عدلي أبو حجر: الإسلام في حاجة لـ«كأس شاي» أكثر من حاجته لواعظين

رئيس مجلس المثقفين المسلمين في أوروبا يسرد لـ «الشرق الأوسط» تجربته مع عولمة الإسلام

د. عدلي أبو حجر رئيس مجلس المثقفين المسلمين في أوروبا والأمين العام المساعد للمؤتمر الإسلامي الأوروبي («الشرق الأوسط»)
TT

أوضح الدكتور عدلي أبو حجر، رئيس مجلس المثقفين المسلمين في أوروبا والأمين العام المساعد للمؤتمر الإسلامي الأوروبي، سعيه الحثيث لعولمة الإسلام من داخل أوروبا، موضحا أن إنشاء مجلس المثقفين المسلمين بأوروبا عام 1995، في السويد يهدف لتنشئة ورعاية الشباب المسلم الوافد لأوروبا للحفاظ عليه من المتغيرات المتلاحقة من أسلوب حياة وأفكار تختلف عما تعود عليه في البلاد الإسلامية، بالإضافة إلى دعم وتثقيف المسلمين بأهمية المشاركة في العمل السياسي باعتباره الوسيلة الفعالة والأهم في تحقيق مطالب المسلمين والعنصر المؤثر في المجتمع الغربي.

وقال أبو حجر في حوار لـ«الشرق الأوسط»: «جمعنا عددا من المثقفين للعمل في المجال التربوي لتأصيل حقوق الوالدين وكيفية التعامل مع الشباب من الجيل الجديد، مع أهمية الأخذ في الاعتبار محو الأمية وربما الفكرية واللغوية والثقافية». وأضاف صاحب مصطلح «الإسلام فهم أوروبي»: «التحديات كبيرة، إذ عندما نتحدث عن المسلمين في أوروبا نتحدث عن 55 مليون نسمة، أي ما يعادل 10% من مجموع سكان أوروبا. فالمسلمون الأصليون الذين وفدوا إلى أوروبا في حاجة إلى وزارات تربية وتعليم ورياضة وثقافة وشؤون اجتماعية. وهذا التحدي نجم عنه تحد آخر يتمثل في نقص الكفاءات البشرية والمصادر المالية، بالإضافة إلى ما يواجهه المسلمون والإسلام من عنصرية وشبهات تاريخية وإعلامية وتهم مفتعلة تلصق جزافا بالدين». فإلى تفاصيل الحوار..

* ما فكرة مجلس المثقفين المسلمين في أوروبا؟

- أنشئ مجلس المثقفين المسلمين بأوروبا عام 1995 في السويد لحاجتنا الماسة له، لتنشئة ورعاية الشباب المسلم الوافد لأوروبا للحفاظ عليه من المتغيرات المتلاحقة من أسلوب حياة وأفكار تختلف عما موجود في البلاد الإسلامية. وقد جمعنا أولا عددا من المثقفين للعمل في المجال التربوي لتأصيل حقوق الوالدين وكيفية التعامل مع الشباب من الجيل الجديد، مع أهمية الأخذ في الاعتبار محو الأمية وربما الفكرية واللغوية والثقافية. وثانيا نقوم بدعم وتثقيف المسلمين بأهمية المشاركة في العمل السياسي باعتباره الوسيلة الفعالة والأهم لتحقيق مطالب المسلمين والعنصر المؤثر في المجتمع الغربي. وتوسع المجلس، بحيث أصبح متمددا في كل مدينة ومنطقة أوروبية على مستوى السويد والدنمارك وأوسلو وأوستوك حتى لا تكون هناك مركزية.

