علماء أزهريون وخبراء يشيدون بتغليظ عقوبة التحرش الجنسي

طالبوا بسرعة التطبيق لردع الفساد والتجرؤ على حرمات المجتمع

الفتيات المصريات يؤيدن قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر الخاص بتشديد العقوبات على التحرش الجنسي
TT

رحب علماء أزهريون وخبراء اجتماعيون ونفسيون في مصر بقرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يتولى إدارة شؤون البلاد حاليا، بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، بتشديد العقوبات على جريمة التحرش الجنسي بالأنثى لتصل إلى الإعدام والمؤبد، معتبرين أن القرار حكيم ويتوافق مع الشريعة الإسلامية، ويقوي الشق الوقائي، مما يردع من يفكر في القيام بمثل هذا التصرف.

وطالب العلماء والخبراء بسرعة تطبيق العقوبات على أرض الواقع في ظل الظروف التي تمر بها مصر حاليا وما تشهده من حالة فوضى، أيدتهم في ذلك سيدات مصريات، رأين أن تطبيقها سيكون نوعا من الإنصاف للفتيات.

من جانبه، أكد الدكتور أحمد إبراهيم، الأستاذ في جامعة الأزهر، على أن هذا القرار الحاسم قد تأخر كثيرا، خصوصا في ظل تزايد حالات الاغتصاب، قائلا «القرار يتفق بشكل كلي مع مبادئ الشريعة الإسلامية وقواعدها ومقاصدها»، مستدلا بالقاعدة الفقهية التي تقول «إن الله تعالى يقمع بالسلطان (ولي الأمر) ما لم يقمع بالقرآن»، بمعنى أن «الناس يخافون العقوبة، وقد لا يقدرون النص القرآني، ولذا فإن عتاة المجرمين والقاسية قلوبهم لا علاج لإرهابهم إلا بالعقوبات المغلظة لتخويفهم وتقويمهم وإعادتهم إلى صوابهم ورشدهم».

ووصف إبراهيم الاعتداء الجنسي على السيدات بأنه قتل مركب، ويحمل في طياته قتلا معنويا ونفسيا للمستقبل والعيشة السوية، علما بأن أغلبهن يقعن ضحايا، نظرا لظروف عملهن الليلية.

بينما أكد الشيخ هاني الصباغ، أحد علماء الأزهر، على ضرورة التطبيق السريع والعاجل لقرار المجلس العسكري، واصفا إياه بالرد الأمثل على كل من يستبيحون الشارع للاعتداء على الأموال والأعراض، لردع الفساد والتجرؤ على حرمات المجتمع، مشيرا إلى أن «غياب الأمن في الفترة الأخيرة بسبب الأحداث التي شهدتها البلاد في أعقاب ثورة 25 يناير (كانون الثاني) كان بمثابة فرصة ذهبية للفاسدة أخلاقهم، الذين لا يعرفون شيئا عن مفهوم الرجولة والكرامة الإنسانية».

وأشار الشيخ الصباغ إلى أن الاعتداء على المرأة من الجرائم الكبرى في الإسلام مثله مثل «الحرابة»، وهي قطع وإخافة الطريق وترويع الآمنين فيه، لذا كان لا بد من وجود عقوبات رادعة ومخيفة، استنادا إلى قول الله عز وجل في كتابه الكريم «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يُقتّلوا أو يُصلّبوا أو تُقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفوا من الأرض». ويؤكد الصباغ أن قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتشديد العقوبة يتماشى مع نص الآية الكريمة، والشريعة الإسلامية.

وقالت الداعية الإسلامية الشيخة هدى الكاشف، عضو مجمع القرآن والسنة، إن «القرار رائع، لكن تنقصه وسائل التنفيذ»، مطالبة بضرورة التأكد من صاحبة دعوى التحرش وثبوتها حتى لا يتم اتهام شخص بالباطل، لافتة إلى أن «القرار يجب أن يتضمن شكلا عمليا من أجل نجاح تحقيقه بشكل فعلي على أرض الواقع».

وأشاد المفكر الإسلامي المستشار حسن منصور، نائب رئيس محكمة النقض للأحوال الشخصية، بقرار المجلس العسكري، قائلا «طالبنا منذ فترة طويلة بتغليظ عقوبة التحرش الجنسي بالإناث، منعا للتجاوزات التي تحدث في الشارع، وأصبح من البديهي الآن إقرار التغليظ، نظرا لما يشهده الشارع المصري من فوضي».

