«المشيخة الإسلامية» في مقدونيا تهدد بتدويل موضوع «جامع بورمالي».. بعد قرار للحكومة ببناء فندق مكانه

بعد أن انفردت «الشرق الأوسط» بنشر صورته التاريخية

«جامع بورمالي» الذي بني في عام 1495، وهدم في عام 1925
TT

بعد أيام فقط من نشر «الشرق الأوسط» في يوم الثلاثاء الموافق 17 من شهر مارس (آذار) 2011 موضوعا عن الآثار العثمانية في العاصمة المقدونية سكوبيه، مع صورة تاريخية نادرة لـ«جامع بورمالي»، الذي كان يعتبر من أجمل جوامع البلقان، والذي هدمته السلطات في عام 1925 لتبني مكانه «نادي الضباط»، عاد موضوع «جامع بورمالي» للتفاعل، ليهدد بأزمة جديدة بين الحكومة الائتلافية والمسلمين الذين يشكلون نحو 40 في المائة من سكان الدولة. أما الجديد في هذه الأزمة فهو تهديد «المشيخة الإسلامية»، التي تمثل المسلمين أمام الدولة، وترعى أمورهم الدينية والثقافية، بتدويل الموضوع ورفعه إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما والمسؤولين في المنظمات الدولية المعنية، أما سبب هذا التوتر الجديد فيعود إلى الكشف عن قرار للحكومة (وزارة النقل والاتصالات) ببيع المكان الخاص بالجامع إلى شركة يونانية لكي تبني فيه فندقا سياحيا بحكم الموقع الفريد له في قلب العاصمة سكوبيه.

وقد رد على ذلك فورا «المجلس التنسيقي لإعادة بناء جامع بورمالي» التابع للمشيخة الإسلامية، الذي أصدر أخيرا بيانا شديد اللهجة يحذر فيه الحكومة والرأي العام والمنظمات الدولية من تبعات هذا القرار الذي «يستثير العلاقات الدينية والإثنية ويمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية».

وتجدر الإشارة هنا إلى أن «جامع بورمالي» كان قد بني في عام 900هـ/ 1495م، وهو بهذا من أقدم الجوامع العثمانية في البلقان، بالإضافة إلى أنه كان يتميز بعمارته الجميلة حتى إنه كان يلقب بـ«أجمل الجوامع». ومع أن النقش الخاص المكتوب بالعربية، الذي كان على الجامع، والذي يفيد بأن الذي بناه هو «ناظر الغزوة والمجاهدين محمد بك في شهر ذي الحجة لسنة تسعمائة..»، فإنه اشتهر باسم «جامع بورمالي» نظرا إلى مئذنته المتميزة بالخطوط الملتوية المحفورة في حجارتها.

وقد بدأ التوتر حول موضوع الجامع بعد انتخابات عام 2007 التي حملت إلى الحكم الحزب القومي المقدوني (حزب الوحدة القومية) برئاسة نيقولا غرويفسكي، الذي طرح أكبر مشروع إنشائي عرفته العاصمة منذ الاستقلال في عام 1991 باسم «سكوبيه 2014» لإعطاء مظهر مغاير لقلب العاصمة. فقد انتقدت المعارضة المقدونية (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) والألبانية (الحزب الديمقراطي الألباني) هذا المشروع لتكلفته الكبيرة (نحو 400 مليون دولار حسب المعارضة) على حساب الحاجات الملحة للعاصمة وغيرها من المدن الأخرى في الجمهورية.

ولكن النقد الأشد جاء من «المشيخة الإسلامية» التي تمثل 40 في المائة من سكان الدولة، وذلك لكون المشروع يسعى لإعطاء العاصمة لونا واحدا (سلافيا أرثوذكسيا) في الوقت التي يقسم فيه نهر فردار المدينة إلى قسمين متمايزين (شمالي بطابع ألباني مسلم، وجنوبي بطابع سلافي أرثوذكسي). وقد انتقدت «المشيخة الإسلامية» بشكل خاص قرار الحكومة ببناء كنيسة جديدة على بعد أمتار من المكان الذي كان فيه «جامع بورمالي»، ولذلك طالبت الحكومة بالموافقة لها على إعادة بناء «جامع بورمالي» في مكانه إلى جانب الكنيسة ليكون ذلك رمزا للتعايش الديني الذي ينادي به رئيس الحكومة.

