رئيس جمعية علماء الاجتماعيات المسلمين في بريطانيا: هناك «تسونامي» من الإسلاموفوبيا في الغرب

قال: مناهج الدراسات الإسلامية يجب تطويرها لمواكبة العصر

د. أنس الشيخ علي رئيس جمعية علماء الاجتماعيات المسلمين في بريطانيا («الشرق الأوسط»)
TT

كان الدكتور أنس الشيخ علي البريطاني الجنسية، العراقي الأصل، رئيس جمعية علماء الاجتماعيات المسلمين في بريطانيا، ومدير المعهد العالمي للفكر الإسلامي في لندن، وهو واحد من أكثر 500 مسلم تأثيرا في العالم، قد حصل في يونيو (حزيران) 2009 على وسام الشرف الملكي البريطاني بدرجة «قائد مدني» لدوره وخدماته المتميزة في تطوير العلاقات الثقافية والاجتماعية بين مكونات المجتمع البريطاني. وقال لـ«الشرق الأوسط» في لندن إن هناك «تسونامي» من الإسلاموفوبيا في الغرب، مؤكدا أن مناهج الدراسات الإسلامية في بريطانيا في حاجة بالفعل إلى تطوير، وشدد على أهمية قضية «التكامل المعرفي» في نظم التعليم في مؤسساتنا التعليمية.

وأشار إلى أن الخطاب الديني في الغرب بحاجة لتطوير، كما أكد على أهمية وسائل الإعلام الاجتماعية في التواصل مع الآخر ونشر قيم الإسلام السمحة ومناقشة القضايا المثارة في الإعلام الغربي، ونظرا للاهتمام الواسع للدكتور علي بمجال الروايات الشعبية المعاصرة، فقد أشار في حواره إلى دور هذه الروايات في تشويه صورة الإسلام والإساءة للمسلمين. وأكد على أهمية المساهمة في إنتاج آداب في اللغات الأوروبية للتصدي لذلك، وأشار إلى تقصير الجميع في موضوع تربية الأبناء في الغرب، إلى غير ذلك من قضايا وإشكالات الإسلام والمسلمين المعاصرة في الغرب.

* يرى البعض أن الإطار العام لمناهج الدراسات الإسلامية في بريطانيا بحاجة إلى تطوير بما يتوافق مع الخطوط الأساسية للثوابت الدينية، ما تعقيبك على هذا؟

- نحن في الجمعية ومنذ البداية لاحظنا أن مناهج الدراسات الإسلامية في بريطانيا تحتاج بالفعل إلى تطوير وإعادة نظر تمشيا مع المستجدات والتحديات وروح العصر، ولهذا قمنا عام 2005 وبالتعاون مع جامعتي برمنغهام وليدز بتنظيم مؤتمر «الإسلام في الدراسات العليا»، والذي شارك فيه الكثير من ذوي الاختصاص، ليس فقط من بريطانيا، ولكن كذلك من دول كثيرة أخرى. ومن الأمور التي طرحت فيه إعادة نظر شاملة في تدريس اللغة العربية في بعض برامج الدراسات العليا. ولا شك أن مناهج الدراسات الإسلامية يجب أن تتطور لتواكب العصر، وتتماشى مع الثوابت الدينية التي تدعو في الحقيقة للتعايش والتسامح والحوار، وهذه أسس شدد عليها الإسلام في القرآن الكريم وفي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. وأنوه هنا ببرنامج للماجستير في الفكر الإسلامي المعاصر يتم حاليا في الجامعة الإسلامية في بيروت، بالتعاون مع مكتب لبنان للمعهد العالمي للفكر الإسلامي، وهذا برنامج فريد من نوعه يجب تعميمه سواء في العالم الإسلامي أو في الغرب.

* هناك دعوات في الغرب ترى أن استقدام الدعاة ومعلمي التربية الدينية الإسلامية في الغرب من الخارج قد يساعد ويعمل على نشر الإرهاب والتطرف، ومن المهم إعدادهم وتأهيلهم بالداخل في جامعات تابعة للدولة.. برأيك أيهما أفضل للدعوة: استقدام الدعاة ومعلمي التربية الدينية الإسلامية من الخارج أم إعدادهم وتأهيلهم في الداخل؟

