برنامج أكاديمي متميز يطمح إلى عصرنة التعليم الديني في زمن التحديات

تحت عنوان «كن شريكا في إعادة الفعل الإسلامي الحضاري»

TT

انطلق في جامعة بيروت الإسلامية - كلية الشريعة، برنامج أكاديمي خاص يمنح شهادة الماجستير في الفكر الإسلامي المعاصر، ويتميز بمنهجية وأكاديمية تجعل منه برنامجا فريدا من نوعه، في وقت كثر فيه الحديث وتعددت المبادرات لإعادة تقديم الفكر الإسلامي بعيدا عن الصور والتقسيمات النمطية التي ألصقت به في السنوات الأخيرة.

ويأتي هذا البرنامج كثمرة تعاون أكاديمي بين جامعة بيروت الإسلامية والمعهد العالمي للفكر الإسلامي، ويهدف، بحسب معديه، إلى تلبية اهتمامات طلبة الدراسات العليا والباحثين المهتمين بقضايا الفكر الإسلامي والنهوض الحضاري. لكن تعدد ميزاته المرتكزة على المرونة الإدارية وعصرنة وسائل التلقي ومواكبة النظم التعليمية الحديثة من دون الابتعاد عن مصادر التشريع الأساسية، يجعل منه محط أنظار كثيرين ممن يطمحون إلى دراسة الفكر الإسلامي وتحول بينهم وبين ذلك معوقات إدارية أو جغرافية أو منهجية.

فالبرنامج يتوجه إلى الراغبين من خريجي الشريعة الإسلامية، ومن اختصاصات الدراسات الاجتماعية والهندسية والعلوم والطب وغيرها من التخصصات، ممن يهمهم التعمق في فهم الإسلام وما وصل إليه الفكر الإسلامي المعاصر في محاولات التجديد الحضاري والتحديات المدنية، لكنه لا يشترط «الدين» كأحد شروط الانتساب إليه، إذ يمكن لأي كان، مهما كان دينه ومهما كان تخصصه الجامعي أو مكان وجوده، متابعة البرنامج الذي صمم لتعريف الطلبة ممن لم يتخرجوا في فروع الدراسات الإسلامية على مراجع الفكر الإسلامي وأصوله، قبل التعرض لدراسة معمقة في الفكر الإسلامي المعاصر وما حققه من تقدم وتطور وما يعترضه من عقبات وتحديات، وذلك على أيدي أساتذة متخصصين من ذوي الخبرة والكفاءة والتميز.

ويشير عميد كلية الشريعة في جامعة بيروت الإسلامية الدكتور أنس طبارة إلى أن «هذا البرنامج الذي يسهل العسير، ويقرب البعيد، ويوضح الغامض، ويجلي الواضح، يسلط الضوء على ما يحمله الإسلام إلى الناس، كل الناس، من خير وفضيلة»، ويلفت إلى أن البرنامج راعى «تشعب الحياة، وكثرة الصوارف فحقق رغبة طالما راودت الحريصين على طلب العلم من الذين تحول ظروفهم دون الالتحاق بالجامعة النظامية، فكان هذا البرنامج محققا لرغباتهم».

ومن ميزات البرنامج أنه صمم بمرونة تيسر للموظف والمنشغل في عمله أن يواصل الدراسة حسب ظروفه الخاصة، إذ لا يشترط على الطالب حضور الفصول شخصيا، فجميع المحاضرات تسجل إلكترونيا ليتسنى للطالب مشاهدتها والاستماع إليها ومراجعتها متى يشاء وكيف يشاء وحيثما كان، إما عبر قرص مدمج (CD)، أو ترسل للطالب عبر بريده الإلكتروني، أو يتم تحميلها عبر الموقع الإلكتروني الخاص بالبرنامج. والأمر نفسه ينطبق على الامتحانات، حيث يمكن للطالب تقديم الامتحانات في أربع دول - حتى الآن - هي الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا، المملكة العربية السعودية، ولبنان.

