الأزهر يستجيب لضغوط التيار السلفي ويقرر تشكيل لجنة لمراجعة قوانين الأحوال الشخصية

مفتي مصر وعد بإصدار قانون يتوافق مع الشرع.. ومطالبات بتشريع ديني وقانوني يحقق العدالة في قانون الرؤية

الأزهر يدرس مراجعة قوانين الأحوال الشخصية وفي الإطار د. علي جمعة مفتي مصر
TT

فتح التيار السلفي في مصر جبهة جديدة مثيرة للقلق بعد أن حشد أنصاره للمطالبة بتعديل نصوص قانون الأحوال الشخصية لـ«يتوافق (القانون) مع الشريعة الإسلامية»، بعد اتهامهم ما سموه «قانون سوزان مبارك» قرينة الرئيس السابق حسني مبارك، بمخالفة الشريعة.. وتجاوب مجمع البحوث الإسلامية مع مطلب السلفيين، وقرر تشكيل لجنة فقهية لإعادة النظر في القوانين الحالية.

ومنذ نجاح ثورة «25 يناير» في الإطاحة بنظام مبارك، نشط التيار السلفي على الساحة السياسية في البلاد، مما أثار قلق القوى الليبرالية وأنصار الدولة المدنية، ويأتي التحرك الأخير للتيار السلفي ليعمق هذه التخوفات.

وفيما تظاهر الآلاف من المنتمين للتيار السلفي أمام مقر مشيخة الأزهر في القاهرة الأيام الماضية للضغط على مجمع البحوث الإسلامية لتعديل قانون الرؤية والولاية في الأحوال الشخصية، رفع المتظاهرون السلفيون لافتات «اللهم إننا نشهدك أننا ذهبنا إلى ولاة أمرنا لنصل أرحامنا على أهلنا»، و«قانون سوزان باطل.. قانون الأسرة باطل»، و«شوفوا القوانين.. معمولة لمين»، و«غيرتوا الشرع غيرتوا الدين.. كله باسم القوانين».

وطالب المتظاهرون السلفيون بمحاكمة سوزان مبارك زوجة الرئيس المصري السابق حسني مبارك وإلغاء القوانين التي أصدرتها عندما كانت رئيسا للمجلس القومي للمرأة، وهي القوانين التي قالوا إنها «دمرت أحكام الشريعة الإسلامية وهدمت الأسر المستقرة وقطعت الأرحام بين أفرادها».

وعلق مراقبون بقولهم إن هذا القرار ربما يفتح الباب أمام تحركات مماثلة بشأن نصوص مدنية أخرى.

وطالبت العديد من الأسر المصرية المتضررة من قانون الرؤية بتعديله، بعد أن أصبحت فترة الاستضافة والتي يرى فيها الأب أو الأم طفلهما 3 ساعات أسبوعيا فقط أي ما يعادل 6 أيام في السنة. كما طالبت بسرعة إصدار قانون استضافة الأب لأبنائه لمدة ‏48 ‏ساعة أسبوعيا، مما يعني استبدال حق الرؤية بالاستضافة.

كما طالبت بإقرار الولاية التعليمية والعلاجية للأب، وخفض سن الحضانة للطفل إلى ‏7‏ سنوات للولد و‏9‏ سنوات للبنت طبقا للشريعة الإسلامية‏، وإعادة ترتيب ولاية الأب في حضانة الأبناء ليحتل المرتبة الثانية بعد الأم بدلا من الجدة.

ومن جانبه، أكد الشيخ عادل توفيق، أحد المنتمين للتيار السلفي، على أنهم لن يتخلوا عن مطالبهم بإلغاء قانون الرؤية، ومد وقت الاستضافة إلى 48 ساعة بدلا من 3 ساعات، مع إلغاء المادة 2 من قانون رقم 25 لسنة 1929، الذي ينص على رؤية الأب لابنه 3 ساعات فقط في الأسبوع، مع ضرورة خفض سن حضانة الطفل المعمول به منذ سنة 2005 إلى الآن والتي تجعل نصيب الأب في رؤية أولاده شهرين على مدار 15 سنة.

