المجتمع الإسلامي الهندي لا يزال حافلا بالكثير من السمات الطبقية

رغم حرص الإسلام على مبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية بين الجميع

جانب من أحد لقاءات المسلمات في الهند (أ.ب)
TT

رغم حرص الإسلام على مبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية بين جميع الناس، بالإضافة إلى الاختلافات الإقليمية الجوهرية، ورغم أن حدة النظام الطبقي بين المسلمين في الهند ليست كما هي بين الهندوس فإن النظام الطبقي والمفاهيم المرتبطة بالأفضلية أو الدونية بناء على هذا النظام لا تزال تلعب دورا مهما في المجتمع الإسلامي الهندي. في نواح كثيرة من الهند، يعتمد المجتمع الإسلامي على وجود الكثير من حالات الزواج بين أفراد العشيرة الواحدة وبصورة عامة فهم يحتلون طبقات اجتماعية محددة لها تسميات طبقية خاصة بهم.

ويتكون المجتمع الإسلامي الهندي من 3 طبقات هم - الأشراف والأجلاف والأرذال – تشكل كل منها فئة مهنية بعينها. يحتل المسلمون الذين يتحدرون من أصول أجنبية مثل السدة والشيوخ والموغاليين والباثانيين مكانة عليا كطبقة الأشراف أو النبلاء. فيما تعتبر طبقة الأجلاف طبقة عليا من الهندوس الذين تحولوا إلى الإسلام ليهربوا من النظام الطبقي. ويتحدر غالبية المسلمين في الهند من «الأطهار والفقراء» ويطلق عليهم اسم الأرذال.

ولعبت طبقة الأشراف والأجلاف دورا مهما خلال الحكم الإسلامي للهند في إدارة الدولة، حيث عملوا كمستشارين ووزراء ومحافظين ومسؤولين في الجيش ومديري منشآت. على الجانب الآخر، ورغم تحولهم للإسلام لم تتغير الحالة الاجتماعية والاقتصادية لطبقة «الأرذال» المسلمين وظلوا مقيدين بمهنهم التقليدية كحرفيين وفلاحين وعمال نظافة.

وينتمي الكثير من رجال الدين والمفكرين العظماء في الماضي والحاضر إلى طوائف وتكوينات إسلامية متعددة، تضم الشيعة والسنة واليغاره تحريك وديوباندي وبارايلفي وأهل الحديث والجماعات الإسلامية، وقد قام مجلس قانون الأحوال الشخصية لمسلمي الهند بدعم نظام الطبقية إما باسم الأفضلية المزعومة لطبقة السادة - أهل البيت (وهم أناس يدعون انتسابهم إلى فاطمة ابنة الرسول) أو الاعتقاد بأن شخصا من سلالة قريش (السادة والشيوخ) من الممكن أن يكون هو الخليفة. وقد استخدم عدة علماء بارزين، ينتمي معظمهم تقريبا إلى الطبقات العليا، هذه الحجج للتمييز بين الطبقات خاصة في أمور الزواج.

لنأخذ على سبيل المثال قضية منصور باخو بائع الفاكهة في محل شاوري خلف مسجد جاما بالعاصمة الهندية دلهي. هرب منصور منذ 10 سنوات مع ابنة أخ أحد جيرانه من الأسياد. لكن لم يتم الزواج، حيث تم تعقب أثره وإلقاء القبض عليه وجلده ومحاكمته من قبل القبيلة وتم نفيه من المجتمع. وقال فوميس منصور «الطبقية لا تكسر الروابط الإنسانية فقط، ولكن القلوب أيضا». لا يمكن رؤية قلبه الجريح ولكن ألمه واضح للغاية.

ووفق ما ذكره يوغيندر سيكاند، الباحث الديني «إن المسلمين من العرب ووسط آسيا والإيرانيين والأفغان ينظرون إلى أنفسهم من الناحية الاجتماعية على أنهم أفضل من الهندوس المحليين الذين تحولوا للإسلام». وهذا لا يرجع فقط إلى الفروق العرقية، حيث يمتاز المتحولون المحليين ببشرة سوداء بينما يمتاز الأشراف ببشرة أكثر بياضا، ولكنه يعود أيضا إلى حقيقة أن الأشراف ينتمون إلى النخبة السياسية المهيمنة، بينما تبقى غالبية طبقة الأرذال مرتبطة بمهنهم الوراثية كالحرفيين والفلاحين وينظر إلى هذه المهن على أنها مهن متدنية ومهينة.

وقال في ملاحظاته إن الباحثين الأشراف الهنود في القرون الوسطى كانوا قد كتبوا نصوصا كثيرة سعت إلى تفسير القرآن بصورة تناسب ادعاءاتهم، لإضافة شرعية مناسبة لهذه الادعاءات وبهذا يستطيعون إنكار رسالة القرآن التي تحث على المساواة الاجتماعية.

ولكن ما من إجابة للسؤال الأكثر أهمية الآن وهو إذا لم يكن هناك وجود لنظام الطبقية في الإسلام، فكيف ومتى بدأ هذا النظام الطبقي في عكس حياة وثقافة المسلمين الهنود؟

في عام 2008 كتب مسعود علام فلاحي خريج المدرسة ثم تلميذ جامعة دلهي عندما بلغ عمره 28 عاما، كتاب أوردو ضخما، نحو 600 صفحة، بعنوان «النظام الطبقي بين المسلمين في الهند»، وحدد مسار أصل الممارسات الطبقية بين المسلمين. وذكر أن النظام الطبقي ظهر بين المسلمين الهنود بعد أن أسس قطب الدين أيبك سلطنة دلهي في القرن الثالث عشر. وقسم دارسو السلطنة المسلمين إلى أشراف وأجلاف. وبعد مرور مئات السنين، تم إضفاء مزيد من الشرعية على هذا التصنيف من قبل رجال الدين الموقرين في القرن العشرين من بينهم الشيخ أشرف علي ثانوي الذي أشاد بأفضلية طبقة السادة.