* ما التحديات التي تواجهكم في إنزال أهداف هذا المجلس إلى أرض الواقع وكيف تعملون على تجاوزها؟

- التحديات كبيرة، إذ عندما نتحدث عن المسلمين في أوروبا نتحدث عن 55 مليون نسمة، أي ما يعادل 10% من مجموع سكان أوروبا. فالمسلمون الأصليون الذين وفدوا إلى أوروبا في حاجة إلى وزارات تربية وتعليم ورياضة وثقافة وشؤون اجتماعية. وهذا التحدي نجم عنه تحد آخر يتمثل في نقص الكفاءات البشرية والمصادر المالية، بالإضافة إلى التحديات الخارجية والمتمثلة في ما يواجهه المسلمون والإسلام من عنصرية وشبهات تاريخية وإعلامية وتهم مفتعلة تلصق جزافا بالدين، لكن برأيي أن التحديات الداخلية هي الأهم والفاعلة.

* ما الدور الذي تقومون به على صعيد حوار الحضارات والأديان؟

- نحن نتحاور مع المجتمع الغربي في أوروبا بعدة وسائل. ففي عام 1981 تحاورنا مع الإخوة المسيحيين في معبد كنسي، بجانب الحوارات التي كنا نجريها مع جيراننا سواء كانوا ملحدين أو يهوديين أو مسيحيين أو بوذيين.. إلخ، وهذا أيضا ليس بالجديد. لكن أعتقد أن الكيفية التي تدار بها مثل هذه الحوارات هي الأهم، وأقلها تقديم «كاس شاي»، أو الدعوة إلى البيت، إذ إن مثل هذا النهج أفضل من المؤتمرات والندوات المنظمة.

* وما هي مساهماتكم في القضايا الساخنة كمثل قضية فلسطين والشرق الأوسط بشكل عام وعلى المستوى الفكري بشكل خاص؟

- هذه القضايا حاضرة في كل ما نطرحه من أفكار ودعوات سلام، وقد حدث أن سافرنا إلى منطقة الشرق الأوسط من أجل تحقيق السلام للشعب الفلسطيني وجعل فلسطين بلد سلام وأمان. كما شاركنا في مؤتمر الإسلام والغرب الذي نظمته الكنيسة في السويد، وهناك لقاء شبه دوري «كل شهر أو شهرين» ما بين الأديان في الدول الإسكندنافية. أما على المستوى الفكري فقد نظم مجلس المثقفين المسلمين في أوروبا بالتعاون مع منظمة المؤتمر الإسلامي في جدة مؤتمرا أوروبيا كبيرا عام 2003، شارك فيه كبار المفكرين والدبلوماسيين. وفي السويد نظمنا مؤتمر «الإسلام والسويد.. حضارة وعلاقات إنسانية»، بالتعاون مع منظمة المؤتمر الإسلامي. كما أن هناك حوارات تدعمها الخارجية السويدية بما يسمى «الأوروإسلام»، بالتعاون مع منظمة المؤتمر الإسلامي والحكومة النمساوية والاتحاد الأوروبي. ونظمنا لقاءين لتدريب وتأهيل الأئمة، وقد أسهم في ذلك رئيس وزراء النمسا بالإضافة إلى خمسة وزراء نمساويين. ونظمنا داخل البرلمان الأوروبي حوارين، أحدهما عن الإسلام والغرب والثاني عن المسلمين والتشريعات في الدستور والبرلمان الأوروبيين، بالإضافة إلى تنظيم أول مؤتمر للسياسيين المسلمين داخل البرلمانات الأوروبية والمحلية بالتعاون مع حكومة أمستردام في هولندا، بجانب بعض اللقاءات في اليونيسكو كما في باريس وغرناطة وقرطبة وأكثر من ثلاثة لقاءات مع الأسيسكو. فنحن نجتهد على قدر ما نستطيع ماليا ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