- أنا صراحة لا أعتقد أن الأئمة الذين يستقدمونهم من الخارج ينشرون الإرهاب والتطرف، ربما يكون عدد قليل جدا فعل هذا عن جهل. الإشكالية الحقيقية في موضوع الأئمة المستقدمين من الخارج، ونحن نلاحظ باستمرار أن معظمهم يفتقدون إلى فهم الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتعليمي والنفسي للدولة التي يقصدونها، رغم أن قسما منهم لديهم فهما جيدا للعلوم الشرعية، لذلك يفشلون في تقديم الحلول أو الفتاوى أو النصائح، حتى إنهم يفشلون في تقديم الخطاب الذي يمكن أن يتفاعل معه الجمهور. والحقيقة المؤلمة والله أعلم ربما مأساوية، إن لم أكن مبالغا في قلقي، هي وجود هوة واسعة بين هؤلاء الأئمة والجمهور، سواء جمهورهم المباشر، وبخاصة الشباب، أو الجمهور العام. قبل نحو 15 عاما دعا البعض هنا إلى ضرورة العمل على إعداد أئمة محليين ممن ولدوا ونشأوا في البلد، يفهمون البلد وتاريخه ومؤسساته ومجتمعه ويتقنون لغته، ويستوعبون خصوصياته. في ذلك الوقت كان هناك رد فعل عنيف وقاس من معظم قادة المؤسسات الإسلامية، وتمت مهاجمة المشروع والتشكيك فيه وفي نواياه، كما أهملته الدولة أيضا تماما ولم تعطه أي أهمية، لكن الأمر طرح مرة أخرى بقوة بعد تفجيرات لندن في السابع من يوليو (تموز) 2005، حيث بدأت بريطانيا تصر على ضرورة إعداد أئمة محليين، فتدافع هؤلاء الذين هاجموا الاقتراح عندما طرح لأول مرة، وبعد خمسة عشر عاما، ليتنافسوا في تقديم برامج لإعداد الأئمة محليا، لكن مع الأسف معظم ما قدم كانت تغلب عليه العشوائية والارتجال. وأنا لا أعتقد أن بريطانيا تريد إعداد مثل هؤلاء الأئمة في جامعات تابعة لها، فهنا لا توجد جامعة تابعة للدولة، ما حدث هو أن وزارة الجاليات والإدارة المحلية قامت بتشكيل لجنة تم تكليفي برئاستها تضم نحو 25 مسلما من الأكاديميين والأئمة والدعاة والتربويين، رجالا ونساء، من مختلف الفاعليات والمناطق، وطلبت منهم دراسة أو إعداد مسح لما يتم حاليا من برامج إعداد أئمة في بريطانيا، وقام البعض بزيارات إلى بعض الدول، مثل البوسنة وباكستان ومصر، للتعرف على نوعية برامج إعداد الأئمة هناك، وبعد ذلك تم تكليف أحد الأئمة ممن درسوا العلوم الشرعية ويحمل درجة الدكتوراه وممن نشأوا في البلد، إضافة إلى متخصصة أكاديمية في عمل مسح لبرامج إعداد الأئمة ويتضمن ذلك اقتراحات أيضا لتطوير البرامج وتحسينها لكي تحقق التكامل المعرفي.

* وما المقصود بالتكامل المعرفي وأهميته؟

- لقد شعرنا بأهمية العلوم الإنسانية والاجتماعية بشكل كبير جدا، حيث وجدنا أنها هي التي تساعد على فهم الواقع، فهي تشكل جزءا مما يطلق عليه «التكامل المعرفي»، والذي نعتقد أنه من دونه لا يمكن أن نحقق أي تقدم أو إصلاح أو بناء حضاري. هذا التكامل يعتمد عادة على قراءتين، هما: قراءة الوحي وقراءة الوجود والواقع واستيعاب عوامل الزمان والمكان.. غياب أي من هاتين القراءتين يشكل خللا كبيرا. ومن المؤسف جدا أن الكثير من المؤسسات التعليمية في الدول العربية والإسلامية أهملت هذا الجانب، أي أهملت العلوم الاجتماعية والإنسانية وركزت على دراسة الطب والهندسة والعلوم البحتة. نحن بحاجة لأن نحقق تقدما في تدريس وتطوير العلوم الاجتماعية والإنسانية، فما يدرس عادة في هذه العلوم ينقل عن الغرب، لم يكن هناك توجه لتطوير العلوم الإنسانية والاجتماعية من وجهة نظر إسلامية. وبسبب الانفصام في التعليم لا يكون لدى خريجي العلوم الاجتماعية والإنسانية أي فهم أو حتى اطلاع على علوم الوحي، كما أن خريجي معاهد الشريعة لا يوجد لديهم أي إدراك للعلوم الاجتماعية وأهميتها. وأعتقد أنه حدث انتباه مؤخرا ولو بشكل محدود جدا لمعالجة هذا الخلل، فعلى سبيل المثال قامت الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا بتأسيس كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية، فالطالب الذي يدرس العلوم الشرعية يدرس معها أيضا العلوم الاجتماعية، وطالب العلوم الاجتماعية يأخذ أيضا مواد في العلوم الشرعية. أعتقد أن قضية التكامل المعرفي من القضايا الجديرة بالاهتمام، حيث يجب أن يعاد النظر في نظم التدريس في مؤسساتنا التعليمية في الدول العربية والإسلامية والانتباه إلى الخلل فيها والعمل على إصلاحه، بحيث تتكامل فيها علوم الوحي مع العلوم الاجتماعية والإنسانية.

