فتوى تحرم معرفة جنس المولود وإجهاضه عندما يكون أنثى تثير جدلا في الهند

أصدرتها دار العلوم «فرانجي محل» في ولاية أوتار براديش الهندية

أطفال المسلمين في الهند يحرصون على اتباع تعاليم الإسلام (إ.ب.ا)
TT

في خطوة قد تؤدي إلى عواقب وخيمة، أطلق أحد المعاهد الإسلامية الهندية فتوى بمنع إجهاض الأجنة الإناث. وأصدرت دار العلوم «فرانجي محل»، أعرق مؤسسة إسلامية في ولاية أوتار براديش، فتوى مفادها أنه «نظرا لأن قتل النفس خطيئة، فإن قطع أحد الأطراف أو الأجزاء حرام». وتعد «فرانجي محل» من أعرق المؤسسات الإسلامية في جنوب شرق آسيا، ويعود لها فضل وضع أول منهج للمدرسة منذ ثلاثة قرون. وصدرت الفتوى عن لجنة الإفتاء التي تتكون من أربعة أعضاء. وتؤكد الفتوى أن الإجهاض المتعمد مخالف للشريعة الإسلامية، لذا فهو حرام على المسلمين الذين يخشون الله. وجاءت الفتوى بعد سؤال من الأستاذة هوما خواجة، وهي من الشخصيات العامة، عن موقف الشريعة الإسلامية من إجهاض الجنين الأنثى. وتساءلت عن رأي الشريعة الإسلامية في معرفة جنس المولود، وكذلك في إجهاض الجنين حينما يكون أنثى.

وصرح الشيخ خالد رشيد لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي «حتى وإن كان القانون يمنع ذلك، فإن الناس يخالفون القانون ويقومون بإجهاض الجنين عندما يعرفون أنه أنثى». ويؤيد رشيد الفتوى التي تحرم معرفة جنس المولود وإجهاضه عندما يكون أنثى، لأن هذا يعد جريمة يجب على المسلمين ألا يرتكبوها. وأضاف أن الإسلام يحرم إجهاض الجنين إلا عند وجود أسباب طبية، مثل عيوب خلقية يمكن أن تمثل خطورة على الجنين أو الأم.

وجاءت الفتوى بعد تعداد السكان الأخير الذي أوضح عدم وجود توازن بين عدد الذكور والإناث في الهند، وهو ما أرجعه الخبراء إلى انتشار إجهاض الجنين في حال معرفة أنه أنثى. ورغم حظر اختبارات معرفة جنس المولود، يقوم الآباء، وأكثرهم من الهندوس وبعضهم من المسلمين، بإجراء آلاف من تلك الاختبارات بشكل غير قانوني في مختلف أنحاء الهند أسبوعيا. ويرون أن الفتاة عبء، ويقرر البعض إجراء عملية إجهاض للجنين في هذه الحالة.

وتعامل المعهد بجدية مع ما كشفته وسائل الإعلام مؤخرا من العثور على 16 جنينا أنثى، ورضع من الإناث، في العراء في مدينة كيشانغانغ بولاية بيهار شرق الهند، ذات الأغلبية المسلمة. ويمثل المسلمون نحو 14 في المائة من سكان الهند، وتبلغ نسبة الإناث إلى الذكور بين المسلمين 936 إلى 1000 على الترتيب. وقرر المعهد توجيه أئمة المساجد إلى نشر رسالة إنقاذ الفتيات خاصة أثناء خطبة الجمعة. ويمكن أن تنجح هذه الطريقة في نشر الفكرة وإثارة مشاعر الناس. لكن ينبغي اتخاذ إجراء مرحلي حتى لا يزداد الوضع سوءا بحسب ما أوضح الشيخ رشيد.

ومن أسباب تزايد حالات إجهاض الأجنة الإناث في الهند تفضيل إنجاب الذكور بحسب الموروث الهندي الراسخ وتقديم الإناث للمهور والقلق من عدم تحقيق الأمان للفتاة واستغلال الفتيات والسيدات وما يمكن أن يتعرضن إليه من انتهاكات. ويشير أحد الخبراء في المجال الطبي إلى وفاة نحو 80 ألف سيدة سنويا بسبب عمليات الإجهاض. وقال الشيخ مسعود حسن حسني، أحد رجال الدين ومن مؤيدي الفتوى «إن الفتيات نعمة من الله وإجهاض الأجنة الإناث حرام. ينبغي أن تتم تنشئة الفتيات على الحب وتقديم الرعاية لهن، فهن سيصبحن أمهات بعد ذلك. الإسلام يدعو إلى المساواة، ومن يحرض على قتل الأجنة آثم. أي شخص يعلم بأمر هذه الفتوى ويجري اختبارات لمعرفة جنس المولود أو إجهاض الأجنة الإناث سيرتكب إثما كبيرا بحسب الشريعة الإسلامية».