وأضاف الشيخ محمد توفيق، من علماء الأزهر، أن القرار ميزان عدل، وإقراره يأتي من باب أولى لعدم التطاول على الأنثى، وخطوة لكسر النفوس الضعيفة من الرجال في حال ارتكابها.

وقال توفيق إن «القرار في الصالح العام، لكن تنقصه كيفية التطبيق، لأنه لا بد أن يكفل القرار الحماية للطرفين الذكر والأنثى»، لافتا إلى أن الإسلام حافظ على الأنثى في أي مكان توجد به، قائلا «يكفينا قول واحد بمائة قول، يتمثل في قول الله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون.. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن)».

من جانبها تؤيد الدكتورة إنشاد عز الدين محمود، أستاذة علم الاجتماع في جامعة المنوفية، قرار تغليظ عقوبة التحرش الجنسي، فبرأيها أن ذلك يقوي الشق الوقائي ويجعل الشخص المتحرش يفكر مرة واثنتين وثلاثا قبل الإقدام على مثل هذا الفعل المشين ويعيد حساباته قبل أن يفكر في إيذاء الغير.

وترى الدكتورة إنشاد أن تشديد العقوبة مهم جدا، خاصة في الظروف التي تشهدها البلاد من عدم الاستقرار، بل إن القرار تأخر كثيرا وكان يجب أن يقر منذ سنوات ماضية حتى لا يؤدي إلى تفاقم الجرائم بهذه المعدلات التي نسمع عنها.

وتلفت الدكتورة إنشاد إلى أن العبرة ليست فقط بسن القوانين، لكن بتفعيلها على أرض الواقع، وتنفيذها بعيدا عن العاطفة، فخطورة التحرش الجنسي أنه مشكلة اجتماعية تتخطى حدود الفرد (الضحية) لتشمل الأسرة والسياق الاجتماعي المحيط أيضا، فأبرز الآثار التي تلحق بضحية التحرش تتمثل في أنها تعاني من الشعور بالإنهاك البدني، وتضطرب حالتها النفسية، وهو ما ينعكس بالضرورة سلبا على أدائها للعمل أو تجاه واجباتها الأسرية، وتصبح غير واثقة في من حولها، وحتى في نفسها، وهو ما يؤدى إلى اضطراب حياتها الأسرية وعلاقاتها الشخصية.

أما الدكتور فاروق لطيف، رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي وأستاذ الطب النفسي في جامعة عين شمس، فيرى أن تغليظ العقوبة ليس وحده القادر على منع التحرش الجنسي، وبرأيه أنه «من الأسلم إفهام الناس وتوعيتهم أصول المعاملة وبث الفضيلة والأخلاق الحسنة والتشجيع على الفعل الحسن، فالآية الكريمة تقول (ادْفَعْ بِالَّتِي هِي أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِي حَميِم)، فالعقاب بمفرده لو كان يمنع الجرائم لما كنا قد شاهدنا أي نوع من الجرائم على وجه الأرض منذ الأزل».

ويضيف الدكتور لطيف أن المنظور الأخلاقي هو الأصلح والأعم لمعالجة مثل هذه الجرائم، فالقوانين بمفردها لن تؤدي إلى توقف أي جريمة.

ويلفت أستاذ الطب النفسي إلى جانب آخر في قضية التحرش الجنسي، قائلا «التحرش له طرفان، فاعل ومفعول به، والقوانين فقط تغلظ ضد الفاعل، فماذا عن المفعول به؟ لو أردنا تحقيق التوازن علينا أن ننظر أيضا إلى المحرض على فعل الجريمة، فليس من السليم تغليظ العقوبات وإقرارها فقط، لكن الأمر الصحيح يتمثل في أن تواكب العقوبة كذلك بإصلاح ذات البين وإصلاح الخلفيات والمعاملات بين الناس».

ويأتي قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر من أجل تشديد العقاب الجنائي في حالة توافر ظروف مشددة في جرائم الاعتداء الجنسي أو التعرض للإناث أو الأطفال. ويعتبر مشروع القرار استكمالا لمنظومة إعادة الانضباط ومواجهة الظواهر السلبية المستحدثة بالشارع المصري. حيث ‌تمت إضافة ظرفين جديدين مشددين لجريمة اغتصاب الأنثى، وهما حالة إذا لم يبلغ عمر المجني عليها الثماني عشرة سنة ميلادية كاملة، وحالة تعدد الفاعلين لجريمة الاغتصاب، حيث تصل العقوبة عند توافر تلك الظروف المشددة إلى الإعدام، ورفع سن المجني عليه المعتبر ظرف مشدد، وذلك لحماية الطفل من شتى جرائم الاعتداء الجنسي والخطف، كما تم تشديد عقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن عشر سنوات، كما استحدث مشروع القرار ظرفين مشددين، أولهما كون المجني عليه لم يبلغ الثانية عشرة وخطف بغير تحيل أو إكراه تأسيسا على أن صغر السن يجعل إرادة المجني عليه غير معتبرة، كما أن فعل الخطف في ذاته يعد ترويعا لمثله، وبالتالي اقتران الخطف بجريمة مواقعة المخطوف أو هتك عرضه.

