علماء مسلمون لـ «الشرق الأوسط»: يد خفية تزرع الفتنة ولن ننجرّ إلى لغة التطرف و«الصيد في الماء العكر»

انتقدوا مزاعم الغرب وأكدوا على سنّة التعايش مع أصحاب العقائد الأخرى

مصرية مسيحية خارج كنيسة القديسين في الأسكندرية التي استهدفت بعمل اجرامي (أ.ف.ب)
TT

انتقد علماء مسلمون اللهجة الحادة والخطاب المتشنج في التعامل الإسلام والمسلمين الذي وجهته مؤسسات دينية وسياسية إلى بعض الدول العربية، على خلفية أحداث إرهابية استهدفت المسيحيين في هذه الدول، كان أبرزها الحادث الإجرامي الذي وقع في كنسية «القديسين» في الإسكندرية عشية الاحتفال بالعام الميلادي الجديد، وحادث كنيسة «سيدة النجاة» بالعراق، اللذين شهدا وقوع العشرات من الضحايا ما بين قتلى وجرحى، حيث طالب بابا الفاتيكان بينديكت السادس عشر بحماية الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط، ودعا القس تيري جونز بعقد محاكمة دولية للقرآن الكريم باعتباره مسؤولا عن الأنشطة الإرهابية، كما طالب الاتحاد الأوروبي بوضع آلية لحماية الأقليات الدينية في الدول التي حدثت بها أحداث عنف طائفي، بينما طالب بيان ألماني إيطالي مشترك الاتحاد الأوروبي بضرورة وضع آلية محددة لحماية حقوق الأقليات الدينية حول العالم، خصوصا بالدول التي حدثت بها أحداث عنف طائفي، ودعم التعايش والحوار فيها. وشدد البيان المشترك على أن حرية العقيدة وحقوق الأقليات الدينية تمثل ركنا أساسيا من أركان القائمة الدولية لحقوق الإنسان.

في المقابل أكد علماء مسلمون أن يدا خفية تسعى لزرع الفتنة والطائفية وزعزعة أمن واستقرار البلاد الإسلامية، وأنهم يرفضون منهج «الصيد في الماء العكر» واللعب على وتر اضطهاد الأقليات الدينية، الذي يروج له الغرب، لتبرير مصالحه في فرض وصاية على المسلمين والنيل منهم. وانتهج هؤلاء العلماء المسلمون لغة حوار مغايرة تماما للغة الغرب، وأكدوا على أن بلدانا كثيرة تعرضت للإرهاب على اختلاف عقائدهم، معربين عن موافقتهم المشاركة في مؤتمرات ولقاءات لنشر الفكر المعتدل.

فمن جهته أكد الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري أن «الإرهاب ظاهرة عالمية لا علاقة لها بالأديان»، مشيرا إلى أن «كثيرا من بلدان العالم تعرضت للإرهاب مع اختلاف عقائدهم، وإن كان هناك بعض المتطرفين من أبناء المسلمين وراء بعض الأحداث فلا يعني ذلك أن المسلمين جميعا، وعددهم أكثر من مليار ونصف المليار، إرهابيون».

وأشار الدكتور زقزوق إلى أن «الوزارة تقوم بإعداد الأئمة والتوعية الدينية بحقائق الإسلام في مواجهة الإرهاب، وتدريبهم حتى يكونوا قادرين على مواجهة التطرف والإرهاب»، قائلا: «نحن على استعداد لتزويد مسلمي العالم بما يحتاجونه من دعاة الوزارة والمطبوعات الدينية، والمشاركة في المؤتمرات واللقاءات العلمية لنشر الفكر المعتدل الذي يرسخ تسامح الإسلام وقدرته على قبول الآخر والتعايش معه، ورفضه لقتل النفس الإنسانية التي كرمها الله».

وأكد السفير محمد رفاعة الطهطاوي، المتحدث الرسمي باسم الأزهر، على أن «الأزهر موقفه واضح من تصريحات بابا الفاتيكان للمطالبة بحماية الأقليات المسيحية، وهو أن حماية المسيحيين شأن داخلي تتكفل به دولهم باعتبارهم مواطنين لهم كل الحقوق، شأنهم في ذلك شأن سائر مواطنيهم»، رافضا «أي تدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية والإسلامية بأي ذريعة من الذرائع».