* وبرأيكم كيف يمكن أن يقدم الإسلام؟

- في تصوري أن هناك فرصة كبيرة جدا لأن نقدم الإسلام، غير أن السؤال: من سيقدم الإسلام؟.. ولا أقصد من يقدم الإسلام بالشرح وباللسان، وإنما أقصد السلوك. وفي اعتقادي أن السلوك فقط وبالطبع السلوك الطيب يكفي لتقديم الإسلام للناس. فتبسمك في وجه أخيك صدقة. وحسن المعاملة أقصر الطرق لذلك، ولربما «كأس شاي» تقدم الإسلام أفضل من المحاضرة، وعندي قصص كثيرة في هذا الصدد، حيث إن بعضهم أسلم بسبب الحوارات التي أدرناها عن الإسلام والغرب وعن المسلمين والتشريعات في الدستور والبرلمان الأوروبيين، بجانب بعض اللقاءات في اليونيسكو كما في باريس وغرناطة وقرطبة وأكثر من ثلاثة لقاءات مع الأسيسكو. وهناك قصة تحضرني دائما، حصلت لي مع السيد «إني بيرج»، وهو نرويجي الأصل وقد كان رئيس قسم الأديان في جامعة أوسلو بالإضافة إلى أنه كاتب كبير وله ترجمات هو الآخر معروفة ومفيدة للمصحف الشريف وعدد من الكتب الإسلامية. وكنت حينما أزوره ونتجاذب أطراف الحديث وأقول إن رأي الإسلام في هذا الأمر «الفلاني» كذا وكذا ورأيه في ذاك الشيء كذا وكذا، لاحظت أنه يجيب دائما بنعم.. صح.. نعم.. صح.. فاستوقفني ذلك وقلت له إذن أنت مسلم؟ فقال لي اسكت، ثم يسكت هو. وأذكر أنه عندما توفي كان قد كتب وصيته «أنا مسلم وأوصي بدفني في مقابر المسلمين».

* ليتك تحدثنا عن تجربتك الشخصية في إقناع بعض الشخصيات ودخولهم الإسلام..

- أذكر أن امرأة جاءت إلي قبل أكثر من 25 سنة، وكانت تريد أن تتعرف على الإسلام، فتناقشت معها وأعطيتها بعض الكتب وقرأتها، ثم أعطيتها نسخة من المصحف الشريف، فجاءت إلي زائرة فيما بعد وقالت: «كل شيء تمام، لكنّ عندي سؤالا أساسيا في هذا الموضوع.. لماذا هاجم القرآن الكريم اليهود في عدة مواضع؟»، وفعلا كان هذا أول سؤال يطرح علي من هذا النوع وهو سؤال منطقي، فقلت «يا سبحان الله إن موسى عليه السلام وأتباعه يهود، وصحيح أن يهود تعني هُدنا، أي بمعنى آمنّا بالله، ولم تكن كلمة يهود تعني العرقية، وعيسى عليه السلام من اليهود، لكن الله سبحانه وتعالى يذم الذين كفروا منهم وعصوا الله وقتلوا الأنبياء، وبالتالي فالله قصد بذلك أولئك النفر ما داموا فعلوا كل ذلك وعاندوا ورفضوا دعوة سيدنا موسى»، هكذا أنطقني الله فكانت أول إجابة لأول سؤال يطرح بهذا الشكل، فقالت «الحمد لله الآن ظهر لي الحق».

أعود فأقول، إن الأسلوب أهم أداة في توصيل الرسالة وبلوغ الهدف، مما يعني أهمية البحث عن الكيفية المثلى التي نخاطب بها الجمهور أو مجالس الناس، ولا بد للذين يزورون أوروبا أن يعوا ذلك ويتعرفوا على الظروف التي يُمارس فيها أمر الدعوة إلى الله. وفي قصة أخرى جاءت إليّ فتاة عمرها لا يتجاوز الـ23 عاما، وبعد أن تعرفت على الإسلام قالت لي «أنا أحب الإسلام.. أؤمن بالله وبرسوله وبالقرآن الكريم، لكنني أريد أن أبقى على مسيحيتي»، فضحكت وقلت لها «فلتبقي على مسيحيتك، فأنا نفسي مسيحي وأنسب إلى المسيح، وما دمت تؤمنين بالله وبرسوله وبالقرآن الكريم وتريدين أن تصلي كما علمنا المصحف الشريف، إذن لا غبار عليك أن تبقي مسيحية وتصلي، فأنت بذلك مسلمة أيضا كما أنا مسيحي أيضا»، فكان ذلك ثمرة لإسلامها الصحيح في ما بعد، والعبرة في الجوهر والممارسة.