كما شمل قرار المجلس العسكري تعديل بعض النصوص لمواجهة ظاهرة التعرض على وجه يمثل خدشا للحياء أو مساسا بالأعراض للمواطنين سواء بالقول أو بالفعل أو بالإشارة التي انتشرت في الآونة الأخيرة، ومواكبة لتطور أنماط السلوك الإجرامي في تلك الجريمة باستخدام بعض التقنيات الحديثة لخدش الحياء فقد نصت المادة المعدلة على عقاب اقتراف الأفعال الواردة بها إذا تم ذلك بواسطة أي وسيلة من وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية دون قصر ذلك على الهاتف الجوال فقط، مما يدخل الرسائل القصيرة التي تأتي على الهاتف الجوال أو شبكة المعلومات ضمن الأفعال المجرمة.

وكان للفتيات بدورهن رأي مؤيد وبشدة للقرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو ما أكدنه لـ«الشرق الأوسط» مع تنوع أعمارهن ووظائفهن، فتقول رشا محمد (29 عاما) «بالنسبة لي يعد قرار تشديد العقوبات على التحرش الجنسي لتصل إلى الإعدام والمؤبد مهما للغاية، وكان من الضروري تشريع ذلك منذ وقت طويل في ظل غياب الأمن وفي ظل غياب أخلاقيات الإسلام عند بعض الشباب، فقرار كهذا سوف يردع عددا كبيرا عن القيام بهذه الجرائم. أعرف أن العقوبة كبيرة على جريمة مثل التحرش، لكنها ستكون رادعة بشكل كبير».

كذلك ترى غادة سعيد، طالبة جامعية، أن تشديد العقوبات على الحوادث التي تمس العرض والشرف من الأمور المهمة جدا خاصة أن الإسلام قد شدد على من يرتكب مثل هذه الأفعال. وتضيف «أنا أؤيد قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بشدة، لأن التحرش الجنسي يجب وأده لأنه يمهد للاغتصاب في ما بعد، والفتاة التي تتعرض للتحرش تخرج من هذه التجربة وهي مدمرة نفسيا، لذا لو وصلت العقوبة للإعدام سيكون ذلك من الإنصاف للفتاة، وستشعر بأن كرامتها قد أعيدت لها».

رانيا زهير، موظفة، رغم موافقتها على العقوبات الجديدة، فإنها قالت «يجب النظر لمن يعاقب بهذا العقوبات نظرة عاقلة، فقد يقع شخص ما فريسة للشيطان بعدما يلعب في رأسه، فيقوم بالتحرش بإحدى الفتيات، وتكون تلك هي المرة الأولى له، فهل من الإنصاف أن تنتهي حياته بسبب ذلك الخطأ الوحيد؟ كذلك يجب النظر لمن يقوم بذلك الفعل على أنه ضحية ظروف اجتماعية أو اقتصادية».

أما جيهان موهوب، وهي أم لطفل، فتقول «لا شك أن قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتشديد عقوبة التحرش والاغتصاب وهتك العرض إلى الإعدام والسجن المؤبد قرار صائب تماما، خاصة بعد أن ارتفعت أعداد جرائم الاغتصاب في مصر، لا سيما اغتصاب الأطفال وزنى المحارم، وأصبحت هذه الجرائم تمثل ظاهرة تهدد استقرار الوطن. والمشكلة لا تتمثل فقط في العار الذي يلحق بالفتاة وأهلها طوال عمرهم، لكن في افتقاد جميع الفتيات والسيدات الأمان في الشارع، فلم تعد الأمهات مطمئنات على حياة بناتهن أثناء وجودهن خارج البيت، لهذا كله كان لا بد من تشديد عقوبة الاغتصاب والتحرش، والأهم عدم نشر أسماء الفتيات اللاتي تم الاعتداء عليهن لعلها تكون وسيلة لتضميد جراحهن».