السعودية.. قبلة المسلمين وأشهى أطباق الصائمين

شون كيلينغ

TT

إن الإسلام في المملكة العربية السعودية، كما هو الحال في أرجاء العالم الإسلامي، يملك طابعا اجتماعيا، خاصة في شهر رمضان. وعلى الرغم من أساسيات شهر الصوم التي تتمحور حول الصيام من الفجر حتى غروب الشمس والحرص على القيام بالأعمال الخيرية من صدقات وزكاة وتأمل، فإن هناك اختلافات ثقافية تختلف من مكان إلى آخر. ومثال على ذلك الفرق الواضح بين قضاء رمضان في المملكة العربية السعودية وقضائه في المملكة المتحدة، خاصة فيما يتعلق بحديثي العهد بالإسلام. وفيما يلي بعض الملاحظات الشيقة.

تقدم المملكة العربية السعودية الكثير لأولئك الذين يفضلون أن يعيشوا تجربة ثقافية رمضانية، نظرا لكونها مجتمعا يضم الكثير من الجاليات الإسلامية المختلفة، فهي تعتبر خليطا، أو بمعنى آخر مسرحا ثقافيا يندر وجوده خارجها، إذا استثنينا المملكة المتحدة التي تشترك مع السعودية في هذه الخاصية.

لقد لاحظت خلال سنوات عملي في المملكة العربية السعودية أمرا مثيرا للاهتمام، وهو أنه باستثناء الرغبة في زيارة الحرمين الشريفين، فإن بعض المسلمين من البلدان الإسلامية الأخرى قد ينتابهم شعور بالحنين لقضاء رمضان في بلدانهم. إذ إنهم يتوقون إلى مشاركة أسرهم مائدة الإفطار، ويكثرون الحديث عن تجاربهم الرمضانية في أوطانهم، خاصة فيما يتعلق بأطباقهم الرمضانية المفضلة وعاداتهم الاجتماعية واختلاف مواقيت الإفطار والسحور والأجواء الرمضانية في الطرقات. وينطبق هنا المثل الإنجليزي «لا مكان كالوطن».

ومن ناحية أخرى فإنني لاحظت أن حديثي العهد بالإسلام من الدول الغربية المقيمين في المملكة العربية السعودية غالبا ما يرفضون السفر خارج السعودية خلال هذا الشهر الكريم. إذ إنهم يميلون إلى الاستمتاع بالتجربة الرمضانية في بيئة إسلامية بحتة. وقد أوضحت لبرنامج «إيضاحات» بإذاعة القرآن الكريم في شهر رمضان الماضي تجربتي الرمضانية في المملكة المتحدة، وأبديت بعض الملاحظات والأفكار، إلا أنني وجدت نفسي أعاود ذكر الفوائد التي لا حصر لها عند قضاء شهر رمضان الكريم في السعودية. وإنها بالتأكيد ليست مجرد مسألة نمطية تتلخص في صيام يوم صيفي طويل - إذ إنه ينادى لأذان المغرب في بلدتي الساعة 8:45 مساء - حيث إن هناك اعتبارات أخرى.

يؤكد السعوديون على أهمية التجمعات الأسرية في شهر رمضان، وهو أمر يفتقده حديثو العهد بالإسلام، لذلك تجدهم يميلون إلى التركيز على العلاقات الاجتماعية في المساجد. وهذا يقودنا إلى واحدة من أجمل ميزات الإسلام في الغرب: وهي أن الدور الرئيسي للمسجد في حياة المسلمين ليس مجرد مصلى، فهو أيضا مركز اجتماعي يتجمع فيه المسلمون للتأمل والتعلم وتكوين العلاقات. كما يوفر المسجد لحديثي العهد بالإسلام حيزا اجتماعيا آمنا. فهم يحرصون على الوجود بالمساجد لفترات طويلة للتعلم، لكن قد تصلهم رسائل خاطئة، نظرا لافتقار المسلمين الجدد لفهم الشريعة الإسلامية. وفي جميع الأحوال، تلعب المساجد في الغرب دورا يشابه إلى حد كبير دورها في أيام الحضارة الإسلامية. وسوف أوضح دور المساجد في الغرب في مقالي القادم.

يعكس شهر رمضان الكريم أفضل ميزات المملكة العربية السعودية. إذ إنه واحد من أشهر السنة الذي يمتاز بأولوية الحياة الاجتماعية والتجمعات الأسرية، فتكثر الزيارات بين الأهل والأصدقاء ليتشاركوا وجبتي الإفطار والسحور. كما يتجمع الكبار والصغار لتأدية صلاة التراويح. ومع الحرص على تأدية الفرائض وتغيير العادات الاجتماعية تجد في بعض الحالات أن النهار يصبح ليلا والليل يصبح نهارا. وقد يحول البعض شهر رمضان ليصبح شهر التلفاز والولائم. وهذا التحول يشبه كثيرا ما يحدث في الغرب أثناء فترات أعياد الميلاد. وهذا التغيير النمطي الذي يطرأ على الحياة قد يكون سلبيا في مظهره، إلا أنه يعكس بركة وكرم هذا الشهر الفضيل. وقبل أيام قليلة دعيت لحضور وجبة الإفطار في منزل زميل غير مسلم، حيث كان قد صام هذا اليوم لمشاركتنا معنويا. وقد كانت هذه تجربة فريدة من نوعها بالنسبة لبعض الأصدقاء المسلمين الزائرين من المملكة المتحدة.

وعلى الرغم من الاعتبارات المذكورة أعلاه، فإن هناك الكثير من الأشياء الرائعة التي نقوم بها جميعا في هذا الشهر الكريم، مثل قيام الشباب بتوزيع وجبات إفطار خفيفة عند إشارات المرور، والخيام الرمضانية الموجودة قرب المساجد. إن التغيير الذي يطرأ على الوضع الثقافي، وحيوية الدوائر الاجتماعية، والتجمعات الأسرية، والتسابق الكبير للعمل الخيري، والرغبة في العطاء، وفرصة تأدية صلاة التراويح خلف بعض الأئمة المميزين، وفرصة القيام بتأدية العمرة، كل ذلك يجعل المملكة العربية السعودية بحق أشهى طبق يمكن أن يتناوله صائم.

* مستشار السفارة البريطانية في الرياض