* ما كيفية تناولكم للعلاقة المتبادلة بين الإسلام والغرب من حيث الواقع والمستقبل؟

- قبل فترة جاءتني إحدى السويديات لحضور درس لدينا، وطلبت مقابلتي، فسألت هذه المرأة عن سر اهتماماتها الإسلامية وحرصها، فقالت «أنا ممرضة في مستشفى ما، وقد لاحظت علاقة حميمة بين بعض المرضى وذويهم لم أجد لها مثيلا بين المجتمع السويدي، فأثار ذلك حفيظتي واهتمامي، وبدأت أبحث عن هذا السر، فقادني بحثي إلى الإسلام»، ثم سألتني سؤالين فقط، أولهما «لماذا الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج نساء كثيرات؟»، وهذا طبعا على خلفية ما يشاع في الغرب وفي السويد عن أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحب النساء ووو.. إلخ.. والثاني أن المسلمين يتزوجون أربع نساء فأكثر.

وضحكت فأجبت مازحا «نعم.. كان صلى الله عليه وسلم يحب النساء»، فضحكت هي الأخرى، لكني شرحت لها ذلك بالتفصيل بدءا من كيفية زواجه صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة وهو يصغرها بـ15 سنة، ثم مررت على زواجه من بقية نسائه رضي الله عنهن، وأوضحت لها الأسباب، وأنه كان وزارة شؤون اجتماعية، ففهمت الأمر واقتنعت. كما أسلم قبل فترة الفيلسوف السويدي الكبير «هوك كلارسون»، فهو مؤلف «17» كتابا عن الفلسفة والتاريخ والأدب السويدي وأدب الأطفال، وكانت لي علاقة معه تمتد لأكثر من خمس سنين، غير أنني كنت أعلم في قرارة نفسي أنه مسلم، وكان يقول لي «إنني أحب الله وأتبع جميع الأديان»، وأنا بدوري أمزح معه وأقول له «قلها لغيري أنا». وفي أحد شهور رمضان الفائتة طلب مني إما أن يفطر هو معي في البيت أو أفطر معه أنا في بيته، فقلت له «تفضل أنت وأفطر عندي في بيتي». فجاءني وبرفقته زوجته، وحينما هم بالانصراف قال لي «أريد زوجتي أن تسمع.. أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله»، ثم أخذني على الغرفة وقال لي «دع زوجتك تركز على زوجتي في ما يختص بأمور الدين، لأنني أريد لها أن تلحق بي».

* كيف لنا أن نتصور الغرب ككتلة في تجسير علاقته مع الإسلام؟

- أولا ليس الغرب شيئا واحدا وإنما مجموعة أشياء، حيث هناك الملحد وهناك الباحث عن الحق وهناك الباحث عن تقاليد المسيحية محافظا ومتمسكا بها، وهناك بوذيون منتشرون بطرق كثيرة.. إلخ.

وبالمقابل الشخص الموضوعي كإنسان ينصف الباحث عن الحقيقة، فيبحث ويصل، وهناك من يدرس تاريخ العرب والمسلمين فيحبهم ويحب حضارتهم وينصفهم كبشر. كما أن هناك أيضا العنصريين من الأوروبيين ليس فقط تجاه العرب والمسلمين بل تجاه كل أجنبي، غير أن التجمعات العنصرية قليلة، لكن مع ذلك فهي تستغل أي خطأ لمسلم وتروج له بأن المسلم إرهابي، مستصحبين الأمثال التي تحدث في بلادنا من حروب ومشكلات.. ويقولون «انظروا إلى المسلمين وإلى بلادهم وحالهم الدموي والغني بأسباب الحروب»، ونحن نرد عليه «إن ما يحدث الآن في بلاد المسلمين هو مشكلات سياسية وبعضها موروث من الاستعمار، ولربما هناك أياد غربية ضالعة فيها وفي افتعالها لمصالح خارجية». لكن بنفس المنطق، أستطيع القول إن الإسلام هو الآخر ليس بواحد، ولا أتكلم هنا بمنطق القرآن والسنة. بمعنى أن المسلم الباكستاني يمكن أن يشرح لك الإسلام بخلاف ما يشرحه لك المسلم الماليزي وكذلك العربي فالأفريقي.. إلخ.

