخرج منهم 1200 طالب هذا العام) والمسلمين البريطانيين يعدون «سفراء للإسلام»، وأن الإسلام جاء «لبناء جسر للسلام والمحبة مع الآخرين»، ولاقت هذه التصريحات اهتماما بالغا من قبل جمهور عريض، بينهم بعض المشككين والمنتقدين وهم الفئة التي ربما خاطبها فضيلة الشيخ بقوله «لا ينبغي الخوف من الإسلام». إلا أن فضيلة الشيخ أصاب كبد الحقيقة حين قال على سبيل التمييز إن المشكلة تكمن في المسلمين ذاتهم وليس في الدين الإسلامي.

إن إدانة الشيخ الصريحة للإرهاب بقوله «إنه لا يعرف دينا ولا جنسية» قد تكون مألوفة لدى المسلمين في المملكة العربية السعودية، وهي من الأهمية بحيث يجب ترديدها مرارا وتكرارا في الأوساط الدولية. كما أنه يجب على المسلمين في المجتمعات الغربية التركيز على هذه الرسالة بصورة أكثر فاعلية. ويأمل المرء أن تسهم هذه المشاعر الإيجابية في الحث على العمل الديني لدى الأشخاص الذين زارهم الشيخ في أرجاء المملكة المتحدة، ابتداء من البلدة الصغيرة بلاكبيرن إلى مدن أكبر مثل كارديف ومانشستر ولندن، ومن المساجد والمراكز الإسلامية إلى الطلبة والجمعيات الخيرية. كما يؤمل أن تساعد هذه الزيارة البالغة الأهمية والثرية بالمفاهيم الإيجابية على كسر الحواجز بين المسلمين وغيرهم داخل المجتمع البريطاني. وينبغي على المسلم أن يتحلى بالثقة اللازمة للتواصل مع جيرانه وزملائه، بغض النظر عن معتقداتهم، لأداء هذا الدور.

لكن دعونا نؤكد على أن هذه الروابط الدينية القوية ليست في اتجاه واحد فقط. حيث إن علماء الدين الذين يقضون وقتهم في المملكة المتحدة ويحرصون على فهم الحراك داخل المجتمع المحلي والمجتمع بشكل عام يتأثرون أيضا بهذه التجربة، وهذا في حد ذاته يعد تطورا إيجابيا وفريدا من نوعه، لأن تزايد فهمهم لقضايا المسلمين في بريطانيا يعتبر أمرا جيدا، وهذا بالطبع سيزيد من قوة الترابط. إن أهمية مثل هذه الزيارات تكمن في أنها دعوة إلى حسن النية وبناء الثقة، كما أنها مصدر إلهام يزيد من التفاؤل ويشجع المسلمين على المساهمة في مجتمع منفتح. وهي أيضا نوع من أنواع التطوير للقيادات الدينية في القرية العالمية. وأخيرا، يجب تشجيع العلماء الذين هم على استعداد للمضي قدما في أداء هذا الدور. كما أود أن أتقدم بجزيل الشكر لفضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس على استمراره في الدفع بهذا التوجه بأسلوب مبهر.

* مستشار السفارة البريطانية في الرياض