ويمزج هذا الكتاب بين مشاهد من العمل الميداني والكتابات الرئيسية بواسطة باحثين مسلمين هنود بارزين من ضمنهم رجال دين مسلمون عن موضوع النظام الطبقي، لذا فهو يعد دراسة رائده للنظام الطبقي المعتمد على التفرقة بين المسلمين الهنود والطبقة العليا للمسلمين المسيطرة باستمرار.

ويقتبس فلاحي مثالا تقليديا لإعلان العلماء الهنود المسلمين أن النظام الطبقي هو فتاوى جاهنداري كتبت بواسطة الباحث التركي ضياء الدين باراني الذي عاش في القرن الرابع عشر، وكان في بلاط الملك محمد بن جياز من أسرة جياز الحاكمة في سلطنة دلهي. وقد عرف باراني بآرائه الطبقية المتشددة، حيث اعتبر أشراف المسلمين أفضل عرقيا من الأجلاف المسلمين. وقسم المسلمين لطبقات وطبقات فرعية. وفي مخططه هذا تصبح الوظائف العليا والمميزات حكرا على الأتراك رفيعي النسب، وليس للمسلمين الهنود. حتى في تفسيره للآية القرآنية «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، ربط بين التقوى والنسب الرفيع. وكان باراني محددا في توصيته بأن ينال الأشراف حالة اجتماعية رفيعة تختلف عن الأجلاف. ومن مشاركاته البارزة في الفتوى هو تحليله لنظام الطبقات. وأكد أن الطبقات يجب أن تحدد بواسطة قوانين الدولة ويكون لها الأسبقية على قوانين الشريعة الإسلامية إذا ما حدث بينهم نزاع.

وفي فتاوى جاهنداري (الفتوى الحادية والعشرون) كتب عن «صفات رفيعي النسب» ووصفهم بأنهم «أشراف» كما كتب عن ذوي النسب الضئيل أنهم «رعاة الخطيئة». وكل فعل «يتسم بالوضاعة ويجلب الخزي يأتي من الأجلاف». ويحتقر باراني الأجلاف بشدة كما يوصي بأن يحرموا من التعليم خشية أن يغتصبوا حقوق أسيادهم الأشراف. كما سعى إلى وضع عقوبات دينية مناسبة لهذا الغرض. وقد طور باراني أيضا نظاما مفصلا للترقية والحط من الرتبة للوزراء اعتمد في الأساس الأول على أصل طبقتهم. وشهدت ولاية بيهار الهندية قضايا يطالب فيها مسلمو الطبقة العليا بعدم دفن مسلمي الطبقة الدنيا في نفس المقبرة. وهناك الكثير من القضايا المماثلة.

حقيقة الأمر أن التقسيم الطبقي ضارب بجذوره في المجتمع المسلم دفعت العلامة إقبال الشاعر الوطني الهندي إلى توبيخهم في مقطع شعري مؤلف من بيتين قائلا «أنتم السادة وميرزا وأفغان - أنتم كل شيء فيما عدا أنكم مسلمون».

وقد أعلنت وسائل الإعلام أخيرا عن حادثة طلب فيها رجل دين مسلم من الهندوس التابعين للطبقة الدنيا في ولاية أزامجاره الهندية التابعة لولاية أوتار براديش أن يعتنق الإسلام قبل عدة سنوات مضت «لأن كل شخص يعامل بمساواة في ظل الإسلام». ولكن وقف رجل وقال «من الممكن ألا يكون هناك طبقات في الإسلام، ولكن هناك طبقات بين المسلمين في الهند، ولم يجد المتحدث إجابة لذلك».

وبينما يقوم بعض الدارسين بوضع نظريات عن أن طبقات المسلمين ليست شديدة في تفريقها كما هي الحال بالنسبة لطبقات الهندوس يقول د. أمبيدكار، وهو شخص بارز في السياسة الهندية وكبير مهندسي الدستور الهندي رغم ذلك فإن كتابه الأمراض الاجتماعية في المجتمع المسلم «أشد سوءا من رؤيتها في مجتمع الهندوس». وينقد بشدة النظام الطبقي للمسلمين وممارساتهم ويقول «بين هذه الجماعات هناك طبقات لها أسبقية اجتماعية تشبه بشدة تلك الموجودة بين الهندوس ولكنها أسوأ بمراحل». كما ينتقد أن تعتبر طبقة الأشراف أن طبقة الأجلاف والأرذال «عديمة القيمة». وفي الواقع فإن المسلمين حاولوا تغطية الانقسامات الطائفية عن طريق استخدام تعبيرات لطيفة مثل «الإخوة» لوصفهم. وانتقد أيضا مبدأ تحريف الكتاب المقدس بين المسلمين الهنود الذين دفعهم للبقاء على النظام الطبقي للمسلمين الذي يتسم بالتعصب والعنصرية.

في نفس الصدد، كتبت عائشة جلال الخبيرة الاجتماعية الباكستانية الأميركية في كتابها «الديمقراطية والاستبداد في جنوب آسيا» أنه «رغم مبادئ الإسلام التي تحث على المساواة، فعلى مدار التاريخ عجز المسلمون في جنوب آسيا عن منع تأثير الطبقات الاجتماعية، وما ينتج عنها من عدم مساواة».