* لكن لماذا هذا التباين في الشرح القطري؟

- ذلك لأن كلا من أولئك يرتبط بعادات وتقاليد معينة أخذ يخلط بينها وبين الإسلام كدين فيكون إسلامه مزيج موروثه. ومن هنا تبدأ الحيرة واضحة للغرب أن المسلم من يتبع هذا أم ذاك؟ وتضاف لهذه الخلافات اختلافات مذهبية وأخرى فكرية بين مسلم وآخر، ويريدون أن يفهموا لماذا يقاتل المسلم أخاه المسلم، وهم يحاولون أن يفهموا أن كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه! إذن الأمر يحتاج إلى توضيح، لذلك نحن في أوروبا على مستوى المثقفين وعلى مستوى المؤتمر الإسلامي الأوروبي نتحدث عن الإسلام في أوروبا أو الإسلام الغربي أو «الإسلام فهم أوروبي» حتى نكون دقيقين مع أنفسنا.

* ماذا تعني «بالإسلام فهم أوروبي»؟

- بمعنى أن مرجعي القرآن والصحيح من السنة، لكن هناك مسلمين تمازج إسلامهم بعاداتهم وثقافاتهم، كما في كثير من البلاد الإسلامية، وفي كثير من البلاد العربية يتمسك المسلمون بما ورثوه عن الأعراب الأولين من عادات وتقاليد، إذن لماذا لا نسمح للأوروبيين والغرب بشكل عام بذلك، حيث إن لهم أيضا عاداتهم وتقاليدهم وثقافاتهم كما للمسلم التركي وغيره وغيره؟

أعود فأسأل ثانية.. لماذا لا نتحدث عن «الإسلام فهم أوروبي» حتى نزيح ونزيل كثيرا من الشكوك والمخاوف لدى الغرب من المسلمين والإسلام؟

* الشكوك والمخاوف، من ماذا؟

- مثلا، كثيرا ما يقال للأوروبية، إنك إذا أسلمت فسوف تصيرين مكبلة ومقيدة بأشياء كثيرة ومنها الحجاب، حيث تلبس المسلمة لباسا أسود لا يظهر منه شيء، وهي بالتأكيد تحب أن تمارس حريتها وحياتها، وبالتالي يصيبها شيء من الضيق، فترفض أن تكون مكتومة ومحبوسة. إذن لا بد أن يكون لنا فهم، وأقصد الفهم المجمع عليه في القرآن والسنة، حتى نعرف ومن ثم نبين للناس هذا حلال وهذا حرام وهذا واجب وهذا مستحب وهذا فرض وهذه نوافل، وهكذا دواليك، وبالتالي نرتبط بما هو مفروض وواجب، ونخفف مما هو من النوافل، وبالطبع نبعد عن الحرام، ونحاول التخفيف في ما ليس فيه حرمة حتى نحبب الإسلام إلى الغرباء عليه، وبالتالي نزيل كليا العادات والتقاليد التي ليست من صميم الإسلام. ومن هنا أستطيع توصيل مفهوم «الإسلام فهم أوروبي»، وبعد فترة نقول لدينا إسلام يناسب القارة الأوروبية ويناسب البلدان الاسكندنافية، ومن هذا المفهوم انطلقنا في الندوة العالمية الأوروبية التي نظمناها بالتعاون مع منظمة المؤتمر الإسلامي تحت شعار «الإسلام والسويد»، وكنا نعني بذلك النظام والتنظيم الجيد للمجتمع السويدي وقوانينه الجيدة في الحرية والديمقراطية والتسامح وحقوق الإنسان. ومع أن هذه صناعة أوروبية، فإنها ثوابت من صميم الإسلام وهي مقاصد الإسلام الخمسة، فقلت لهم «إن الإسلام والسويد والمجتمع الغربي إذا تلاقوا معا سنصل بالفعل إلى حضارة إنسانية عالمية، خاصة أن العالم يحاول أن يعولم ما ينتجه من منتجات استهلاكية، وأنا أريد أن أعولم الإسلام وأنقله من مصادره إلى العالم كله على هذا الأساس».