إلا أن الحكومة التي فوجئت بهذا الموقف تهربت، بغض النظر عن بناء الكنيسة، لكي تتجنب الموافقة على إعادة بناء «جامع بورمالي» في الوقت الذي بادرت فيه «المشيخة الإسلامية» إلى تشكيل «المجلس التنسيقي لإعادة بناء جامع بورمالي» برئاسة الشيخ رمضان رمضاني، بعد أن أصبح هذا الأمر مطلبا شعبيا للمسلمين.

ومع تجاهل الحكومة لتحرك «المجلس التنسيقي لإعادة بناء جامع بورمالي» المطالب باسترداد المكان الخاص بالجامع، خلال عامي 2009 – 2010، عاد التوتر الإثني الديني من جديد ليصل إلى درجة خطيرة في مطلع مارس (آذار) الماضي، حين قامت جهات حكومية ببناء كنيسة في قلب القلعة العثمانية المطلة على العاصمة سكوبيه، ورد المسلمون في صباح اليوم التالي بهدم ما بني خلال الليل ليهدد بانفجار العنف بين المسلمين ورجال الأمن الذين جاءوا للموقع. ومع أن العنف قد توقف بعد قرار الحكومة بوقف البناء، فإن التوتر عاد من جديد بعد الكشف عن قرار الحكومة بمنح المكان الخاص للجامع إلى شركة يونانية لكي تبني عليه فندقا، في الوقت الذي كانت «المشيخة الإسلامية» تأمل باسترداد ذلك الموقع لكي تعيد بناء الجامع كما كان عليه في الماضي.

والملفت للنظر في هذه المرة أن البيان الصادر عن «المجلس التنسيقي لإعادة بناء جامع بورمالي» قد حمل الكثير من الإشارات والعبارات التي توحي وتصرح بالتحذير لتبعات هذا القرار على العلاقات بين طرفي المجتمع، وعلى الاستقرار في هذه الجمهورية التي لم تهدأ بعد من النزاع المسلح بين الطرفين خلال ربيع وصيف 2001، الذي لم ينته إلا بتدخل دولي كبير.

وهكذا ورد في البيان عن القرار الحكومي: «إن هذا أمر خطير لن يمر.. لأنه في ذلك المكان لن يبنى سوى جامع بورمالي، الذي كان من أجمل الجوامع» و«نعتقد أنه بهذا القرار الحكومي لم يتم احترام القوانين، ومن دون نقاش عام ومهني حوله، وهو قرار خطير لأنه يسيء إلى المقدس الإسلامي (الجامع)، وهو يتناقض مع الأخلاق المسيحية، ومع رعاية القيم الحضارية التي تنادي بها بعض وزارات الحكومة». ومع هذه المقدمة التحذيرية للحكومة والمجتمع من تبعات ذلك يذكّر البيان بما حصل في القلعة من اشتباك، في أول مارس الماضي، ويهدد بنقل الأمر إلى المجتمع الدولي، حيث ينتهي إلى القول: «في الأيام المقبلة سنعلم كل العالم؛ ابتداء من الرئيس الأميركي باراك أوباما، وحتى ممثلي المنظمات الدولية».

وبعد كل هذا يطالب البيان الحكومة فورا بإعادة النظر في القرار الذي اتخذ بمنح الموقع الخاص بالجامع إلى شركة يونانية لبناء فندق عليه، وإعادة الموقع إلى صاحبه الشرعي (المشيخة الإسلامية) لكي تعيد فيه بناء «جامع بورمالي» الذي هدمته السلطات الرسمية دونما مبرر، على الرغم من قيمته التاريخية الكبيرة.

ويبدو أن موضوع «جامع بورمالي» مرشح للتصعيد مع تفاقم الوضع السياسي والتوتر الإثني الديني في الجمهورية خلال الأسابيع الماضية. فالمعارضة تقاطع البرلمان، وقد وافق رئيس الوزراء، غرويفسكي، على إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في صيف 2011، مما يعني أن موضوع «جامع بورمالي» سيدخل الحملة الانتخابية؛ سواء بين الحزبين الألبانيين المتنافسين؛ (حزب الاندماج الديمقراطي) و(الحزب الديمقراطي الألباني)، أو ما بين الطرف الألباني المسلم والطرف السلافي الأرثوذكسي.

وفي انتظار ذلك يبقى الأمل في رئيس الحكومة غرويفسكي، الذي يروج لجمهورية مقدونيا، باعتبارها نموذجا للتعايش الديني والإثني في البلقان، حيث إن «جامع بورمالي» يمكن أن يكون رمزا لذلك، وليس انتقاصا من ذلك التعايش.