وقال الشيخ توفيق لـ«الشرق الأوسط»: إن «من ضمن مطالبنا جعل الولاية التعليمية للأب، وإلغاء القانون الصادر لسنة 2008 الذي يحرم الآباء من متابعة أولادهم تعليميا»، مطالبا بضرورة إعادة ترتيب أولوية الحضانة كما حددها الشرع، ووضع ضوابط وقوانين للخلع».

وكان الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية قد وعد منذ أيام بإصدار قانون شرعي وديني يراعي حقوق الطفل والأب والأم والأسرة قربيا، وتغيير قوانين الطفل والأسرة التي أقرها المجلس القومي للمرأة.

وقابل مجمع البحوث ضغوط ومطالب التيار السلفي، وقرر المجمع، وهو أعلى مؤسسة دينية في مصر، برئاسة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر استمرار العمل بقانون الأسرة الصادر عام 2007 فيما يخص الرؤية والحضانة، والذي ينص على أن حضانة الولد حتى سن 15 عاما، وحضانة البنت حتى الزواج.

ورأى المجمع أن القانون يوافق أوضاع الأسرة المصرية، مشيرا إلى امتداد سن الحضانة للأم فيما يخص الولد إلى 15 سنة والبنت حتى سن الزواج، وتشكيل لجنة فقهية لدراسة المتغيرات والآثار الضارة من هذا القانون، إضافة لمناقشة الولاية التعليمية والنظر في قانون الرؤية بحيث تقتصر التعديلات على زيادة ساعات الرؤية للطرف غير الحاضن لعدة ساعات إضافية.

وأكد المجمع على أنه سوف يتم عرض نتائج اللجنة على اجتماع مجمع البحوث الإسلامية بعد أسبوعين، كما قرر المجمع مناقشة قانون الولاية التعليمية والنظر في قانون الرؤية، بما يسمح للأب باستضافة الأبناء عدد ساعات أكثر من المسموح بها.

ومن جانبه، أكد الشيخ علي عبد الباقي الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية أنه التقى بعدد من المتضررين من القانون لمناقشتهم في بعض بنود الرؤية التي يرون أنها الأصلح للأسر، قائلا: إن «اللجنة المشكلة سوف تجتمع بعد نهاية الأسبوع الجاري لمناقشة قضايا الرؤية لإصدار قرارات بشأنها بعد 15 يوما في اجتماع المجمع الطارئ».

وأشار الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية إلى أن قانون الولاية التعليمية الذي لم يكن يعطي للأم الحق في نقل الابن من مدرسة لأخرى إلا بموافقة الأب ووفقا لظروفه المادية سيتم تعديله لصالح الأم بحيث يمتد حقها في الولاية لنقل الطفل من مدرسة لأخرى تقدم تعليما أفضل وفقا لما يتراءى لها ودون الرجوع للأب طالما كان ذلك في مصلحة الطفل، مع إلزام الأب بدفع المصاريف كاملة بغض النظر عن ظروفه المادية.

وكانت بعض الجمعيات الأهلية والحقوقية المعنية بقضايا الطفل والمرأة، قد طالبت بإلغاء القانون رقم 1 لعام 2000 الذي رفع سن حضانة الأطفال إلى 15 سنة، والعودة إلى نصوص ومبادئ الشريعة الإسلامية، التي تحدد سن الحضانة بـ7 سنوات للذكور و9 سنوات للإناث.

ومن جهتها، طالبت جمعية إنقاذ الأسرة (تحت التأسيس) بإعادة النظر في قانون الخلع ووضع ضوابط جديدة له، نظرا لانتشار حالات الخلع التي وصلت إلى حالة خلع كل 3 دقائق، وإلغاء قانون رفع سن حضانة الأطفال إلى 15 سنة حتى يتمكن الأب غير الحاضن من رعاية أطفاله والمشاركة في تنشئتهم، ولإيجاد نوع من التوازن في علاقة الأبوين مع الطفل، وإلغاء قانون تجزئة الولاية على الطفل الذي جرد الأب من حقه في الولاية التعليمية على أطفاله، ومن ثم حرمانه من الإشراف عليهم ومتابعتهم وتوجيههم تعليميا.