* إذن كيف تعولم الإسلام وتنقله بما يناسب البيئة الأوروبية في ظل الإساءة المتعمدة لشخص الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام من خلال ألفاظ أو كتابات أو رسومات كاريكاتيرية كما حدث في السويد والدنمارك وبلاد غربية أخرى؟

- هذا سؤال مهم جدا جدا، لكنه كبير ويحتاج إلى كثير من التحليل والشرح، غير أنني سأجمله بهذا القدر من الإجابة.. أولا الأساس أن أعداء الإسلام وأعداء الأجانب موجودون في كل مكان وزمان.. يبقى السؤال: كيف يمكن للمسلم أن يتعامل مع هذه الظواهر.. ظواهر الترهيب من الإسلام والعنصرية والعداء للإنسان الغريب بشكل عام؟ سأعطيك مثالا من واقع معرفتي بالواقع الأوروبي، أن الرسومات الكارتونية التي أساءت للرسول صلى الله عليه وسلم هي ظاهرة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة ولا الأعظم وقعا، إذ إن هناك ظواهر ومسلكيات تهين الإسلام أكثر من ذلك، ومع ذلك أرى أن تعاطي بعض المسلمين مع هذه القضية لم يكن سليما. وكان لا بد للمسلم أن يدرك واقع المجتمع الذي يعيش فيه.. لماذا موجود فيه؟ وكيف يتعامل مع الظواهر السلبية؟ وكيف تكون له قدرة على التغيير؟ الحقيقة المهمة أنه في الغرب القانون أولا والإعلام ثانيا، فالإعلام ينشر لكن القانون فوق الجميع. وأنا كسياسي أعرف أن السياسي في السويد هو الذي يسن القانون، لكن القانون يهيمن على الجميع بمن فيهم السياسي وما فوق وما دون ذلك، ولا تستغرب إذا قلت لك إن رئيس الوزارة «وهي أعلى سلطة تنفيذية في البلاد الأوروبية» وليس الرئيس أو الملك يمكن أن يوقفه الشرطي ويخالفه، فإذا كان هذا المسؤول أو رئيس الوزارة لا يعجبه ذلك لا يملك غير أن يرفع دعوى ويشتكي الشرطي إلى المحكمة، لأنه ببساطة هناك قانون. والآن قضية الرسومات هي إحدى ظواهر الحرية، وأنا ناقشتها مع السياسيين واستفسرتهم «لماذا لا تستطيعون أن تفعلوا مثل ذلك مع اليهود؟»، فقالوا «لأن هناك قانونا يمنعنا من ذلك، غير أن إخواننا اليهود (شاطرين)، فقد جاهدوا وناضلوا فشرعوا قانونا ضد من يتكلم أو يسيء للسامية، فتفضلوا أنتم وانشطوا واعملوا قانونا مثلهم يحميكم من التطاول على دينكم وعلى ثوابته!» إذن بالفعل يوجد قانون.

* ماذا أنتم فاعلون، وهل تتوقع أن تضيفوا لدساتيرهم قانونا يحميكم من الإساءات؟

- هذا هو المهم. إذا أردنا أن نصنع قانون أوروبيا يحمينا لا بد أن نندمج في المجتمع الأوروبي حتى يكون لنا تأثير فيهم ومن ثم نشرع قانونا. لا بد لنا أن نخلق علاقات جيدة مع هذه المجتمعات حتى نجعلهم في موضع يخجلون فيه أن يسبونا.. أليس كذلك؟ لكن للأسف أن الأسلوب الذي نعيش به بين تلك المجتمعات كوافدين هو الأسلوب الأسهل، لكنه الأضعف.

