علماء أزهريون: تطبيق الشرع بإقامة الحد بواسطة جماعة دينية «بلطجة» ومخالفة صريحة لسماحة الإسلام

أكدوا لــ«الشرق الأوسط» أن الحاكم صاحب الحق في إقامته.. وطالبوا بتطبيق «الحرابة» على مرتكبيه

جانب من الفتنة الطائفية في أطفيح بمصر («الشرق الأوسط»)
TT

فجرت واقعة قيام مجموعة سلفية في مصر بتطبيق الحد على مواطن مسيحي بقطع أذنه، تساؤلا داخل الأوساط الدينية، حول من هو الأحق بتطبيق حدود الله. حيث أكد مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر على أن ادعاءات بعض السلفيين بأنهم مخولون في إقامة الحدود لا أساس لها من الصحة. واتفق علماء أزهريون على أن الحاكم وحده صاحب الحق في إقامة الحدود، وأكدوا لـ«الشرق الأوسط» على أن تطبيق الشرع بإقامة الحد بواسطة جماعة دينية بلطجة ومخالفة صريحة للحدود ولسماحة الإسلام، مطالبين بتطبيق حد «الحرابة» على أي جماعة تقوم بتطبيق الحدود بنفسها.

واستنكر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر في بيان له «ادعاءات بعض السلفيين بأنهم مخولون في إقامة الحدود»، واصفا هذه التصرفات بأنها «محرمة شرعا ومجرمة عرفا وقانونا». وناشد المجمع المسؤولين أن يتصدوا لهؤلاء، وألا يمكنوهم من تحقيق أهدافهم، وأن يحولوا بينهم وبين ما يريدون.

ومن جانبه، أكد الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، على أن ادعاء إقامة الحدود الشرعية بالطريقة التي اتبعتها الجماعة السلفية يمثل تشويها فجا ومخالفة صريحة لقضية الحدود، وليس ذلك فحسب،‏ بل لسماحة الإسلام ذاته، مشيرا إلى أن «الأزهر يربأ بالإسلام من الزج به في مثل هذه الأحداث المشينة الحمقاء والتي يأباها الإسلام والمسلمون جميعا».

وقال الدكتور الطيب «إن الأزهر يؤكد على ضرورة الإنصات إلى صوت العقل والاعتصام بالرؤية الإسلامية الهادئة السمحة، وذلك دفعا للمخاطر التي تتربص بالأمة للنيل من وحدتها وإشعال نار الفتنة بين أهلها‏».‏ واعتبر الدكتور علي جمعة، مفتى مصر، تطبيق الحدود على المواطنين جريمة بكل المقاييس، والدين والشريعة الإسلامية منها براء، قائلا «لا يجوز لأي جهة أيا كانت تطبيق الحدود على المواطنين، والجهة الوحيدة المنوط بها ذلك هي القضاء»، مؤكدا على أن المسألة ليست اعتباطية، بحيث يحق لأي فرد إقامة الحد، وإلا تحول الأمر لفوضى عارمة، لافتا إلى أن «من يرى مخالفة لا بد أن يتقدم بها إلى الجهات المختصة».

وأشارت الدكتورة آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة في جامعة الأزهر، إلى أنه «لا يصح تطبيق الحدود بيد المجتمع، فالإسلام وضع حدودا واضحة»، موضحة أن تطبيق الحدود بواسطة أي جماعة يعد تحريضا على الفوضى وعلى النفس البشرية دون مقدمات، ويعتبر أمرا مرفوضا، لافتة إلى أن «الحدود في الإسلام عسيرة لكثرة الضوابط الموضوعة لها، وأن الحاكم وحده من يحق له اتخاذ قرار فيها».

