أبو البصل: إقامة حد الحرابة في الإسلام على من يمارس الاتجار المنظم بالبشر

حالات التبرع بالأعضاء البشرية يجب ألا تتم إلا في حدود معينة.. كصلة القرابة

مجموعة من العلماء والمشايخ يتقدمهم الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (وسط) والشيخ الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية (يسار) والشيخ الدكتور مصطفى سيريتش مفتي البوسنة شاركوا في أحد المؤتمرات الإسلامية في العاصمة الأردنية عمان خلال العام الماضي (رويترز)
TT

اعتبر الدكتور عبد الناصر أبو البصل، رئيس جامعة العلوم الإسلامية العالمية وعضو مجلس الإفتاء الأردني، أن الاتجار بالبشر، الذي يكون شاملا وواسعا ومنظما، يلحق بإقامة حكم حد الحرابة في الإسلام على من يمارسه.

وأضاف الدكتور أبو البصل، خلال الندوة التي أقيمت أخيرا ضمن فعاليات مؤتمر الاتجار بالبشر، أن حكم الحرابة الذي ورد في آية الحرابة في سورة المائدة، وما حملته الآية من جزاء لمن يسعى في الأرض فسادا، وقول الرسول عليه السلام: «من لا يَرحم لا يُرحَم»، فإن ذلك ينطبق على من يضر بالنساء والشيوخ والأطفال من خلال استقطاع الأعضاء منهم، مستثنيا الحالات الفردية للاتجار بالبشر، باعتبارها جريمة تعزيرية لولي الأمر لوضع العقوبة المناسبة لها.

وبين الدكتور أبو البصل موقف مجلس الإفتاء الأردني الذي يمنع الاتجار بالبشر وحالات التبرع بالأعضاء التي لا تتم إلا في حدود معينة، كالقرابة، مشيرا إلى أن الحالات التي يتم فيها نقل الأعضاء بطريقة غير مشروعة تتم خارج حدود الوطن، الأمر الذي جعل الفتوى الصادرة من مجلس الإفتاء الأردني تمنع حصول نقل الأعضاء في الأردن.

وقال الدكتور أبو البصل إن حفظ النفس والعرض من مقاصد الشريعة الخمسة، وهي من حقوق الله تعالى المتمثلة في حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، مدللا بقول الأمام الغزالي إن هذه الكلمات الخمس اتفقت عليها الشرائع والديانات التي جاء بها كل الأنبياء والرسل.

وحول الأسباب الكامنة خلف لجوء بعض الناس إلى بيع الأعضاء وتأجير الأرحام، أوضح الدكتور أبو البصل أن في مقدمة الأسباب دوافع الفقر والعوامل الاقتصادية وثقافة الانحلال والأعراف الفاسدة المخالفة للشريعة الإسلامية، داعيا إلى محاربة تلك الأعراف من خلال دور الوعظ والمنابر الدينية والإعلامية ومؤسسات الدفاع الاجتماعي.

وقال إن الإسلام حرم الزواج المؤقت والمعروف بالزواج المصلحي، والمسمى بالسياحي وفق القانون الأردني، الذي يرتبط خلاله بعض الأغنياء بفتيات صغيرات لمدة محدودة ثم يقومون بتركهن، مشيرا إلى أن هذا الزواج يقع تحت بند الاتجار في البشر.

وأضاف أن الإسلام حفظ للإنسان كرامته في كل شيء، وجعل للأسير رعاية خاصة في إطعامه وحمايته، باعتبارها تقربا إلى الله تعالى، إلى جانب المسؤولية المجتمعية تجاه الأطفال والنساء والأيتام والأرامل بوجه عام باعتبار هذه الأصناف تشكل الطرف الأضعف الذي يحتاج للمزيد من العناية والاهتمام، لافتا إلى قيم التكافل الإنساني التي حث عليها الإسلام في تعاليمه.

