رعاية الشباب للعقل والجسم

د. عائض القرني

TT

في زمن الأمير فيصل بن فهد دعيت وغيري لإلقاء محاضرات وندوات بنادي الهلال والنصر والوحدة والأهلي وغيرها من الأندية، فقد صاحب السطوع الرياضي سطوع علمي وثقافي، ثم مرت سنين عجاف من الخمود والهمود حصل فيها هزال رياضي وعلمي وثقافي. وقد استبشرنا خيرا بالأمير الشاب الطموح نواف بن فيصل ليعيد للأندية وهجها العلمي والثقافي والرياضي، فالاهتمام برياضة الأجسام لا بد أن يتبعه الاهتمام بثقافة العقول؛ لأن قيمة الإنسان بعقله لا بجسمه وقد يتمدد الجسم ويضمر العقل إذا ما غذي بالمعرفة والعلم والثقافة. ونريد من رعاية الشباب أن تملأ قلوب الجيل بالإيمان وأفكارهم بالمعرفة وأجسامهم بالقوة؛ لأن ديننا أتى بهذه المعاني وقصد إليها، ونحن أهل رسالة ربانية كلما نسيناها ذكرنا بها العلم الأخضر المكتوب عليه «لا إله إلا الله، محمد رسول الله» الذي نحمله معنا في ملاعب العالم، وهو العلم الوحيد الذي لا ينكس في الأحزان والكوارث ولو نكست كل الأعلام؛ لقداسة وعظمة هذه الكلمة التي يحملها، والتي دفعت الأمة الإسلامية من أجلها ملايين الشهداء على مر التاريخ. إن علينا أن نجعل الأندية الرياضية مسجدا ومكتبة وقاعة؛ فنجمع بين العبادة والعلم، والقراءة والرياضة، ونطمح إلى أن يعود للأندية وهجها وسطوعها ولمعها، وأنا أذكر يوم أن استقبل نادي الهلال محاضرة قدم لها الأمير عبد الله بن سعد عن «دور الإيمان في حياة الشباب» وغيرها من المحاضرات.

وأذكر محاضرات نادي النصر كمحاضرة «النصر لنا» مع فعاليات ثقافية أخرى، وصاحب ذلك حيازة الكأس والنجاحات المتتالية، ثم جاءت فترة جفت فيها المحاضرات واختفت فيها الإنجازات، فهل من عودة لروح جديدة مع شاب جاد مثابر يغار على رسالته ووطنه وأمته؟ إن الرياضيين هم إخواننا وأبناؤنا، وواجب العلماء والدعاة والمفكرين التواصل معهم والالتقاء بهم للاستفادة والحوار تحت مظلة ديننا العظيم، ولكن هذا يأتي بإعادة النشاط الأول والوهج القديم، حيث يكون هناك لرعاية الشباب جهاز دعوي ثقافي يتابع ويطور هذه الأنشطة حتى نقدم شبابنا إلى العالم بأجمل صورة، نقدم شبابا يحملون فكرا سليما ومنهجا قويما مع ما يتمتعون به من لياقة بدنية ومعرفة رياضية، ماذا تنفعنا أجسام قوية وعضلات ضخمة تحمل عقولا صغيرة وأفكارا هزيلة وثقافة هشة؟ وقد وصف الله قوما أهملوا نور المعرفة وبركة العلم فقال عنهم: «وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ». كل رياضي عندنا لا يختلف في الواجبات عليه عن أي مسلم آخر من طالب علم أو طبيب أو مهندس أو عسكري أو عامل، عليه أن يصطحب في سفره مصحفا وكتابا؛ ليجمع بين واجب العقل وواجب الروح وواجب البدن. وإني بالمناسبة أحيي شبابنا الذين سجدوا في الملاعب العالمية يوم تسجيل الأهداف، وهي سجدة تهز الضمير، وترفع الهمة، وتملأ الرؤوس شمما وعزة ونخوة. وهذه السجدة في الملاعب عند تسجيل الهدف رسالة أبلغ من ألف محاضرة؛ لأنها يشاهدها ملايين البشر، ولأن لها معنى وإيحاء في ذاك الزمان والمكان.