وناشدت الجمعية المستشار محمد عبد العزيز الجندي وزير العدل المصري بإعادة النظر في استحقاق حضانة الطفل ليصبح الأب مستحقا لها بعد أم الطفل مباشرة، بدلا من وضعه في ذيل قائمة المستحقين للحضانة.

وطالبت الجمعية وزير العدل بوضع ضمانات كافية في حالة تنفيذ الاستضافة، ومنها وضع الطفل على قائمة الممنوعين من السفر، وفي حالة امتناع أحد الأطراف عن رد الطفل بعد انتهاء فترة الاستضافة يتم المحاسبة من خلال المادة 96 من قانون الطفل بالحبس والغرامة.

وأكد سيد أحمد، أحد المتضررين من القانون، أنه اضطر لتحمل زوجته، على الرغم من سوء أخلاقها معه، لضمان حضانة ابنه حتى بلغ 7 سنوات، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: إنه بعد قيام القانون الذي دعمته سوزان مبارك زوجة الرئيس السابق بمد سن الحضانة إلى 15 سنة، فإنه مضطر لأن يتحمل الحياة المريرة معها حتى يبلغ نجله 15 عاما.

وحكى أحمد عبد التواب أحد المتضررين من القانون قصته لـ«الشرق الأوسط» قائلا: إن «قصتي بدأت عندما طلبت زوجتي فجأة الطلاق منذ ثلاث سنوات، بسبب عدم شعورها بالسعادة، وقد حاولت جاهدا إرضاءها، بهدف الحفاظ على كيان الأسرة والأولاد لكن دون جدوى، حتى انتهى الأمر بالاتفاق على الطلاق».

وتابع: حررنا سويا عقد اتفاق أتعهد فيه على دفع نفقة شهرية للأولاد تسدد نقدا في بداية كل شهر، كما تعهدت بدفع مصروفات الدراسة، على أن يتم قضائي يوما كاملا مع الأولاد أسبوعيا، بحيث أستطيع اصطحابهم إلى منزل عائلتي، أو الذهاب إلى النادي أو المتنزهات.

وأضاف عبد التواب: بالفعل تم الالتزام بتنفيذ بنود عقد الاتفاق مدة أربعة شهور، قبل أن ترفض مطلقتي فجأة وبدون أسباب، رؤيتي للأولاد، ثم عادت بعد مرور شهرين وطلبت مني القيام بدفع مبلغ ستين ألف جنيه مقابل سماحها برؤيتي للأولاد.

وأشار عبد التواب إلى أن قانون الأحوال الشخصية المصري لا ينصف الأب غير الحاضن في مواجهة تعسف الحاضنة، حين تمنع عمدا مطلقها من رؤية أولاده، بل إن القانون يظلم الآباء بشكل صريح بمباركة المشرع، لافتا إلى أن القضاء المصري لا يجبر الحاضنة على تنفيذ عقد الاتفاق الخاص برؤية الأولاد في حالة امتناعها عن تنفيذ ما ورد به من التزامات.

وطالب عبد التواب بـ«وضع تشريع ديني وقانوني يحقق العدالة والتوازن بين أحقية الأم في الحضانة وحق الأب غير الحاضن في الرعاية والملاحظة».

ويشار إلى أن قانون الرؤية صدر في عام 1929 ويعطى الحق للأب المطلق (غير الحاضن) في رؤية الطفل لمدة 3 ساعات أسبوعيا. وجرت عادة بعض الآباء (أو الأمهات) على الانتقام من الآخر مستعملين حقهم في حضانة الصغير وذلك بعدم تمكين غير الحاضن من رؤيته، فيضطر غير الحاضن إلى استصدار حكم من المحكمة، ولا يستطيع استصداره قبل عام ونصف أو عامين.

وكانت الرؤية تتم في أقسام الشرطة أو في النوادي، وكانت بعض الأمهات يفسرن قانون الرؤية على أنه يتيح للأب غير الحاضن رؤية الصغير فقط دون لمسه، أي إن الأب لا يستطيع أن يحتضن أو يقبل ابنه ويسمح فقط للأب أو الأم بالرؤية أما الجد أو الجدة فلا يسمح لهما.