وقال الأب نبيل حداد، مدير مركز التعايش الديني في الأردن، إن الكنيسة حثت على احترام كرامة الإنسان من الحبل وحتى الموت الطبيعي، وكذلك احترام الحياة البشرية والحفاظ على الكرامة الإنسانية، مؤكدا أن الكنيسة تعتمد في مبدأ الحرمة بالاتجار بالبشر على المبادئ والمعايير الأخلاقية للحياة الإنسانية التي تستند على نور العقل والإيمان لتشكيل رؤية شاملة للإنسان تتمثل بكل ما هو صالح من عمل البشر وتقاليدهم المتعددة التي غالبا ما تظهر احتراما للحياة.

وأشار الأب حداد إلى أن الكنائس أصدرت وثائقها التعليمية عن احترام الحياة البشرية، فاكتسبت أهمية فريدة بهذا الخصوص، وبأنه لا تعارض بين التأكيد على الكرامة الإنسانية وقدسية حياة الإنسان التي تعد قيمة غير قابلة للانتهاء، على حد وصفه.

وأضاف أن الكنيسة تؤكد سلبية ممارسات الاتجار في البشر، التي تحتوي على سلطة ظالمة للإنسان على أخيه الإنسان، وتؤكد على رعاية الأشخاص وتنشئتهم على قبول واحترام الكرامة الإنسانية، مؤكدا أن المؤسسة الدينية يجب أن تتحمل ما تمثله من المبادئ السماوية لتصبح مؤسسة مجتمع مدني للحماية وضمن الأمن الإنساني.

من جهته، قال الدكتور محمد مطر، المدير التنفيذي لبرنامج الحماية في جامعة جونز هوبكنز، إن موضوع الاتجار بالبشر له كبير الأهمية، وأشارت إليه الاستراتيجية العربية في أكثر من موقع، لا سيما أن دور الدين كان في مقدمة أسباب الصياغة، لافتا إلى أن السياسات العامة وراء صياغتها أكدت على أن عناصر الاستراتيجية، يجب ألا تخالف تعاليم الشريعة.

وقال الدكتور مطر إن الاتجار بمعناه الأوسع هو الاستغلال الإنساني بممارسة سلطة على الإنسان بتأثير غير مشروع بشوكة أو نفوذ، ولا يكفي القول إن الإسلام حرم الرق والعبودية، لأن المطلوب محاربة الاستغلال بكل أشكاله، داعيا إلى زيادة الوعي من خلال دور المؤسسات الدينية في الحد من زيادة الظاهرة على المستوى الوطني.

وبين الدكتور مطر أن القوانين الوضعية المسنونة في الوطن العربي حول ظاهرة الاتجار بالبشر قد غيبت الرأي الديني في هذا الاتجاه، داعيا إلى وضع برامج توعوية تشمل جميع القطاعات والمؤسسات، وتستند إلى القيم الدينية والأعراف المحلية المتبعة.

وأوضح المقدم الدكتور مهند دويكات، مسؤول ملف الاتجار بالبشر في إدارة البحث الجنائي الأردني، أن جريمة الاتجار بالبشر، وفق ما أوضحها القانون، تعد جريمة ذات ثلاثة عناصر، وهي استقطاب أشخاص أو نقلهم، أو إيوائهم، أو استقبالهم بغرض استغلالهم عن طريق التهديد بالقوة، أو استعمالها، أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة ضعف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية، أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على هؤلاء الأشخاص. أما العنصر الثالث، وهو الاستغلال المتمثل بالعمل قسرا أو الاسترقاق أو الاستعباد أو العمل بالسخرة أو نزع الأعضاء، أو أي شكل من أشكال الاستغلال الجنسي، مشيرا إلى أن جريمة الاتجار بالبشر ذات طابع عبر وطني إذا ارتكبت في أكثر من دولة أو ارتكبت في دولة وتم التحضير والإعداد لها أو التخطيط لها أو الإشراف عليها في دولة أخرى، أو إذا ارتكبت وامتدت آثارها من دولة إلى دولة أخرى.