المسلمون المصريون استفادوا من حملات التبشير المسيحية.. لكنهم لم يغيروا ديانتهم

دراسة كندية عن محاولات رجال الدين الغربيين استقطابهم بواسطة الخدمات الحياتية

للأزهريين دور فاعل في الحفاظ على هوية مسلمي مصر (أ.ب)
TT

استفاد المسلمون المصريون من حملات التبشير المسيحية التي حاول، عن طريقها، رجال دين غربيون استقطاب سكان منطقة الشرق الأوسط بواسطة الخدمات الحياتية. وتمثلت استفادة المسلمين المصريين في فرص لمحو الأمية وتحسين الظروف المعيشية، طوال مدة نشاط المبشرين الأميركيين والبريطانيين التي استمرت نحو مائة سنة، لكن هذه الدراسة التي أجرتها الباحثة باربارا دوبس، في جامعة ويلفريد لورييه الكندية، تقول إن المسلمين المصريين، رغم ذلك «لم يغيروا ديانتهم بشكل لافت»، وإن التحول من الإسلام إلى المسيحية «أمر نادر للغاية».

وتلفت الدراسة الفريدة من نوعها، والتي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، إلى أن الإجراءات التي اتبعها المبشرون الأميركيون والبريطانيون، منذ نحو قرن من الزمان، كانت تبدو في مظهرها «إجراءات حميدة وبسيطة»، لإيصال الرسالة المقصودة من المحبة المسيحية والوحدة مع الله.. «لكن هذه الرسالة كان من شأنها أن تؤدي إلى نتائج معقدة وعواقب وخيمة بالنسبة للمصريين».

وفي بدايات القرن التاسع عشر ظهر في الولايات المتحدة الأميركية رجال دين متحمسون للتبشير في العالم، معتمدين في ذلك على ما ورد من نصوص في الإنجيل، تقول «اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها». وتضيف الدراسة أنه وفقا لهذا الاعتقاد وصلت لمصر بالفعل مجموعة من المبشرين الأميركيين عام 1854، حين كانت مصر تحت الاحتلال العثماني، حيث استمر نشاط التبشير تحت ظل الاحتلال البريطاني لمصر الذي انتهى منتصف القرن الماضي.

وخلَّف المبشرون الأميركيون ومن بعدهم البريطانيون بمصر «نتائج كارثية في كثير من الأحيان»، حسب الدراسة التي تشير إلى أن السبب يرجع إلى أن «هؤلاء المبشرين الأوائل لم يكونوا قد تلقوا التدريب والتعليم المتعلق بالمواقف ووجهات النظر الثقافية للجمهور في مصر، ولم يدركوا جوهر نظم المجتمع أو قيمه لاختيار الطريقة التي يقومون بها بالوعظ»، وذلك «بسبب التفاوت بين المسيحية والقيم الإسلامية، وأنماط حياة كل من الجانبين»، إضافة إلى «الفروق الدقيقة (بين النمط الغربي) والثقافة المصرية».

وتقول الدراسة إنه رغم الدعم المالي الهائل الذي أنفقه الغرب على البعثات التبشيرية في تلك المدة، التي استمرت نحو مائة عام، فإن التحول من الإسلام إلى المسيحية كان أمرا نادرا للغاية، رغم أن المبشرين بدأوا نشاطهم بجهود في بناء الكثير من المدارس بمصر، وكذا إيفاد بعثات لإقامة مستشفيات وعيادات طبية، ووضع برامج لمحو الأمية في المناطق الريفية وبرامج للغذاء، فضلا عن وضع برامج لتحسين الثروة الحيوانية والحد من انتشار الأمراض المتوطنة.

وتمضي الدراسة قائلة إن ما كانت تقوم به الإرساليات أو البعثات التبشيرية من محو للأمية وعلاج للسكان «كان موضع ترحيب لدى الجميع لإيصالها الخدمات بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الانتماء الديني»، وإن هذه الحملات التبشيرية «عملت على تعزيز حملات محو الأمية من أجل إجراء دراسات الكتاب المقدس، وكان كثير من المسلمين يحضرون لهذه المدارس أو يترددون على المراكز الطبية نتيجة للحاجة الماسة لمحو الأمية والتعليم أو الرعاية الطبية»، وإن «كل هذه البرامج والخدمات قدمت للمصريين مجانا».

