المورمونيون والرئاسة الأميركية.. جدلية السياسة والأديان

إميل أمين

TT

هل يمكن أن يحكم أميركا رئيس مورموني؟ ربما بات هذا التساؤل محل اختبار بعد إعلان ميت رومني، الحاكم السابق لولاية ماساتشوستس، عن نيته الترشح لسباق الرئاسة الأميركية القادمة 2012 عن الحزب الجمهوري، بعد أن أخفق عام 2008 في الحصول على ترشيح حزبه له.

والشاهد أن الكثيرين يتساءلون عن «إذا كان الأميركيون قد اختاروا في المرة الأخيرة باراك أوباما، كأول رئيس من أصول أفريقية رئيسا لدولة غالبيتها من الأنجلوساكسونيين، فما الذي يمنعهم هذه المرة من اختيار ميت رومني المورموني رئيسا لأميركا؟ أم أن جدلية العقيدة والديانة ستصبح سدا وحاجزا أقوى من الأصول العرقية؟».

بلا شك إننا أمام إشكالية معقدة، سيما أن رؤساء أميركا عن بكرة أبيهم من أصول بروتستانتية أميركية.. ما هي المورمونية بادئ ذي بدء؟

بدأت قصة المورمونيين، الذين لا يعدون في نظر الكنائس المسيحية التقليدية كالأرثوذكسية والكاثوليكية وحتى بالنسبة إلى الجماعات الإنجيلية، مسيحيين، في الأصل عام 1830 على يد شخص يدعى جوزيف سميث، الذي يعتبر عند أتباعه نبيا، واستنادا إلى تاريخ الجماعة المورمونية، فإن مورمون هذا كان نبيا أيضا، لكن منذ زمان بعيد ربما يعود لمئات السنين، وقد قام بنقش «كتاب المورمون»، وهو كتابهم المقدس على ألواح ذهبية، وجدها مؤسس الكنيسة المورمونية جوزيف سميث في 22 سبتمبر (أيلول) 1827 في تل كومورا بمدينة مانشستر في ولاية نيويورك.

وحسب الرواية المورمونية التاريخية، فإن الألواح كانت تحت حماية ملاك، حيث قام جوزيف سميث بتلقي ترجمة الألواح من الملاك، وكانت الألواح عبارة عن تاريخ المستوطنين الأوائل لقارة أميركا، وتمت كتابته من قبل النبي مورمون الذي عاش في قارة أميركا في القرن الرابع، حيث إن الخالق الأعظم، وحسب العقيدة المورمونية، دعا ذلك النبي إلى جمع معلومات ووثائق عن عائلته وأتباعه في كتاب عرف لاحقا بـ«كتاب المورمون».

وحسب المعلومات الكنسية المورمونية، فإنه بعد وفاة ذلك النبي قام ابنه المسمى «مورمون» بإخفاء الكتاب في تل كومورا في نيويورك، وذلك نتيجة الدمار الذي لحق بأتباع النبي الأول، وبعد 1400 سنة من هذه الحادثة، وحسب العقيدة ذاتها، قام الخالق الأعظم بإرسال النبي مورمون، كرسول إلى جوزيف سميث حيث أرشده إلى مكان الألواح.

وقد كانت بدايات نشوء المورمون مليئة بالجدل، وتعرض أتباع تلك العقيدة المورمونية للكثير من الاضطهاد بسبب الاعتقادات الفريدة التي تميزت بها الكنيسة المورمونية، والتي لم تلق ترحيبا من أغلبية المسيحيين، الذين حاربوهم بشدة وعنف.

وعلى الرغم من أن البدايات لم تكن تزيد على أصابع اليد الواحدة بالنسبة لأعضاء تلك الجماعة، فإنها توسعت حتى وصل عددهم حاليا لنحو 14 مليونا حول العالم، من بينهم الغالبية، أي 5.5 مليون شخص في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى مليون آخر في المكسيك، و900 ألف في البرازيل، و500 ألف في الفلبين، و500 ألف في تشيلي، والباقون موزعون بنسب متفاوتة حول العالم.

ماذا عن واقع حال تلك الجماعة في أميركا اليوم التي تنادي دوما بحرية العقيدة؟

مما لا شك فيه أن فكرة ترشيح ميت رومني، المورموني الأصل، كوجه جمهوري، تستدعي بالتبعية الحديث عن طائفته، وهنا جاء الفيلم الوثائقي الأميركي «رئيس مورموني»، ليناقش إشكالية اختيار رئيس بهذا التوجه الديني.

والفيلم الذي أخرجه وأنتجه الأميركي آدم كريستنج إنما يحاول إظهار وجود شعور معاد للطائفة المورمونية في الولايات المتحدة، ومدى استعداد الأميركيين لقبول رئيس غير بروتستانتي أو إنجيلي، والمعروف أن الرئيس الوحيد في أميركا هو الرئيس كيندي الكاثوليكي الذي ربما كانت كاثوليكيته سببا في المصير الذي لاقاه، سيما من وراء مواقفه تجاه دولة إسرائيل.