* وهل لك أن تحدثنا عن أهم المشاريع في بريطانيا حاليا لإعداد الداعية العصري المتميز؟

- حاليا هناك مشروع مهم في مراحله الأولى يتم بالتعاون بين جامعتي كمبريدج البريطانية والأزهر المصرية، ويشرف على تنفيذه البروفسور ياسر سليمان في جامعة كمبريدج. يتضمن البرنامج اختيار مجموعة من الطلاب المتفوقين من خريجي المدارس الدينية في بريطانيا، بحيث يذهبون إلى جامعة الأزهر في برنامج مكثف لدراسة العلوم الشرعية، ثم يعودون بعد ذلك إلى جامعة كمبريدج لحضور برامج للدراسات الاجتماعية يقدمها أفضل الأكاديميين المسلمين. أرى أن هذه التجربة الجديدة مهمة جدا ونجاحها يدعو إلى تعميمها من أجل المساعدة في إعداد نخبة من الأئمة الملتزمين بثوابت الدين المستوعبين تماما لعوامل الزمان والمكان، يستطيعون خدمة ليس فقط الجاليات المسلمة، بل أيضا المجتمع بشكل عام، ويساعدون على تحقيق التسامح والتعايش مع الآخر، كما أنهم سيكونون مؤهلين لتقديم صورة صحيحة لدينهم الذي يتعرض للتشويه ليس فقط من غير المسلمين ممن لديهم ربما أهداف وأجندات آيديولوجية ودينية متطرفة، بل ربما في أحيان كثيرة من بعض الجهلة من المسلمين الذين لا يفهمون دينهم بشكل جيد ويعتقدون أنهم يحسنون صنعا، فيسيئون بأعمالهم وأقوالهم إلى هذا الدين وإلى الجاليات المسلمة ويسهمون في نشر الإسلاموفوبيا.

* تربية الأبناء في الغرب من القضايا والتحديات والمهام الصعبة التي تواجه الجاليات الإسلامية حاليا.. برأيك، ما هو دور الأسرة والمراكز الإسلامية والدعاة، وما هي القضايا المهمة التي يجب التركيز عليها حاليا في تربية الأبناء؟

- أعتقد أنه من المؤسف فعلا أن موضوع تربية الأبناء في الغرب لم يعط الاهتمام اللازم، نحن جميعا مقصرون في هذا الجانب، الكثير من الآباء لا يعرفون في معظم الأحيان ماذا يفعلون وأين يتوجهون. الآباء جاءوا من خلفيات ومجتمعات مختلفة، لها طرقها المعروفة في التربية، وعندما وصلوا إلى الغرب وجدوا واقعا جديدا مختلفا تماما، فتعاملوا مع هذا الواقع باجتهادات خاصة، ربما تخطئ أو تصيب، وفي كثير من الأحيان والله أعلم تخطئ، مما أدى ويؤدي إلى عواقب مأساوية. الأبناء في الغرب بين مجتمع منفتح يتعلم فيه الأطفال منذ نعومة أظافرهم الاستفسار والمناقشة والاستقلالية وحرية الاختيار والتعبير وإبداء الرأي، والدفاع عنه بقوة وإصرار، وهذا يصطدم مع خلفية الآباء والأمهات إلى حد كبير، وأنا أؤكد أن غالبية المراكز والمؤسسات الإسلامية - وقد أكون قاسيا في هذا - حاليا عاجزة عن مد يد العون والمساعدة الحقيقية المؤثرة، كما أن من تذهبين إليه في المسجد يجتهد أيضا كما يجتهد الآباء. هناك بالفعل حاجة ماسة جدا للخبراء ليقوموا بإعداد أدلة ومواد تربوية وبرامج تدريبية في كل المراكز الإسلامية تضمن أيضا التركيز على جوانب قضية التكامل المعرفي وفهم الدين والواقع وفهم مقاصد الشريعة وعوامل الزمان والمكان، والتركيز على العلاقة مع الآخر واحترام النفس واحترام الجار وما هو مقبول وغير مقبول والالتزام بقوانين البلد.. إلخ.