وتشير الدراسة إلى أنه «في عام 1882 حينما تغلبت القوات البريطانية على الجيش المصري واحتلت مصر فعليا كان لهذا الأمر أكبر الأثر على هذه الإرساليات، واتجهت هذه البعثات التبشيرية لأكبر فترة من النمو والازدهار. وكانت التبرعات من أميركا متزايدة ومتدفقة بحرية إلى الميدان»، مما أدى إلى «تكثيف العمل في أوساط السكان المسلمين»، حتى أصبحت تلك البعثات «أكثر صخبا وصراحة مما كانت عليه في الماضي»، إلى أن جاءت فترة الكساد الكبير الذي ضرب العالم اقتصاديا في الثلاثينات من القرن الماضي.

وتقول الدراسة إن فترة الكساد أثرت بشكل كبير على الإرساليات الأميركية نظرا لأنها كانت تعتمد اعتمادا كبيرا على دعم الغرب المادي.. «مما أدى إلى حدوث ضائقة مالية أدت إلى تقليص عمليات هذه البعثات الإرسالية» وبالتالي تراجعت برامج التوعية ومحو الأمية والتعليم والمساعدة الطبية والغذائية.

في تلك الظروف، كما تقول الدراسة «حدث نوع من التدقيق والوعي من قبل المجتمع المصري بخطورة هذه البعثات على الشباب المسلم، وبدأت الصحافة العربية الدورية في الاهتمام بهذا الأمر، وفي مواجهة هذا ظهرت أيضا في مصر جمعية شبان الإخوان المسلمين. كما طالب الشعب الحكومة المصرية بضرورة كبح جماح المبشرين المسيحيين، مما أسهم في الإسراع بتوقيع اتفاقية مونترو عام 1937، الخاصة بإلغاء الامتيازات الأجنبية بمصر».

وأثناء الحرب العالمية الثانية، وضعت مصر البعثات التبشيرية «تحت المجهر»، وأوقفت إصدار التأشيرات التبشيرية وبدأ تنفيذ الكثير من القوانين واللوائح للحد من نشاطها بمصر، من خلال «تجديد المناهج المدرسية لتشمل الفقه الإسلامي كجزء من محتوى هذه البرامج»، وكذا إحلال المعلمين والأطباء المصريين محل الأجانب في المدارس والمستشفيات والعيادات الصحية، وإذكاء الروح الوطنية، بقيام ثورة يوليو (تموز) عام 1952.

وتزيد الدراسة موضحة أنه، وبحلول عام 1960 كانت البعثات التبشيرية تكافح من أجل مجرد الاستمرار بمصر نتيجة للقيود المفروضة عليها، إلا أن هذه البعثات اضطرت للرضوخ لقرار حلها ووقفها عن العمل في عام 1966. وتقول الدراسة إنه كان هناك الكثير من الجدل بين المصريين حول ما إذا كانت البعثات التبشيرية «لأجل مجد الله فقط أم لتوسيع إمبراطورية القوى الاستعمارية على حساب المسلمين». وحسب الدراسة «لا يزال هناك عدم توافق واضح حول هذه القضايا، ولا تزال تثير جدالا كبيرا»، وهو «الأمر الذي جعل المتحولين مشكوكا فيهم للغاية».

وتضيف الدراسة أن المبشرين الأوائل افتقروا لما سمته «التدريب اللاهوتي الرسمي» و«نفذوا منظور الاستعمارية» في البلدان التي ذهبوا إليها مثل مصر.. «وفي السنوات العشرين الماضية، وصلنا إلى ضرورة الاعتراف بالأخطاء»، و«توصلنا إلى أنه على الرغم من أن مصر كانت دولة فقيرة جدا من الناحية الاقتصادية، فإنها لم تكن أبدا فقيرة ثقافيا».