ويرى كريستنج، الذي لا ينتمي للطائفة المورمونية، وإن كان عضوا في جمعية التاريخ المورموني، أن الملايين من الأميركيين لديهم مشاعر متحيزة ضد الكنيسة المورمونية والأقلية المنتمية لها، حيث يحاول في فيلمه استعراض جذور الاتهامات التي وجهت للمورمونية ومؤسسها جوزيف سميث.

ويستدل كريستنج على التحيز ضد المورمونية بتصريحات أحد المذيعين الأميركيين البارزين، مؤخرا، ضد الطائفة ومؤسسها جوزيف سميث، حيث هاجم لورانس أودنيل المذيع على شبكة «BBS» الأميركية الطائفة المورمونية قائلا «المورمونية أسسها مجرم محتال».

وبالتبعية كان لا بد أن توجه سهام الاتهامات بدورها إلى ميت رومني الحاكم السابق لماساتشوستس قائلة «إن رومني قادم من ديانة أسسها مجرم كان معاديا لأميركا ومؤيدا للعبودية ومغتصبا».

ويشار في هذا السياق إلى أن قسا أميركيا بارزا هو بيل كيلر كان قد أثار أيضا الكثير من الجدل عندما كتب على موقعه على الإنترنت، أن التصويت لصالح المرشح الجمهوري ميت رومني في انتخابات الرئاسة يساوي التصويت للشيطان.

وقد أثار هذا التصريح غضب المنظمات الأميركية الداعية للفصل بين الدين والدولة، وخاصة بسبب صدوره من كيلر صاحب برنامج «الصلاة المباشرة»، الذي استمر عرضه على شبكة «CBS» يوميا ولمدة ساعة كاملة طوال خمس سنوات قبل توقفه منذ بضعة أعوام.

ورغم أن رومني يتشدق دائما بالحرية الدينية، التي يجب أن تتسع لها أميركا، فإن واقع تصرفاته يذهب إلى غير هذا الاتجاه، فعلى سبيل المثال أثار انتقاد منظمات إسلامية أميركية بعد تصريحاته المثيرة للجدل التي قال فيها، إن نسبة المسلمين من عدد السكان في الولايات المتحدة لا تبرر تعيين مسلم في إدارته في حال فوزه، حيث اتهمته المنظمات الإسلامية بالنفاق، مشيرة إلى أنه دافع عن كونه مورمونيا بالإشارة إلى أن انتماء المرشح للمنصب العام إلى دين معين، وقد فات رومني هنا أن بعض الإحصائيات تقدر عدد المسلمين في الولايات المتحدة بأكثر من 7 ملايين مسلم، في حين يصل أتباع الطائفة المورمونية التي ينتمي إليها رومني إلى نحو 5.5 مليون فقط.

ولعل هذا المشهد يقودنا للبحث في علاقة طائفته بإسرائيل، ذلك أنه حيثما تكاثرت الكراهية للإسلام والمسلمين، يبحث الناظر للمشهد عن الأيادي الخفية الإسرائيلية، وهنا نكتشف أن المورمونيين بشكل عام يؤمنون حرفيا بضرورة إعادة جميع إسرائيل، واستعادة القبائل (الأسباط) الـ12 لأرض صهيون في إسرائيل.

ولهذا فإن رومني يتبنى ذات الخطاب الإسرائيلي تجاه ما يراه قوى راديكالية، بل كان من المزايدين على ما تقوم به إدارة بوش (الابن)، تجاه ما تراه إرهابا أو راديكالية، فعلى سبيل المثال، فإن رومني توعد برد انتقامي دراماتيكي للغاية إذا شن من دعاهم بالإرهابيين هجوما بقنبلة نووية على إحدى المدن الأميركية خلال فترة رئاسته، إذا ما انتخب رئيسا للولايات المتحدة، مشيرا إلى أنه لا مجال للتساؤل عن شرعية امتلاك أميركا لآلاف من الرؤؤس النووية، حيث إنها لحماية الأميركيين، مشددا على أنه لن يتردد في الانتقام.

وقد طالب رومني الأمم المتحدة بإلغاء الدعوة التي وجهت للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للتحدث أمام الجمعية العامة منذ عدة أعوام، قائلا في رسالة وجهها للأمين العام للمنظمة الدولية بان كي مون: «إن على واشنطن إعادة النظر في دعمها للأمم المتحدة، إذا وجه أحمدي نجاد خطابا إلى الجمعية العامة، في الموعد المقرر»، ومضيفا «أن النظام الإيراني برئاسة نجاد تحدث بشكل علني عن مسح إسرائيل من الخارطة، ودعم حملة حزب الله الإرهابية في المنطقة وحول العالم، وتحدى المجتمع الدولي بسعيه للحصول على أسلحة نووية».

