حملات مصرية لمقاومة السلفية والفتن الطائفية بسلاح الإنترنت

عمرو خالد: الشاشة قد تتحول إلى قنبلة ناسفة بقوة التحريض

حملة من أجل وقف كل أنواع «التحريض الإلكتروني» على شبكة الإنترنت بين الشباب المصري بهدف الحفاظ على وحدة المصريين وفي الإطار الداعية المصري عمرو خالد (رويترز)
TT

مبادرات كثيرة تشهدها مصر، خاصة بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) لمواجهة الفتن الطائفية التي تعصف بها منذ فترة، ونفوذ التيارات السلفية التي بدأت تطفو على السطح، وتروج لأفكار تتمسح بعباءة الدين، يعتبرها الكثيرون، حتى رجال الدين تحريضا صريحا على إشعال نار الفتن الطائفية.

المبادرات الجديدة دشنها سياسيون وقانونيون ومثقفون، بالإضافة إلى الشيوخ والقساوسة، حيث يبادرون بالذهاب إلى أماكن الاحتقان الطائفي للتعامل معها، من خلال تقريب وجهات النظر أو التوفيق بين المسلمين والمسيحيين فيها ليكونوا درعا واحدا ضد الفتنة، وهو ما ظهر مؤخرا في حادث الاعتداء على كنيسة قرية صول بمركز أطفيح بحلوان، ومن قبلها أثناء حادث التفجير أمام كنيسة القديسين بحي سيدي بشر في الإسكندرية مطلع هذا العام.

وفي خط مواز لهذه المبادرات، دشن نشطاء الإنترنت عدة مبادرات وحملات إلكترونية للهدف نفسه، برزت على مواقع ومنتديات، أو على موقع التواصل الإلكتروني «فيس بوك»، حيث تستغل جماهيرية هذه المواقع لإيصال فكرة توحيد أبناء الوطن الواحد لمواجهة الفتن الطائفية وعدم التحريض على الإنترنت، بعيدا عن الطرق التقليدية التي تتبع وتعد بمثابة «مسكنات» وقتية للمشكلة. صدى هذه الحملات امتد بشكل لافت إلى الشارع، بينما تحول النطاق الإلكتروني الافتراضي إلى واقع حي مع انضمام المسلمين والمسيحيين على السواء إلى هذه المبادرات.

انطلقت أبرز هذه المبادرات مع حادث التفجير أمام كنيسة القديسين بمدينة الإسكندرية، والذي أودى بحياة 22 من المسيحيين والمسلمين المصريين. الحملة دعا إليها الداعية عمرو خالد، من أجل وقف كل أنواع «التحريض الإلكتروني» على شبكة الإنترنت بين الشباب العربي بشكل عام والمصري بشكل خاص، من أجل الحفاظ على وحدة المصريين، وتمتد في ما بعد لتشمل مجالات أخرى ودولا أخرى لنشر فكرة عدم التحريض على الإنترنت بين شباب الدول العربية والإسلامية في كل مجالات الحياة.

ارتكزت الحملة على تدشين مبادرة إلكترونية على موقع عمرو خالد الإلكتروني (http://amrkhaled.net)، تهدف إلى خلق «إنترنت بلا فتنة» و«خالية من التعصب والتحريض»، وتقوم على فكرة تشجيع الشباب على عدم الانسياق وراء دعوات الفتنة بشتى أشكالها، وبما أن الحملة بدأت في أعقاب حادث الإسكندرية، فإن التركيز انصب في البداية على الفتنة الطائفية، من أجل عدم تكرار ما حدث، ولوقف أي تحريض قادم على الفتنة، ولاجتثاث أي منبت لها في العقلية الشبابية المصرية.

رسالة الحملة التي حملت شعار «شارك في الخير» ارتكزت على ثلاثة محاور رئيسية، هي محاصرة التحريض على الفتنة على شبكة الإنترنت بين طرفي الأمة، وخفض مستوى العنف اللفظي والتحريض عليه على شبكة الإنترنت، وزيادة الوعي والإدراك لمستخدمي النت بطرق التحريض على الفتن لتجنبها، وإيضاح كيف تفرق بين كلمة الحق وحرية التعبير من جانب، وبين الفتنة أو التحريض عليها من جانب آخر. أما المستهدفون من الحملة فكانوا الشباب تحت سن الـ30 سنة من المسلمين والمسيحيين على السواء.