وتكتسب هذه الفتوى أهمية كبيرة لأنها تتزامن مع المقترح الذي قدمه مجلس قانون الأحوال الشخصية للمسلمين في الهند الذي يشجع المسلمين على تنظيم الأسرة، بحيث لا تنجب كل أسرة أكثر من طفلين. لكن يبدو أن الفتوى لا تلقى قبولا لدى الأطباء المسلمين لأسباب بديهية. وتقول الدكتورة عائشة خان، طبيبة النساء والتوليد، وهو اسم مستعار، حيث رفضت ذكر اسمها الحقيقي، إن الفتوى تتجاهل تغير الزمن. وتضيف «لم يعد ممكنا الآن إنجاب ثمانية أو عشرة أطفال وإعالتهم. يفضل أكثر الأزواج الشباب إنجاب طفلين، أحدهما ذكر والآخر أنثى. إذا كانا يعتزمان تنظيم الأسرة، فلن يكون هناك دخل للدين في هذا الأمر». والجدير بالذكر أن الطبيبة أم لثلاث فتيات وصبي.

وتبدو طبيبة مسلمة أخرى، رفضت ذكر اسمها الحقيقي، منزعجة من هذه الفتوى أيضا. وتقول «من الأفضل عدم إنجاب طفل إلى هذا العالم بدلا من إنجابه وتركه يموت». على سبيل المثال العام الماضي اختفت والدتان في الحضانة التي أعمل بها عقب الولادة وتركت فتاتين في مهدهما. وتم عمل ترتيبات لإقامة الرضع الإناث. وتضيف «إذا لم يكن الوالدان يريدان طفلة، فمن الأفضل ألا ينجباها من البداية». وأوضحت أن عيادتها تجري اختبارات توضح جنس المولود في حالات معينة، مثلا عندما تكون صحة الأم أو الجنين في خطر. وقالت «إن قتل المولودة من الكبائر التي يحرمها الإسلام. عندما يبارك الله الطفل تحل البركة على أفراد الأسرة جميعا». سيساعد مجلس قانون الأحوال الشخصية للمسلمين في الحد من العدد المتزايد لقتل الأجنة الإناث ومسألة المهور بين المسلمين في الهند. وسيستعين المجلس بكتيبين لاثنين من علماء الدين البارزين وهما الشيخ فوزيل الرحمن، المفتي، والشيخ هلال عثماني، أحد أعضاء المجلس لرفع الوعي بهذه الآفات الاجتماعية.

الكتيب الأول بعنوان «عيوب الإجهاض والحلول» والثاني هو «قتل الفتيات». وفضلا عن الآيات القرآنية التي تحرم ذلك، يحتوي الكتيبان على معلومات عن المهور والإجهاض في مختلف أنحاء العالم.

وقال شيراجودين، أحد أعضاء المجلس «لقد رأينا أنه عندما تتصدى هيئات دينية مثل المجلس لقضايا اجتماعية، تكون النتائج أفضل. فعندما شارك رجال دين في الحملة، كانت النتائج أفضل. لذا سيتعاون المفكرون ورجال الدين على نشر الوعي عن إجهاض الأجنة الإناث والمهور».

وسيتم توزيع الكتيبين خلال المرحلة الأولى في ولاية أوتار براديش وغرب البنغال وبيهار، حيث تنتشر هذه المشكلة بين المسلمين.

على الجانب الآخر، سيتم تخصيص خط ساخن لتلقي الشكاوى على مدار اليوم. وقال إم إيه صدوقي، رئيس منظمة الهنود المسلمين المتحدة «سيتم اتخاذ إجراءات حاسمة ضد الذين يجبرون زوجاتهم أو زوجات أبنائهن على إجهاض الأجنة الإناث. ويعد هذا الفعل جريمة بحسب الشريعة الإسلامية، ويجب أن يُمنع إما من خلال التطبيق الصارم للقانون أو نشر الوعي بهذا الأمر بمعاونة منظمات المجتمع المدني. إذا لم تتم معالجة هذه القضية فورا، ستكون العواقب وخيمة في المستقبل».