غير أن هذه التصريحات، وإن كانت تدغدغ مشاعر التيارات اليمينية سواء الدينية أو المناصرة لإسرائيل سياسيا داخل أميركا، إلا أن الأميركيين يهتمون في الأساس بآرائه المتقلبة وآيديولوجياته المتغيرة، فقد بدا وكأنه انتهازي بالنسبة إلى الغرباء، ومعتدل في القضايا الاجتماعية عندما فاز في الانتخابات في ماساتشوستس الليبرالية، ومحافظ في القضايا الاجتماعية لكي يحظى بفرصة الفوز في الانتخابات الرئاسية الأولية، وهو ما يجعله غير ثابت على موقف في عيون الناخبين.

والمؤكد أن حديث السياسة في حياة رومني حديث طويل، فوالده سعى للترشح للرئاسة الأميركية في نهاية الستينات، لكنه انسحب بعد ذلك بسبب آرائه حول حرب فيتنام، ووالدته خاضت معركة لشغل مقعد في مجلس الشيوخ عام 1970 عن ولاية ميتشغان، وفي بيت الوالد الحاكم للولاية كان الشاب المتخرج عام 1974 في هارفارد يسعى للعمل الخاص ليوفر المال اللازم لخوض الانتخابات فيما بعد، فقد كانت نصيحة والده له على الدوام «يجب أن تكونوا مستقلين ماليا، كي لا يكون فوزكم ضروريا لدفع قرضكم السكني».

والمؤكد أن رومني قد حرص على إبقاء حياته المهنية والخاصة منفصلتين، كان الكثير من زملائه في العمل يجهلون التفاصيل المتعلقة بمعتقداته الدينية، على غرار أبيه، كان يحتفظ بالمشروبات الكحولية في منزله للزوار غير المورمونيين، وكان حريصا على ألا يفرض معتقداته الدينية على الذين من خارج دينه، لكن الحاجز الذي أقامه رومني بين الشؤون العلمانية والشؤون الدينية تداعى عندما دخل مضمار السياسة.

وفي زمن الانتخابات الهائج المائج، لم يكن لرومني أن يقف مكتوف الأيدي أمام الهجومات التي يتعرض لها، فمنذ البداية أوضح رومني أنه سيتجاهل الأسئلة المتعلقة بإيمانه، ومنذ البداية كان الجميع يريدون التكلم عن إيمانه، كانت صحف بوسطن ممتلئة بمقالات عن حياة رومني المورمونية السرية، فعندما كان أسقفا لرعية جديدة في بلمونت نصح امرأة مورمونية بألا تجهض، وحينما كان رئيس أبرشية وصف المثلية الجنسية بأنها شذوذ.

«أنكر رومني لاحقا أنه قال ذلك»، هذه الأقاويل عززت الرأي السائد بأن هناك شيئا مقلقا في نفسية رومني، وأن هناك رجلا متطرفا يختبئ بين حنايا أضلع رومني الذي يبدو هادئا.

غير أنه هذه المرة خرج عن صمته المعتاد ودافع عن معتقده الديني، ففي خطاب له ألقاه في مكتبة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش في ولاية تكساس قال رومني «البعض لا يكفيه مثل هذه الالتزامات، ويفضل أن أنأى بنفسي عنها، ولكنني لن أفعل ذلك، إنه يجب ألا يصبح أي مرشح متحدثا باسم ديانته، لأنه إذا تم انتخابه فسيكون بحاجة إلى صلوات فئات الشعب من كل الأديان».

والواضح أن رومني قد حاول أن يوصل رسالة للشعب الأميركي وهي أن «الجماعة المورمونية لن تدير البيت الأبيض في حال فوزي بالانتخابات»، ويحاول رومني تشبيه نفسه بالرئيس الديمقراطي الأسبق جون كيندي الذي كان أول رئيس كاثوليكي للولايات المتحدة، والتأكيد للناخبين على أن ديانته لا تحد من قدرته على تولي الرئاسة.

والحديث عن رومني ولا شك يشي بحالة التمييز العرقي والطائفي التي تعيشها أميركا من جهة ثانية، أضف إلى ذلك ما يدور عن تأثير العامل الديني في الانتخابات الأميركية القادمة، وكيف أن بورصة السباق إلى البيت الأبيض قد باتت النزعات والتيارات الدينية تشكل فيها عاملا مؤثرا في تغيير اتجاه الناخبين، وما بين الإسلاموفوبيا في حالة باراك أوباما والمورمونية عند ميت رومني، يقف المراقب متأملا حال ذلك البلد الذي يجاهر بفصل الدين عن الدولة، رغم التجلي الواضح للعقائديات وتحكم الدوجماطيقيات في تراتبية تكوينه، حيث جدلية السياسة والأديان ضاربة في النفس الأميركية أمس واليوم وإلى الأبد.

* كاتب مصري