وعبر موقعه، أوضح عمرو خالد في كلمة مصورة أن هناك شبابا كثيرين يقومون بعمل مشاركات على شبكة الإنترنت، خاصة من خلال المواقع الاجتماعية، تعمل على ظهور مشكلات كثيرة، مثل إراقة الدماء، فهناك من يرسل رسائل وتعليقات على أشياء وأمور خاطئة تثير الفتنة، ولا ينتبهون لقول الله تعالى «والفتنة أشد من القتل»، فالقاتل قد يهرب أو يُسجن، لكن من يحرض على الفتنة ينام مرتاح البال وهو لا يدري أن فعلته أشد.

وأضاف محذرا الشباب من نقل الفتنة وأهمية استفتاء القلب لما يكتبه على الشبكة أو يسهم في نشره، مؤكدا أن الحملة تهدف في النهاية إلى إيقاف الفتنة على الإنترنت وتحويله إلى إنترنت طاهر، داعيا الشباب إلى المشاركة في الحملة بقوله «انضم لنا الآن، وحقق معنا هدفنا الكبير، دورك معنا هو الأساس لإيقاف وحقن الدماء وتطهير الإنترنت من الفتن ومحاصرتها».

بينما أوضح عمرو خالد لـ«الشرق الأوسط»: «أخشى من التحريض على شبكة الإنترنت، فعلينا أن نوظف الإنترنت على نحو إيجابي، فاللوحة أو الشاشة الإلكترونية قد تكون قنبلة ناسفة، فالعالم الافتراضي يؤثر على الواقع، وكلمات التحريض أو التعصب التي يتم تناقلها بين آلاف الشباب تثير وتؤجج الفتن، فكثير مما يتم نقله يكون عبارة عن إشاعات، رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الشريف «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، فشيء إيجابي أن يكون هناك تفاعل ومشاركات وتعبير عن الآراء، لكن هناك فارقا بين التعبير والتحريض».

أما علي عبد المنعم، مدير تحرير موقع «عمرو خالد. نت»، فأوضح أن مبادرة «إنترنت بلا فتنة» شهدت مخاطبة إدارة الحملة لعدد من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية للمشاركة في الحملة، إلى جانب مخاطبة أبرز المواقع الإلكترونية للمشاركة هي الأخرى، حيث رفعت شعار «خالٍ من التحريض»، والهدف من ذلك كان توسيع قاعدة الحملة بما يضمن إيصالها إلى أكبر عدد من الشباب ومستخدمي الإنترنت بشكل عام. ويبين عبد المنعم أن الحملة، وجدت ردود فعل كبيرة من جانب الشباب، حيث استجاب عدد كبير منهم بلغ نحو مليوني فرد مصري.

الشاب محمد همام، أحد المشاركين في الحملة، أوضح أن سبب مشاركته هو ما يجده عبر حسابات الشباب على مواقع الإنترنت، خاصة «فيس بوك» و«تويتر» وكذلك المنتديات، من كلمات تحريضية أو تدعو للتعصب، وبرأيه أن الأحداث الطائفية التي تقع بين حين وآخر وتهز كيان ووجدان مصر، هي تراكم لمئات التعليقات وآلاف الأخبار والمداخلات التي كرست الفتنة.

أما دعاء أحمد، التي تحمست لفكرة الحملة، فتقول «الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.. وما نلاحظه على شبكة الإنترنت أنه من خلال خبر بسيط أو تعليق هين أو رابط مجهول ينشره أحد الشباب ربما يسهم في نشر الفتنة، لذا فقد شاركت في الحملة للتوعية بخطورة ذلك، وأنا أدعو كل الشباب والفتيات في مصر، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، أن يتجنبوا الفتنة، وألا يستمعوا لمن يحرضون عليها حتى ولو لبسوا ثوب الدين، فالدين بلا شك بريء من هؤلاء».

بخلاف ذلك، ظهرت حملات أخرى خاصة على موقع «فيس بوك»، منها حملة «مصارحة ومصالحة»، التي ترفع شعار «معا أمام الله»، وبدأتها مجموعة محدودة من المدونين والمدونات المصريين، وكانت محدودة الأثر، لكنها حازت موافقة الكثيرين من المدونين ومن يتابعون تدويناتهم، حيث يرون أن «المشكلات الطائفية لا يتم حلها إلا بجلوس الأطراف المتنازعة للتعبير عن شكاواهم وما يزعج كلا منهم من الآخر، فعندما يحدث خلاف يتصارح الناس ليتقاربوا وليفهم بعضهم بعضا وليعرفوا مواضع الصدق وغيره، وأشكال المظالم، وما هو حقيقي منها وما هو ناجم عن سوء الفهم، ولكي يكتشفوا حجم الأساطير التي يطلقها كل فريق على الآخر والتي لا تسهم إلا في خلق شك وريبة تكفي أن تكون وقودا لإشعال فتنة من أي حجم بسبب حادث بسيط يحدث يوميا بين الأناس العاديين من آلاف الحوادث العادية التي تحدث كل يوم».