* ماذا تقصد بالأسلوب الأسهل، لكنه الأضعف؟

- أعني بذلك أننا قد نخرج في الشارع بعاطفة ونهتف ضد من أساء لنا، لكن هذا النهج لا يغني ولا يسمن من جوع، وبالتالي لا يحل المشكلة. المهم أن ندعو هذه الجاليات أن تأتي ولو ليوم واحد كل أربع سنين انتخابات وتدعم المرشح الذي يقف مع قضاياها، لأنه بالتأكيد يحتاج إلى جهدهم، وهو ما من شأنه خلق علاقة جيدة، حتى إذا ما نشر مقال جيد أو غير جيد زادوا عليه أو احتجوا ضده.. وأقول لهم تواصلوا حتى تعرفوا وزنكم وثقلكم.. غير أنهم لا يفعلون.

* كيف تفعّلون هذا النهج لفهم هذا الواقع والتعامل مع المشكلات التي تحدث في المجتمعات الغربية بشكل سليم؟

- هذه هي النقطة الأساسية التي انطلقنا منها في حديثي، إذ علينا واجب كبير تجاه التربية والعمل السياسي، ومن هنا يأتي التغيير. أذكر لك أنه توجد في المدينة التي أسكن فيها في جنوب السويد إذاعة تسب يوميا الإسلام، لكنها لا تسب المسلمين. ولو سألت أي أحد أيها أفضل له، أن يسب هو كمسلم أم يسب الإسلام كدين، بالتأكيد سيفضل أن يسب هو ولا يسب دينه. لكن لماذا يحدث ذلك؟ لأنه يوجد قانون يحميه كمسلم، لكنه لا يحمي دينه، على اعتبار أن سب المسلم يعني العرقية والعنصرية، والقانون يحاربهما، غير أن سب الإسلام يعتبر حرية تعبير وفكر، لذلك ليس من مفر إلا الاندماج في هذه المجتمعات وخلق علاقات بينية لفهم مفاتيح اللعبة السياسية، هذا هو الأساس.

* كيف يمكن صناعة آلة إعلامية توصل المسلمين إلى الأهداف المأمولة في تلك المجتمعات؟

- إن سلوك المسلم وأخلاقه أهم وسيلة إعلامية نصل من خلالها إلى قلوب الناس، فالكتب والمنشورات جيدة، لكنها ككيفية غير مناسبة، كما أن هناك الإنترنت الذي نوفره بلغات مختلفة لكنه للأسف الشديد رغم الكم الكبير من صفحاته، فإنه إذا كتب أحدهم بالإنجليزية يكتب وكأنه يخاطب بلدا عربيا وليس أجنبيا في كل شيء وبمنطق غير مناسب، وربما يسيء للإسلام أكثر مما يخدمه. على مستوى الإذاعات، لا توجد لدينا في الغرب إذاعة إسلامية تدعو للإسلام، بل حتى الإذاعات الناطقة بالعربية لا تتطرق للإسلام والمسلمين وقضاياهم، ولا وجود لأي جهد إعلامي ملموس يمكنه خدمة الإسلام. الآن بدأت تظهر بعض المحطات الإخبارية باللغة الإنجليزية، فهناك واحدة منها في بريطانيا لكنها ما زالت بسيطة وفي بداياتها، وهذا بسبب ضعف الإمكانيات المادية. حاولت أنا شخصيا في مؤتمر المثقفين المسلمين في أوروبا إنتاج بعض البرامج التلفزيونية حول الحوار بين الإسلام والغرب من خلال مفكرين، وكنا قد أردنا بناء شبكة، وتعاملنا مع بعض التلفزيونات العربية من خلال برامجنا التي أنتجناها، لكنهم لم يدفعوا لنا قيمتها، فتكبدنا خسائر فادحة، ولم نستطع بعدها الحراك، إذ إن إمكانياتنا ضعيفة ومحدودة.