جورج سامبايو الممثل السامي لتحالف الحضارات: التوتر بين المسلمين والغرب تغذيه أفكار جاهزة

خطة طموحة لتجسيد فكرة تحالف الحضارات نوقشت في الرباط وتقر في الدوحة

حوار الحضارات يساعد شعوب العالم على تجاوز كل ما يذكي مشاعر الكراهية والحقد بين بني البشر (أ.ف.ب)
TT

طرح الاجتماع الثاني لتحالف الحضارات في دول مجموعة منظمة التعاون الإسلامي في مقر المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، (إيسيسكو) بالرباط مقترحات لخدمة التعايش الإنساني وردم الهوة بين الثقافات والحضارات. وقال مشاركون في اللقاء، إن الحديث عن تحالف الحضارات «يأتي في وقت باتت فيه شعوب العالم في أمس الحاجة إلى تجاوز كل ما يذكي مشاعر الكراهية والحقد بين بني البشر، وأصبحت الدعوات إلى تجنب الخلافات الثقافية والحضارية والأحقاد التاريخية لا توجهها جمعيات أو مجرد أصوات تسمع في هذه القارة دون تلك. إذ أضحت المطالبة بتحالف الحضارات وحوار الأديان وتكامل الثقافات نداءات من الحكماء والمفكرين المتعقلين».

في هذا السياق، قال جورج سامبايو، الممثل السامي لتحالف الحضارات بالأمم المتحدة (الرئيس البرتغالي السابق)، إن «كل التقارير أشارت إلى استمرار التوتر بين المسلمين والغرب بعد السنوات العشر التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) من 2001 بالولايات المتحدة الأميركية. وإن هذا التوتر تغذيه الأفكار الجاهزة السلبية التي يحملها كل طرف إزاء الآخر». ولخص جورج سامبايو، الصورة السائدة بين المسلمين والغرب قائلا إن «الكثيرين في الغرب ينظرون إلى المسلمين على اعتبار أنهم متعصبون ودعاة عنف، وأن القليل منهم يرى خلاف ذلك، أي كون المسلمين متسامحين ومحترمين للمرأة. ومن جانبهم، يرى المسلمون في الشرق الأوسط وفي آسيا، أن الغربيين أشخاص أنانيون، وغير متخلقين، وميالون للعنف، ودعاة تعصب أيضا». واقترح جورج سامبايو على الدول المجتمعة في الرباط إعداد خطط وسياسات وطنية لمعالجة هذا الجو الذي لا يشجع على تبادل الاحترام الواجب بين الشعوب والحضارات، من خلال التركيز على التعليم والشباب والإعلام والهجرة.

ومن جهتها، قالت لطيفة أخرباش، الوزيرة في وزارة الخارجية المغربية في اللقاء نفسه، إن «تحالف الحضارات الذي نتبناه هو ذاك القائم على الحوار الشامل والمتعدد الأطراف المؤلف بين الشعوب والأمم كيفما كان ثقلها الاقتصادي أو قوتها الدبلوماسية، وذلك بغية كبح تنامي الخلافات العرقية والنزعات الطائفية والقبلية وتيسير تلاقح الثقافات لتفادي الانغلاق والتعصب».

وأضافت الوزيرة المغربية «إذا كان تفاعل الثقافات وحوار الأديان يهم المسلمين وغير المسلمين، فإنه من اللازم بالنظر لمجريات أحداث عالمنا اليوم، أن تنخرط فيه المجتمعات الإسلامية بكل كفاءة وإقدام. فللمسلمين كلمتهم في مسألة الحوار، لأنهم أصحاب حق وحاملو حضارة ودعاة سلم».

