شباب استحقوا وسام الشرف

TT

بمناسبة اليوم العالمي للتطوع، أُحيّي الشباب الطموح من الجنسين الذي زكّى عمره وتصدّق بوقته في أعمال تطوعية يصل نفعها إلى الآخرين، إن إنكار الذات والتضحية بالراحة وحب البذل والعطاء مواهب ربانية لا يُعطاها إلا الشرفاء العظماء، وقد حيَّا الإسلام هذه النفوس الكبيرة، وأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل النفع المتعدي الذين يصل خيرهم إلى غيرهم، وقد سأل الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه يوما فقال: من أصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من عاد مريضا؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من شيّع جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من أعطى مسكينا؟ قال أبو بكر: أنا. وقال عليه الصلاة والسلام: ما اجتمعت هذه الأعمال في امرئ في يوم واحد إلا دخل الجنة.

وباسم كل طبقات المجتمع كبارا وصغارا رجالا ونساء وأغنياء وفقراء أحيّي من أسهم في نفع عام أو خاص، فشارك في جمعية تعاونية أو مؤسسة خيرية أو عمل تطوعي، فلهم منا جميعا أنبل آيات الشكر وأوفر معاني الثناء، منهم من أسهم في عيادة مريض والوقوف مع منكوب وتعليم جاهل، ومنهم من أدخل البسمة على الوجوه الحزينة وأدخل الفرح على القلوب المنكسرة، ومنهم من شارك في غسل العقول بالأفكار الراشدة والمعاني المستنيرة، ومنهم من كان سببا في نظافة وجمال مدينته وحيّه وقريته، ومنهم من كان عضوا في نادٍ ثقافي أو اجتماعي أو حواري، فشغل وقته بالنافع المفيد والعمل المثمر البنّاء، ومنهم من نشر ثقافة الصباح إذ يستهل يومه بالمشاركة في عمل خيري لتثقيف الجيل ونشر ثقافة الإيمان والحب والتسامح.

وبالمقابل فعتبنا على شباب كسالى يعيشون أحلام اليقظة وتلهيهم الآمال الخداعة والأماني الوردية الزائفة، فهم في سراديب العطالة ودهاليز البطالة (تَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذات الْيَمِينِ وَذات الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبا).

والإسلام ضد المحبطين والكسالى والفاشلين، يطارد فلولهم في الزوايا والمغارات والسراديب المظلمة، كما فعل عمر رضي الله عنه وقد وجد شبابا بطّالين عطّالين لزموا المسجد في غير وقت صلاة وليس لهم من ينفق عليهم، فسألهم: من يطعمهم؟ قالوا: الله، فقال عمر: كلنا يطعمنا الله ولكن من يرسل لكم طعاما؟ فقالوا: جيراننا، فقال عمر: جيرانكم أعبد منكم، ثم أخذ درته يضربهم ويقول: اخرجوا واطلبوا الرزق؛ فإن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة.

وإذا هبط شبابنا إلى سوق العمل التطوعي والنشاط الاجتماعي والمشاركة الخيرية فسوف تنتهي عندنا الأمراض النفسية من القلق والكآبة والوسوسة والفراغ القاتل والأفكار الهدّامة التي تعشعش في أذهان الفارغين وتفرّخ في رؤوس العاطلين.

وتحية خاصة لأخي الأستاذ نجيب الزامل الذي يدعم دائما هذه المجموعات التطوعية ويشارك في قيادة حملة الوعي بهذا العمل الكريم المثمر، وسوف يُكتب اسمه في سجل الرواد الذين عاشوا قضايا أمتهم ومجتمعهم، فشكر الله سعيه وبارك في جهوده وألبسه ثوب الصحة والعافية.

أيها الناس، إن الأعمال الخيرية التطوعية مصحّات نفسية وحدائق متعة وبساتين فرح للنفوس الصادقة المؤمنة المحتسبة الصابرة. أما الأنانية وحب الذات فهي معتقلات سرية وسجون مظلمة للنفوس الشريرة الحاقدة الحاسدة، حيث يعيش الواحد منهم لنفسه فحسبْ، كما قال الله عن أحد أعدائه من الجاحدين الأنانيين الأشرار: (مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ)، فهو يمنع خيره غيره ويؤذي الآخرين ويُسيء إليهم، وهو فاسد في نفسه فاجر في عمله. وأنا أذكر الإخوة الأبرار من أهل العمل التطوعي بقول حاتم الطائي في بيتين جميلين:

أَما وَالَّذي لا يَعلَمُ الغَيبَ غَيرُهُ وَيُحيي العِظامَ البيضَ وَهي رَميمُ لَقَد كُنتُ أَطوي البَطنَ وَالزادُ يُشتَهى مَخافَةَ يَوما أَن يُقالَ لَئيمُ