إلى ذلك، يوفر البرنامج فرصة التواصل مع طلبة من خلفيات ثقافية وأكاديمية مختلفة، ومن شرائح اجتماعية وأعمار متنوعة، يجمعهم هدف واحد هو التعرف على التراث، والفكر الإسلامي الحديث بأسلوب عصري تفاعلي، وهو الأمر الذي تجلى في نوعية الطلاب الذين انخرطوا في البرنامج، إذ تراوحت تخصصاتهم العلمية بين الطب والهندسة والمعلوماتية والإدارة والحقوق والعلوم، كما أن جنسياتهم تعدت العشرين جنسية من عرب وأجانب.

وبعبارة «كن شريكا»، يقدم معدو البرنامج أنفسهم ورسالتهم هذه إلى الفئات التي يتوجهون إليها، أو بمعنى أدق يجدون فيها المدخل لفهم الغايات التي يطمح إليها البرنامج، وهي إيجاد شراكة فاعلة بين طلاب البرنامج والتحديات والقضايا التي يواجهها الفكر الإسلامي المعاصر. وبحسب الدكتور توفيق العرجي، فإن «الظروف العالمية المحيطة بالعالم الإسلامي ومن ثم الفرد المسلم، متغيرة ومتسارعة وتؤثر مباشرة في أحوال وأوضاع الأمة الإسلامية من جميع النواحي: السياسية والاقتصادية والتربوية والفكرية والثقافية، ولذلك بات على الأمة أن تواجه هذه التحديات بالفكر المقابل والمنطق المحاجج للطرف الآخر، بما يساعد على الفهم السليم والواقعي للفكر الإسلامي ومعتقداته ومنطلقاته». ويشير إلى أن «البرنامج يقوم على منطلقات أساسية، ويسعى لتحقيق أهداف غائية محددة»، أما المنطلقات فهي: الإيمان بكونية الرسالة الإسلامية باعتبارها الخطاب الإسلامي الخالد للإنسان في كل زمان ومكان. والإيمان بخلودها وخاتميتها، وتجردها عن حدود الزمان والمكان. والاعتقاد بأن أزمة الأمة هي أزمة فكرية، وليست أزمة قيم، فالقيم محفوظة بحفظ الله تعالى في الكتاب والسنة. والإيمان بقدرة الأمة على صناعة الأفكار المعاصرة في ضوء توجيهات القيم، وتسخير السنن للقيام بأعباء الاستخلاف، وحل مشكلة الأمة والبشرية، وإنقاذها من المعاناة. والإيمان أيضا بأن الأفكار ليست بديلا عن الحركة، لكنها شرط لصوابها، وأن سلامة العمل مرهونة بسلامة منطلقاته الفكرية. وأخيرا عصمة عموم الأمة عن الردة والضلالة العامة المطلقة، وقدرتها على امتلاك وسائل النهوض الحضاري.

ويؤكد العرجي أن أبرز الأهداف التي يتطلع البرنامج إلى تحقيقها، هي إيجاد شراكة في «إعادة تشكيل العقل المسلم المستنير، القادر على القيام برسالته الحضارية وممارسة دوره في الاجتهاد والتجديد والعمران الإنساني، واكتشاف سنن الله في الأنفس والآفاق، لامتلاك إمكانية التسخير»، وشراكة في «إعادة قراءة الكتاب والسنة كمصدرين للمعرفة والحضارة والثقافة والفكر والحيلة بصفة عامة، والانطلاق من السيرة الصحيحة كفترة مصونة بتسديد الوحي للاهتداء بها في منهجية تنزيل النصوص على الواقع»، وشراكة في «إعادة قراءة الميراث الثقافي والحضاري الإسلامي وإخضاعه لمعايير الغايات والمقاصد الإسلامية، وفي قراءة الكسب البشري في المجال الثقافي والحضاري والتبادل المعرفي، وفي دراسة الواقع الإسلامي المعاصر، وفي استشراف آفاق المستقبل الإسلامي في ضوء ذلك كله».