* ما هي القضايا والمسائل العاجلة التي يجب أن تعالجها وتغطيها وسائل الإعلام الغربية وكذلك الكتب المؤلفة والمترجمة في الغرب لتحسين صورة الإسلام والمسلمين في الخارج وتعزيز الحوار بين الأديان والحضارات والثقافات؟

- أنا أعتقد أن الحملات التي تشن على الإسلام ليست جديدة بل قديمة جدا، ما يختلف حاليا هو الطرق والوسائل والأبعاد، فالإسلاموفوبيا في تزايد مستمر، ويتم نشرها بمختلف أنواع الثقافة الشعبية، بالراديو والتلفزيون وبالصحف والمجلات، في كل هذه الوسائل نجد هناك باستمرار بمناسبة ومن دون مناسبة نشر لهذا الخوف من الإسلام وتشويه له. هناك حتى لا ننكر فضل الآخرين عدد محدود من الكتب والبرامج التي يؤلفها ويعدها بعض المنصفين والموضوعيين، لكن أنا أشعر بأنها «قشة في مهب ريح عاتية» أمام هذا الـ«تسونامي من الإسلاموبيا» في الغرب. وقد كتبت ورقة ستنشر قريبا، بعنوان «التعليم: الحل الوحدي لمواجهة تزايد الإسلاموفوبيا والعنصرية»، أشرت فيها إلى ضرورة إعادة النظر في الغرب، ليس فقط في ما يدرس مما يخلق «الخوف من الإسلام» وينمط الإسلام، بل أيضا في ما لا يدرس عن حقيقة الإسلام وإسهامات المسلمين في الحضارة الأوروبية. وبالنسبة لنا كمسلمين نحن مقصرون تماما في هذا الجانب، فالخطاب الإسلامي ما زال متخلفا في الكثير من جوانبه، وهذا يؤدي وبشكل خطير إلى تشويه الإسلام، خاصة في مجال الكتب التي تؤلف وتترجم وتوزع على نطاق واسع، فكثير من هذه الكتب المترجمة لا يصلح لمخاطبة الآخر. وقد عالجت هذه المواضيع في مقال لي نشر في 5 ديسمبر (كانون الأول) 2003 في صحيفة «الشرق الأوسط» بعنوان «الأبعاد الغائبة في الخطاب الإسلامي في الغرب: إشكالية الكتابة والإعلام والترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى خاصة الأوروبية».

* برأيك، ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه التكنولوجيا الحديثة وبخاصة الميديا الاجتماعية كــ«فيس بوك» و«تويتر» و«يوتيوب»، في نشر قيم التسامح والتعايش مع الآخر وتعزيز صورة المسلمين في الغرب؟

- هذا موضوع مهم ويتطور بشكل سريع جدا، ولاحظنا جميعا تأثيره في الأحداث الأخيرة، وهو أيضا يتزامن مع تطور مفهوم ووسيلة أخرى في العلاقات بين المجتمعات والجاليات المختلفة في أنحاء العالم وهو ما يطلق عليه «الدبلوماسية الشعبية» (public diplomacy)، فما نطلق عليها وسائل الإعلام الاجتماعية قد ألغت الحدود الجغرافية تماما، وأعتقد أنها قدمت فرصة ذهبية لمؤسسات المجتمع المدني بشكل عام وإلى الأفراد للتواصل مع بعضهم بعضا من دون الحاجة إلى اللقاء وجها لوجه. الميديا الاجتماعية مثل «فيس بوك» و«تويتر» و«يوتيوب» تقدم فرصة تاريخية للمسلمين للتواصل المباشر والمستمر مع الآخر من خلال دبلوماسية شعبية من أجل إبراز قضاياهم العادلة ونشر قيم الإسلام السمحة والتعاون للتصدي للصور السلبية التي تروج لها بعض الجهات، لكن هذا التخاطب يجب ألا يكون عشوائيا، إذ يجب فهم نفسية وإتقان لغة المخاطب كي يكون التواصل مؤثرا، ويجب الابتعاد عن العواطف، والتشنج والانفعال، وتقديم طرح إسلامي وحضاري معاصر نحن في أمس الحاجة إليه الآن يعتمد على الدقة والمصداقية والهدوء والقابلية للاستماع واحترام وجهات النظر الأخرى.

