خادم الحرمين الشريفين وحماية العلماء

TT

من القرارات الموفقة التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الثناء على العلماء والدفاع عنهم والتنويه بمكانتهم عملا بقول الله - عز وجل -: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ»، وقوله تعالى: «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ»، وهذا ليس بغريب على سياسة الدولة فقد قامت الدولة السعودية الأولى باتفاق بين إمام وعالم، فاجتمع السلطان والعلم الشرعي، وتآخى المصحف والسيف، والتقى العلم والقلم، ولكن الجميل في قرار خادم الحرمين الشريفين بحماية العلماء والدفاع عنهم أنه جاء بعد مغالطات يقوم بها البعض ممن لا يحبذ الديانة ولا يحب الشريعة ولا يحترم الملة، فهو يتستر بكلمات عامة عائمة لينفذ من خلالها إلى صرح العلماء المهيب وقدرهم الشريف ومقامهم المنيف؛ كقول بعض الكتاب: العلماء ليسوا ملائكة، وهذا كلام صحيح، لكن مقصوده هو أن ينقض عليهم تسفيها ونقدا وتجريحا، وقول بعضهم: العلماء ليسوا أنبياء معصومين، وهذه كلمة حق أريد بها باطل، فقصد الكتاب الانقضاض على هيبتهم وما منحهم الله من قدر جليل ومجد دائم، ومثل هذا الكلام قاله شاب متهور لأحد العلماء، إذ ذكر هذا العالم قول الشافعي ومالك وأحمد في مسألة، فصاح هذا الشاب السفيه في وجه العالم وقال: هؤلاء رجال ونحن رجال. فقال العالم: صدقت إنهم رجال وأنت رجل، لكنهم هم رجال جمعوا العلم والعمل، والإمامة والقدوة، والشرف والريادة، وأنت رجل بمعنى أنك لست بامرأة تحمل وتنجب وترضع.

لقد كانت كلمات خادم الحرمين الشريفين بردا وسلاما على كل طالب علم شرعي كبر أو صغر، كثر علمه أو قل؛ لأن احترام المؤسسة الشرعية هو إثبات لهيبة الدولة وقوتها وحفظها لرسالتها وتمسكها بمبادئها التي قامت عليها دون احتقار لأي تخصص علمي آخر، فلكل أهل تخصص قدرهم واحترامهم، لكن علماء الشريعة كما قال ابن القيم: هم الموقعون عن رب العالمين، وهم النجوم التي يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، وهم المميزون بالرجوع إليهم في المسائل والمعضلات، فقال تعالى: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»، وهم الذين خصهم الله من بين خلقه بالشهادة على وحدانيته بعد شهادته تعالى وشهادة الملائكة فقال سبحانه: «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»، ولا يستهين بالعلماء إلا أحد شخصين: إما جاهل فاشل خامل غبي بليد لا يعرف قيمة العلم ولا ميزان المعرفة، أو شخص مستبطن للنفاق متستر على بغض الديانة منطو على كراهية الشرع المطهر، فهو ينفث سمومه في مقالات وكلمات يلمح فيها كثيرا ويصرح قليلا خوفا من هيبة الدولة وسطوة الأمة وغضبة الشعب المسلم، وكم سمعنا في المجالس وقرأنا في الصحف وفي مواقع شبكة المعلومات عن قول الكثير عن العالم الفلاني أنه لا فرق بينه وبين أي إنسان عادي، ثم يقولون: كلنا أبناء تسعة أشهر، وأقول: ما هي ميزة المساواة في حمل تسعة أشهر، فالرسول صلى الله عليه وسلم حملت به أمه تسعة أشهر، وكذلك أبو جهل وأبو لهب، وخالد بن الوليد وصلاح الدين الأيوبي والشافعي مكثوا هذه المدة في بطون أمهاتهم، وكذلك باقل الأحمق السفيه وهبنقة المعتوه المهبول، وقد نفى الله المماثلة بين المختلفين في الفضل والمنـزلة ولو اتفقا في بعض الصفات، فنفى المساواة بين العالم وغير العالم، والمسلم والكافر، فقال: «أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»، حتى إن الكلب المعلم المدرب على الصيد صيده حلال، والكلب الجاهل صيده حرام، قال تعالى عن الصيد بالكلاب: «مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ»، قال الشيخ العلامة حافظ الحكمي:

وميز الله حتى في البهائم ما منها يعلم عن باغ ومغتشم، وحتى الهدهد الموحد لما حمل العلم بالقرآن من اليمن أقر بفضله سليمان عليه السلام وقال هو لسليمان: «وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ»، جزى الله خادم الحرمين الشريفين خير الجزاء، وألبسه لباس الصحة والعافية، وشكر الله له دفاعه عن أهل العلم.