وطالب الشيخ فؤاد عبد العظيم، وكيل وزارة الأوقاف لشؤون الدعوة «المسلمين بالحرص على وحدة المجتمع ونظامه، وليس على إشاعة الفوضى»، قائلا إن «من يرسخ الأمن في المجتمع هو الحكومة الشرعية، فهي التي تعاقب وتضع حدا للمخاطر والمفاسد»، لافتا إلى «اننا نعيش في مجتمع حضاري يحتكم لولي الأمر، وعندما يرى الإنسان أي خطأ فعليه أن يلجأ للسلطات المختصة، ويطالبها بأن تحتكم إلى شرع الله في هذه المسائل، وليس لأحد أن يتولى إقامة الحد بنفسه لأن المجتمع سيتحول في هذه الحالة إلي مجتمع فوضوي».

وأكد عبد العظيم على أن «القصاص في الإسلام واسترداد الحقوق لا بد أن يكون عن طريق القاضي أو من يحل محله، وليس من حق المجني عليه أن يقتص لنفسه بنفسه»، مشيرا إلى أن الحدود أو القصاص لا مجال للتشديد أو التخفيف فيهما، لأنهما في أصلهما عقوبات مقدرة، لافتا إلى أنه عندما يرى الإنسان أي شخص يرتكب فاحشة ففي البداية يجب نصحه، فإذا لم يرتدع يرفع أمره إلى ولي الأمر ليقتص منه.

وأكد الدكتور عادل عبد الله، الداعية في معهد الدعاة بوزارة الأوقاف المصرية، على أن قيام طائفة بعينها بإقامة حدود الله هو محاولة لتقنين «البلطجة»، قائلا إن «تطبيق الحدود في الإسلام منوط بالحاكم أو السلطة التنفيذية»، استنادا إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»، ويفهم من الحديث أن التغيير باليد يكون للحاكم، وباللسان للعالم، وبالقلب للعامة، لافتا إلى أن المصطفى عندما قال لو أن «فاطمة بنت محمد سرقت لقطع يدها»، كان يتكلم بلغة الحاكم الذي ينفذ القانون وليس بلغة النبي أو الأب، «بدليل أن من كان يرتكب حدا أو يقع في معصية توجب الحد، كان يذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بصفته الحاكم وليس النبي».

وأشار الدكتور عبد الله إلى أن «هذه التعاليم لا يفهمها إلا المتخصصون من علماء الأزهر، وليس كل من ارتدى جلبابا وأطلق لحيته»، مطالبا «بوجوب تطبيق حد الحرابة على أي جماعة تمارس تطبيق الحدود بنفسها لقيامها بترويع الآمنين»، مصداقا لقول الله تعالى «إنمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْي فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ»، لافتا إلى أن ترويع الآمنين يعد خروجا على الحاكم والدولة.

وأكد الدكتور عبد الراضي حمدي، الأستاذ في جامعة الأزهر، على أن الحدود في الإسلام معروفة، قائلا إنه «لا يجوز لجماعة من الجماعات مهما كانت أن تقيم الحدود بنفسها، لكن يجب على من يرى من هذه الجماعات مخالفة لشرع الله أن يبلغ أولياء الأمور الذين بأيديهم إقامة مثل هذه الحدود».

وأوضح الدكتور حمدي أنه «إذا تركنا الحبل على غاربه لكل إنسان ينفذ الحدود كما يرى، فإن المجتمع سوف يتحول إلى فوضى»، مشيرا إلى أن «الحدود في الإسلام شرعت لتحفظ المجتمع من الانهيار والفساد».

يذكر أن مدينة قنا في صعيد مصر كانت قد شهدت واقعة مأساوية، إثر قيام بعض أفراد التيار السلفي بإحراق شقة مملوكة لمسيحي يدعى أيمن أنور ديمتري (42 سنة) يقوم بتأجيرها، وذلك على خلفية إشاعات ترددت بوجود علاقة مشبوهة بين صاحب الشقة والفتاة التي تسكنها، فقاموا بإحراق المسكن وقطع أذن المسيحي.

ورفضت مصادر كنسية التعليق على الحادث، وطالب الأنبا كيرلس أسقف نجع حمادي بالتدخل لوقف البلطجة باسم الدين، وحتى لا تنتقل عدوى الاعتداءات باسم الدين على المسيحيين لمناطق أخرى.