علماء وأزهريون لـ «الشرق الأوسط»: لم يعد هناك تكميم للأفواه ودور أكبر ينتظرنا خلال الفترة المقبلة

أكدوا نجاحهم في معالجة دعوات الوقيعة والفتنة الطائفية في مصر

قيادات إسلامية ومسيحية كان لها دور في معالجة أحداث الفتنة الطائفية بمصر
TT

ثمن علماء وأزهريون من دور زملائهم من المشايخ والدعاة باختلاف انتماءاتهم، وتعاملهم مع أزمة الفتنة الطائفية في مصر. ففي مشهد غير معتاد ولم يكن مألوفا من قبل في ظل سنوات حكم النظام المصري السابق؛ أصبح المشايخ والدعاة والأئمة ورجال المؤسسات الإسلامية هم الحصان الرابح في المشهد المصري، بدءا من ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، التي كان لهؤلاء المشايخ دور في إنجاحها عندما شاركوا المتظاهرين في ميدان التحرير، ثم كان دورهم الأبرز في معالجة أزمة الفتنة الطائفية الأخيرة بين المسلمين والمسيحيين الناتجة بسبب هدم كنيسة «الشهيدين» في قرية أطفيح، وذلك عندما استعان بهم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يدير شؤون البلاد حاليا، لوأد هذه الفتنة والمقاربة بين الطرفين.

لم يقتصر دور المشايخ، خاصة ممن يحظون بشعبية كبيرة، خلال الأسابيع الماضية، على التوجيه والوعظ الديني بشأن بيان روح التسامح الإسلامي في القرآن والسنة، أو التحذير من الفتنة الطائفية وعواقبها فقط، بل امتد دورهم لتوجيه المواطنين بأهمية فض الاعتصامات والمظاهرات الفئوية، وإيصال مفهوم تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، ووقف الفوضى الاجتماعية والابتزاز السياسي في هذه المرحلة الحرجة التي تعيشها مصر.

وجاءت مبادرة المشايخ والدعاة في الذهاب إلى قرية «أطفيح» موضع الأزمة، بمشاركة ودعم عناصر من القوات المسلحة، لتؤكد فكرة هذا التحول وتعاون مؤسسات الدولة الرسمية مع الشيوخ، ثم كان السماح لمشايخ بعينهم بإلقاء خطب الجمعة من مساجد كبرى بعد أن كان محظورا عليهم ذلك، وبث خطبتهم عبر التلفزيون الرسمي وعلى الهواء مباشرة، خطوة غير مسبوقة تعد امتدادا لهذا المشهد الجديد ومظهرا آخر له.

ومع هذا التحول في دور الشيوخ، لم يكن هناك تيار أو مذهب أو مؤسسة تسيطر على الموقف، فتشارك شيوخ التيار السلفي وعلماء الأزهر والدعاة الشباب وأعضاء هيئة التدريس في جامعة الأزهر جنبا إلى جنب من أجل هدف واحد. وتمثل هؤلاء المشايخ والدعاة في أسماء أبرزها الشيخ محمد حسان أحد قادة الجماعة السلفية، والدكتور صفوت حجازي الأمين العام لرابطة أهل السنة، والداعية عمرو خالد، والدكتور عبد الله بركات عميد كلية الدعوة الإسلامية في جامعة الأزهر، والدكتور محمود عزب مستشار شيخ الأزهر. وهو ما يدعو إلى التساؤل عن أهمية هذا الدور في الأحداث السياسية الراهنة، ومدى استمرار التقارب بين المشايخ وعلماء الدين مع المؤسسة الحاكمة مستقبلا.

ويقول الشيخ عبد الحميد الأطرش، الرئيس السابق للجنة الفتوى في الأزهر، لـ«الشرق الأوسط»: «بعد نجاح ثورة 25 يناير أصبح في متناول الجميع ومنهم الشيوخ التكلم بشفافية دون مراقب يتابعهم أو معتقل ينتظرهم، على عكس فترة سابقة مضت عاش الجميع فيها مكممي الأفواه، حيث كان فيها السلطان هو الحاكم بأمره يفعل ما يريد وما يشاء».