* عند تعامل الغرب مع المسلمين قد يختلط الأمر في أحيان كثيرة على البعض في التمييز بين ما هو ثقافي وما هو ديني.. برأيك، كيف يمكن أن نضع حدا لهذا؟

- هذا كلام صحيح، وهو يخلق إشكاليات كثيرة.. هناك في بعض الأحيان من يخلط بين الاثنين بشكل متعمد مهما شرحت وبينت ووضحت لهم، لأسباب كثيرة، إما آيديولوجية أو دينية أو سياسية، أو للإثارة وبخاصة في الصحافة.. الفرق بين الاثنين واسع جدا، والغاية من الخلط هي فقط الإساءة للإسلام وتشويهه. هناك مجموعة أخرى، وهم ربما الأغلبية الساحقة، ممن لديهم جهل كبير، لا يفرقون بين الممارسات التي تأتي بسبب خلفية ثقافية أو اجتماعية معينة والممارسات التي يمليها الدين. الإشكالية أن المسلمين أنفسهم لا يفرقون في كثير من الأحيان بين ما هو ثقافي وما هو ديني، ويساعدون على نشر الخلط. ومن التهم التي توجه للإسلام أيضا وتعمم وتعتبر قضية دينية قضية ختان المرأة، وإجبار المرأة على الزواج، ومنع المرأة من الخروج أو العمل، كل هذه الأمور لا يقرها الإسلام، وتحتاج إلى إعلام إسلامي جيد وحضاري يستطيع أن يوصل الإسلام الصحيح إلى الآخرين.

* ما هي الأساليب والآليات العملية التي يمكن أن تسهم في إزالة مشاعر التمييز والعدائية ضد المسلمين في الغرب، وكذلك لتفعيل الحوار بين الأديان؟

- الحقيقة هناك الكثير الذي يتم حاليا في هذا الاتجاه، خاصة من قبل الجيل الجديد، الذي بدأ رغم التمييز والعنصرية يؤدي دوره في مختلف المجالات، لأنه ولد وترعرع في البلد، يتقن لغته ويفهم خصوصياته، فهناك الكثير من الندوات والمؤتمرات والنشاطات، كما يوجد تواصل وتعاون بين بعض مؤسسات المجتمع المدني المسلمة وغير المسلمة.. فمثلا الإسلاموفوبيا حتى نهاية القرن الماضي لم يكن هناك أي وعي بها، وفي عام 2000 تم تأسيس «مجلس مواجهة الإسلاموفوبيا والعنصرية في بريطانيا» ويطلق عليه «فير» (FAIR)، وقام بعمل منهجي منظم لمواجهة هذه الظاهرة على مستويات كثيرة، وكان له دور كبير ومؤثر في مواجهتها على المستوى السياسي والاجتماعي والقانوني والتشريعي والإعلامي، والتعريف بها ليس فقط في بريطانيا بل أيضا في أوروبا والعالم، وكان من نتيجة هذا أن نشط الكثير من الأفراد والأكاديميين والإعلاميين من المسلمين وغير المسلمين في الكتابة والحديث عنها والتحذير من خطورتها وعقد نشاطات للرد على مروجيها. وعام 2006 قامت جمعية علماء الاجتماعيات المسلمين في بريطانيا وبالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني في إصدار كتاب «مسلمو بريطانيا: دليل إعلامي»، كان له تأثير إيجابي واضح، واستخدم من قبل المؤسسات الإعلامية البريطانية بشكل واسع. أما بالنسبة لموضوع حوار الأديان فهو متقدم جدا في بريطانيا وبعض الدول الأخرى، وقطع مراحل مهمة جدا. وبعد مرور أكثر من عقد ونصف العقد كان من الضروري إنزال هذه النشاطات من موقع النخبة والصفوة، حيث يجتمع 20 أو 30 شخصا كل عام، إلى الجماهير، إلى الكنيسة والمسجد وغيرهما. هذا الحوار بمستواه الأوسع حقق قفزة نوعية استراتيجية مهمة عندما طرحت مبادرة «كلمة سواء» وهي الرسالة التي تم توجيهها من قبل مجموعة من العلماء والأكاديميين والدعاة والمفكرين المسلمين إلى الكنائس المسيحية للحوار والتعاون في حل المشكلات، وطلب مني أن أسلم نسخة رسمية إلى رئيس الكنيسة الأنجليكانية البريطانية الدكتور راوان ويليامز، وكان الرجل متجاوبا بشكل إيجابي كبير، وكان لتجاوبه الفوري في إصداره لبيان صحافي بعد تسلمه الرسالة تأثير كبير وردود وتفاعلات إيجابية من قبل جهات كنائسية أخرى.