عالم فلك بوسني لـ «الشرق الأوسط»: الكثير من الإنجازات العلمية كان وليد تحديات الفضاء

محمد مؤمينوفيتش: أبحاث الفضاء ليس من أجل معرفة أسرار الكون بل للبحث عن مصادر الطاقة البديلة

د. محمد مؤمينوفيتش عالم الفلك رئيس جمعية الفلكيين البوسنيين («الشرق الأوسط»)
TT

يواصل الدكتور محمد مؤمينوفيتش عالم الفلك، رئيس جمعية الفلكيين البوسنيين، اتصالاته بالمراصد والمراكز الأكاديمية الدولية، ليقف على آخر التطورات العلمية في مجال الفلك، كما يقوم بإعداد الدراسات من خلال استخدام أدوات خارج بلاده البوسنة، وذلك منذ تعرض المرصد الوطني البوسني لعلم الفلك، للتدمير على يد الصرب سنة 1992. وهو منذ 18 عاما يعمل بلا كلل ولا ملل من أجل إعادة بناء المركز على أسس حديثة، وهو ما يحتاج لمليون يورو، حسب تقديراته.

والدكتور محمد مؤمينوفيتش من مواليد بنيالوكا سنة 1948، لكنه لم يعش فيها سوى 4 سنوات، انتقل بعدها مع عائلته إلى سراييفو سنة 1952.

وأشار الدكتور محمد مؤمينوفيتش إلى أن «الإمكانيات العلمية متوفرة لفريقه، ولكن ينقصه الأدوات التي تعتبر ضرورية من أجل البحث العلمي، وتطوير آفاق البحث، إلى جانب نشر ثقافة علم الفلك، في الأوساط المدرسية». وأضاف أن «علم الفلك يقف وراء ظهور الكثير من العلوم على مستوى التنمية، كعلوم الذرة، وكذلك على مستوى الأسلحة الذرية، والأبحاث الجارية لمعرفة المزيد عن أسرار الكون، وبداية الحياة على كوكب الأرض».

وأكد الدكتور محمد مؤمينوفيتش أن «الاهتمام مركز، اليوم، على أبحاث الفضاء، ليس من أجل معرفة أسرار الكون فحسب، وإنما للبحث عن الطاقة البديلة التي لم تعد الأرض تفي بها». وواصل قائلا: «لدى العالم مشكلة في الطاقة، فالموارد الموجودة مثل النفط معرضة للنضوب وللفناء، والطاقة النووية يمكن أن تمثل بديلا مرحليا إلى حين العثور على أشكال أخرى من الطاقة، وعندما تظهر دولة كالولايات المتحدة اهتماما على سبيل المثال بغزو الفضاء، وتقوم إنفاق عشرات المليارات، وتخصيص مراصد ومراكز ضخمة، ومؤسسات عتيدة، كوكالة «ناسا» مثلا، فإنها لا تفعل ذلك من باب الفضول، وإنما تعي ما تفعل، إذ إن المستقبل في السماء». وعما إذا كانت لديهم نية للاستثمار في هذا المجال، أفاد بأن «لديهم خريجين من جامعات عريقة في هولندا وبريطانيا، ينتظرون إقامة البنية التحتية للأبحاث العلمية في سراييفو، ليتمكنوا من الإسهام في إنتاج المعرفة، وليس نقلها معلبة فحسب». ويعمل الدكتور محمد مؤمينوفيتش للتأسيس لعلم الفلك، انطلاقا من مكان المرصد السابق الذي دمره الصرب أثناء العدوان على البوسنة سنة 1992 واستمر حتى 1995. ولكنه يقول: «نحتاج لمليون يورو لنبدأ بقوة، وقد تم نزع الألغام وتنظيف المكان، وطموحاتنا أن يكون لدينا تلسكوب عال وتلسكوب روبوت، فنحن جمعية غير حكومية لا نتلقى الدعم الكافي، والمساعدات التي نتلقاها ضئيلة، ومنها حصولنا على عدد من تلسكوبات غاليليو بمناسبة مرور 400 عام على قتله، حيث حصلنا على ألف تلسكوب بقيمة 30 ألف يورو من دولة النرويج عن طريق السفير النرويجي في البوسنة، لتوزيعها على المدارس الابتدائية والإعدادية، وسيتمكن الكثير، ولأول مرة، من رؤية السماء عن قرب».

وحول المراصد التي يهدف للحصول على نموذج منها، قال الدكتور مؤمينوفيتش، إن «تلسكوب ألما، في شرق أوروبا الذي موله الاتحاد الأوروبي بـ100 مليون يورو نموذج تتمنى بعض جمعيات الفلكيين في العالم الحصول على مثله، ولكن أفضل التلسكوبات هي الموجودة في بعض مناطق تشيلي، فهي مكان مناسب من حيث العلو والصفاء بين السماء والأرض، والمطر لم ينزل فيها منذ 100 عام». ونوه بالأبحاث التي تستهدف الاستفادة من الفضاء لمعرفة قوانين التحكم في الأشياء على الأرض والنسج على منوالها، فالطاقة الذرية ناتجة عن مراقبة عملية التفاعل في الشمس ومحاكاة الانفجار الكوني الكبير. وأردف «عندما نعرف القوانين المسيرة للأجرام والأثقال الموجودة في الفضاء يمكننا تطبيقها على الأرض والوصول إلى اختراعات باهرة» وعن حصيلة الأبحاث وعمليات الرصد والاستنتاج وإرسال المسابير (جمع مسبار) والمراكب إلى السماء، أفاد بأن «ما تم التوصل إليه، ورغم عظمته، لا يساوي قطرة في بحر، فالقول إن الكون لا نهائي، يعني وفق معارفنا الآنية، وهناك أسئلة كثيرة لم نجد لها إجابات حتى الآن، مثل، هل توجد كائنات أخرى في الفضاء، وهل توجد أكوان أخرى غير الكون الذي يلفنا، معلوماتنا على كثرتها شحيحة في هذا الميدان، ومن ينظر إلى السماء من خلال تلسكوب كبير يشعر بالدهشة ويتبين ضحالة ما هو موضوعي في حياتنا». وعن دور علم الفلك في تطور الصناعة، أوضح أن «الكثير من التقنيات، ولا سيما الإلكترونيات مدينة في تطورها إلى علم الفلك، من كاميرا التصوير إلى المناظير والمراصد الكبرى إلى المسابير والمحطات الفضائية، فالرغبة في معرفة آفاق الكون وراء الكثير من الاختراعات والمنجزات التكنولوجية».

وفي رده على سؤال حول مقولة «عسكرة الفضاء وحرب النجوم» وما إلى ذلك، أكد أن «الفضاء أصبح ساحة معركة حقيقية بين علماء الأمم الذين طوعوا معارفهم لخدمة أهداف دولهم، ومن ذلك «عسكرة الفضاء» وما يسمى بـ«حرب النجوم»، وربما نسمع في وقت لاحق عن تأسيس أول قاعدة عسكرية فوق القمر أو المريخ أو غيره من الكواكب، أو تطويع إحدى آليات عمل الأجرام السماوية وتفاعلاتها لخدمة أغراض سياسية وغيرها من أجل السيطرة أكثر على الآخرين». وحول المستوى الذي وصل إليه علم الفلك، قال: «الحدود التي بلغها هي معرفة مسافة تعد بـ5.13 مليار سنة ضوئية، وأمامنا مليارات من السنوات الضوئية التي لم نكتشفها حتى الآن».