وأوضح الشيخ الأطرش أن الشيوخ ومنهم علماء الأزهر كان دورهم في أزمة الفتنة الطائفية الأخيرة هو تطبيق تعاليم الإسلام، حيث قال الله تعالى «لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»، فكان تطبيق الآية في موضعه من خلال توجه الشيوخ لتهدئة الأمور، وبيان أن ما حدث بين المسلمين والمسيحيين عمل يأباه الإسلام، وتأباه السنة، فقد قال الرسول الكريم «الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها»، فكان دورا محمودا للمشايخ ومن صميم عملهم بتطبيق هذه الآية الكريمة والحديث الشريف.

وأبان الشيخ الأطرش أن «لسان حال المشايخ في فترات ماضية كان يقول إنه لا فائدة مما أعمل أو مما أقوم به من وعظ وإرشاد، لأن السلطة كان باستطاعتها أن تقبح الحسن وتحسن القبيح، وليس هناك من يجادلها. لكن الآن فمسموح لهم أن يمارسوا دورهم النابع من قوله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)».

وترى الدكتورة عفاف النجار، عميدة كلية الدراسات الإسلامية للبنات، أن نجاح الدعاة والشيوخ في احتواء الأزمة الطائفية الأخيرة يعود إلى امتلاكهم مقومات الحوار والمناظرة أكثر من غيرهم، فقد قدموا شكلا إيجابيا للغاية في التعامل مع الأزمة، نجحوا به في معالجة دعوات الوقيعة والفتنة سريعا مقارنة بفترات ماضية في ظل النظام السابق، والذي لم يكن هناك دور واضح للشيوخ في عهده لسنوات طويلة.

وقالت الدكتورة عفاف النجار إن المجتمع عندما يشعر بخطر قادم لا بد أن يسعى بكل جهده وبكل طوائفه لمواجهة ذلك الخطر، وهو ما ترجمه الشيوخ عمليا خلال الفترة الماضية عندما ذهبوا لقرية أطفيح بمبادرات فردية أو من خلال التنسيق مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

وأشارت الدكتورة عفاف النجار إلى أن الفترة المقبلة تحتاج لاستمرار هذا العطاء والترابط بين كل عناصر المجتمع، خاصة في ظل أعداء متربصين، وديننا الحنيف يحرص على المواءمة والتفاهم ويحث على ذلك، وهو ما يعني أن هناك دورا أكبر ينتظر الدعاة والشيوخ لتحقيق مصلحة الوطن.

من جهته، قال الدكتور محمد وهدان، الداعية الإسلامي وأستاذ الإعلام في جامعة الأزهر «يحسب للدعاة والشيوخ ما قاموا به من دور مهم في التقريب في وجهات النظر بين المسلمين والمسيحيين، وهو دور كانت ثمرته رأب الصدع، وأنا أثمّن هذا الجهد، فنحن يعنينا مجتمع فاضل بين الطرفين».

ويرى الدكتور وهدان أن الأعوام الماضية شهدت تواري دور الشيوخ كقادة للرأي، خاصة في وقت الأزمات، رغم أن لهم تأثيرا كبيرا على سلوك الآخرين، فكلمة الدعاة تكون مؤثرة للغاية، خاصة في القرى والمناطق الريفية، وهذا يعود إلى عدم السماح لهؤلاء القادة بممارسة دورهم بسبب الجهات الرقابية والأمنية في عهد النظام السابق، لافتا إلى أن الفترة المقبلة تحتاج إلى دور أكبر من جانب المشايخ، خاصة لما تحتاجه المرحلة المقبلة في مصر من توجيه المواطنين لاتخاذ القرارات الصحيحة، وهو دور يجب أن يقوم به الشيوخ والدعاة بعد أن تغيرت الظروف من حولهم. ويحذر أستاذ الإعلام من ظهور الفتنة والتفرق بين الحركات المختلفة خلال الفترة القادمة بعد أن وحدتهم الأزمة الطائفية، قائلا إن الاختلاف مقبول لكن دون تخريب، مشيرا إلى أن بعض الفرق تحاول حاليا اختطاف البساط قبل الغير.