وبحسب القائمين على المبادرة من خلال صفحتهم على موقع «فيس بوك» فإن «المصالحة تعني قبول الآخر باختلافه هذا، وقبول وجوده، والعمل على مواضع الاشتراك والتوافق بينك وبينه، وهو يعني أيضا البحث عن الحقوق للجميع لأننا جميعا بشر وكلنا مصريون». وبحسبهم أيضا «المصارحة تؤدي حتما إلى فهم الآخر وفهم النفس أيضا، وهي تؤدي أيضا إلى إزالة مواضع سوء الفهم وبناء جسور الثقة ورأب الصدع والبحث عن جذور المشكلة، والتي قد تكون في أشياء أخرى أبعد ما تكون عن الدين أو الانتماء الطائفي، والذي عادة ما يظهر في الواجهة عند اشتعال أي مشكلة طائفية».

ولم تقتصر المبادرة على الوسيط الإلكتروني فقط، حيث اتسع نطاقها لتنزل إلى أرض الواقع.. يقول أحد النشطاء «اجتمعت مجموعتنا هذه مرة أخرى لتقوم بمشروعها البسيط في شكل أكثر جدية والتزاما وعلمية، وبمقاييس يمكن تقييمها، وقمنا بجلسات شبة أسبوعية لمناقشة الأساطير التي يطلقها المسلمون على المسيحيين والعكس، لإزالة سوء الفهم حول بعض النقاط وفهم نقاط أخرى حقيقية».

يكمل «أثرت هذه التجربة فينا نحن، وتعجبنا كيف كانت سهلة، وكيف أنتجت أشخاصا أفضل. لقد غيرت التجربة أنفسنا لأننا دخلناها بصدق وعشناها بإخلاص شديد. لقد بدأنا مبادرتنا باسم مصارحة ومصالحة، واكتشفنا في النهاية حقيقة كانت موجودة دائما لكنها زادت وضوحا.. اكتشفنا أننا جميعا - كما كنا من قبل - معا أمام الله، وهذا هو الشعار الذي نعمل لأجله».

من المبادرات الإلكترونية الأخرى التي تقف ضد الفتنة والطائفية، مبادرة «شباب بيحب مصر وهيصلي عشان ربنا يحميها»، وهي عبارة عن نداء لكل مصري عاقل للمشاركة في توحيد صفوف المسلمين والمسيحيين ومحو كل أسباب الاختلاف عن طريق الصلاة.

يقول صاحب الحملة «فكرت أنا كمسلم وأعز أصدقائي المسيحيين سامي، ماذا نقدر أن نعمل حتى نبين مقدار الود بيننا، لذا قررنا كمصريين مسلمين ومسيحيين عاقلين ومتدينين أن نكون صوت العقل، وأنه مهما حدث فأيدينا ومصائرنا متشابكة وموحدة لا تتفرق، وقد وجدنا أن أنسب فكرة لذلك الصلاة، في الوقت والمكان نفسهما سنصلي، وندعو ربنا بصوت واحد أن يرفع عن مصر الهم والتعصب والطائفية».

ومن الحملات التي وجدت صدى مبادرة «عيش وملح»، التي تتركز نشاطاتها بشكل رئيسي في تنمية شبكة العلاقات الاجتماعية على أسس المساحات المشتركة بين المختلفين في الدين والانتماء السياسي أو المذهبي، عن طريق فعاليات اجتماعية وثقافية مشتركة لإزالة حواجز الخوف من الآخر، والعمل على إقامة حوارات ثقافية جادة تمس خصوصيات الاختلاف لإذابة الجليد والرهاب من الآخر عن طريق محاورين مميزين ومتخصصين بعد حصر المواضع والإعداد الجيد لها عن طريق ورش عمل ودورات تدريبية وندوات ومؤتمرات ومسابقات ثقافية وحملات إعلامية وبرامج تلفزيونية وعبر شبكة الإنترنت. ويرى القائمون على الحملة أن هناك أهمية لتطوير الخطاب الديني (الإسلامي - المسيحي)، وذلك لدعم ثقافة التعايش وإصلاح ما أوغل الصدور وفرّق الجماعة المصرية.