وأضاف الطهطاوي أن «الأزهر يؤكد على أن احترام عقائد الشعوب ومقدساتها أمر واجب، وأنه من حق كل الدول أن تسنّ ما تراه مناسبا من قوانين لحماية أمنها الوطني وسلامها الاجتماعي، وأن مثل هذه القوانين تعكس الخصوصية الثقافية للكل، بل وتراعي مشاعر الكثرة الغالبة من أبنائه بما يحمى المقدسات والعقائد من أن تكون هدفا لطعن الطاعنين وعبث العابثين».

وقال الطهطاوي: «سبق أن انتقد الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، عندما كان رئيسا لجامعة الأزهر عام 2009، الهجوم المستمر على الإسلام والمسلمين وسعي الغرب الدائم لزعزعة جذور الحضارة الإسلامية، بقوله: حينما نتعامل مع الغرب نجد أمامنا الغرب الديني الذي يمثله الفاتيكان، والغرب العلماني، ونجد أنهما يتفقان في النيل من الإسلام وزعزعة جذور الحضارة الإسلامية، ويتحينون الفرص للصيد في الماء العكر».

وأضاف الدكتور طه أبو كريشة نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن «خطاب الأزهر مستمد من الكتاب والسنّة ويتميز بالاعتدال والحكمة ويراعي مصالح الأمة، حيث يرفض قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، ويعطي الأمان للمسلم وغير المسلم، ويدعو إلى احترام عقائد الآخرين».

وطالب الدكتور أبو كريشة «بوضع استراتيجية تشارك فيها الحكومات العربية والإسلامية لتوضيح حقيقة قيم الإسلام وأحكامه والمبادئ التي يقوم عليها باللغات الأجنبية، موضحا أن المسلمين لا يكرهون الغرب ويدعون دائما للتحاور مع الآخر لأنهم محكومون برسالة سماوية تحث على الإخاء والتسامح والتعايش بين الناس على مختلف عقائدهم».

ودعا الدكتور أسامة الأزهري، الأستاذ في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، إلى «ضرورة التمسك والاعتصام بالمنهج الأزهري القويم الذي يشكل سدا وحائطا منيعا ضد كل المناهج المخربة التي لا تريد خيرا للبلاد»، مؤكدا أن «المواطن المصري يحمل المنهج الأزهري في أعماقه منذ عدة قرون، وتعايش مع الأديان السماوية دون تطرف أو تعصب أو احتكار لحق المعيشة والحياة».

وقال الأزهري: «المواطن المصري اعتصره الألم والأسى جراء الحادث الإرهابي الذي وقع أمام كنيسة (القديسين) وراح ضحيته أبرياء، وكذلك حادث قطار المنيا مؤخرا»، مشيرا إلى أن «الإنسان المصري الصادق المحب لبلده ووطنه لا يعرف هذا الإرهاب الأسود».

ولفت الأزهري إلى «أهمية العودة إلى المنهج الراقي للإنسان الأزهري الناصح والمفيد لكل شرائح المجتمع والقادر على نقل العلوم والأطروحات للعامة من الناس في سهولة ويسر، متسلحا بالعلم والفكر والثقافة، فالإنسان المصري بطبيعته يحمل في نفسه محبة الحياة لكل مخلوق على وجه الأرض، ولا يمكن أن يوصف بأنه سفاك للدماء».

وأوضح الدكتور إبراهيم عبد التواب، الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، أن «ظاهرة كراهية الإسلام ليست ظاهرة جديدة، ولكن تجددت عقب أحداث كنيسة (القديسين) بالإسكندرية، وحادثة المنيا، والذي وجد الغرب فيهما ذرائع جديدة»، مشيرا إلى أن «مثل هذه الادعاءات تسيء إلى الإسلام والمسلمين وتؤدي إلى تأجيج الكراهية لهم».

ويرى أن «تراث الغرب الثقافي يحتوي على معلومات مغلوطة تسيء إلى الإسلام»، وأنه «ركز على تشويه صورة الإسلام، ووصفه بأنه دين إرهاب وعنف، وأن الأصوليين المسلمين يريدون القضاء على الغرب وحضارته».

وأضاف الدكتور عبد التواب أن «ما يدّعيه الغرب من تهديد الإسلام للأقليات المسيحية مجرد أوهام، لأن المسلمين لا يكرهون الغرب، ويدعون دائما للتحاور مع الآخر.. فهم محكومون برسالة سماوية تحث على الإخاء والتسامح والتعايش بين الناس على مختلف عقائدهم».