وفي سياق متصل، أعلن الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، أن الاجتماع الثاني لمراكز الاتصال المعنية بتحالف الحضارات في دول منظمة التعاون الإسلامي، ينعقد في فترة خطيرة يمر بها العالم الإسلامي، تتطلب إدراك حجم التحديات التي تحفل بها، والوعي الرشيد بالتحولات العميقة التي يشهدها العالم، والتي تفرض على الأسرة الدولية، المبادرة إلى ترسيخ قواعد الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات، من أجل تعزيز الأمن والسلم الدوليين، ولبناء نظام عالمي إنساني جديد، يقوم على أسس القانون الدولي، واحترام الشرعية الدولية، وحماية حقوق الإنسان. وقال «في هذا المناخ الدولي المحفوف بالتوترات التي تهدد استقرار المجتمعات الإنسانية، تتزايد الأهمية البالغة للعمل في إطار شراكة دولية وتعاون إنساني، من أجل تعزيز الحوار بين الثقافات وتعميق التحالف بين الحضارات على جميع المستويات، سواء على مستوى الحكومات والمنظمات الحكومية الدولية والإقليمية، أو على مستوى المجتمع الأهلي بمنظماته ومؤسساته وهيئاته وجمعياته، ومواجهة دعاة الكراهية والعنصرية والتمييز والعدوان على الشعوب وحرمانها من تقرير مصيرها ونيل حقوقها المشروعة».

وتنص الخطة التي أعدتها الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي في مجال التعليم على تقوية مجتمع المعرفة بتوفير أجهزة حاسوب مرتبطة بالإنترنت على مستوى كافة فصول المدارس الابتدائية والثانوية والجامعات بالعالم الإسلامي بحلول عام 2020. بالإضافة إلى عمل الحكومات والمؤسسات ومتعددة الأطراف، والجامعات، وعلماء التربية وواضعي السياسات، بشكل منفرد أو جماعي، على تطوير تعليم كوني يراعي تعدد الثقافات وحقوق الإنسان. وتطبيق برامج محو الأمية الإعلامية في المدارس وبالأخص في المرحلة الثانوية من أجل تطوير اتجاه إدراكي ونقدي لمستهلكي التغطيات الإخبارية الإعلامية. وفي مجال الشباب تقول الخطة بضرورة انخراط الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي وهيئاتها المتخصصة في مجال الشباب في حركة الشباب العالمية من أجل تحالف الحضارات التي أنشئت في باكو بأذربيجان في أبريل (نيسان) 2011 وتشجيع منظماتها الشبابية الوطنية على الانخراط في هذه المبادرة.

وترى الخطة أن على المانحين المسلمين والغربيين في القطاعين الخاص والعام العمل معا لإحداث صندوق ثقافي والعمل في إطار شبكات لربط الفنانين والكتاب والموسيقيين وصانعي الأفلام المسلمين الشباب وغيرهم مع نظرائهم وقادة الصناعة الثقافية في الغرب. ويتمثل الهدف من ذلك في تسهيل بث الثقافة الإسلامية المعاصرة إلى المجتمعات الأخرى، ومن ثم تعزيز الحوار والتفاهم.

وفي مجال الهجرة يتعين على قادة الجاليات المهاجرة والجهات المسؤولة في الدول المضيفة التعاون لإنتاج مواد إعلامية بما في ذلك مثلا نشرات إخبارية بالإنترنت، وإعلانات ودوريات عامة، بهدف تعزيز احترام التنوع والعلاقات الطيبة بين المجتمعات.

ويتعين على الجامعات ومراكز البحوث الأوروبية والأميركية توسيع نطاق البحث في مجال المساهمات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية المهمة للجاليات المهاجرة في الحياة الأميركية والأوروبية، كما يتعين عليها ترويج المطبوعات الواردة من العالم الإسلامي حول عدد من المواضيع المرتبطة بالإسلام والعالم الإسلامي.

ويبقى لوسائل الإعلام دور في هذه الخطة الداعمة لتحالف الحضارات من خلال تطوير مواثيق شرف مهنية وتفصيلها وتطبيقها. إن قوة الكلمات والصور في تشكيل فهمنا للعالم لا يمكن المبالغة فيها. وعلى العاملين في مجال الإعلام استخدام تلك السلطة بمسؤولية. وعلى الصحافيين والمنتجين أن يكونوا يقظين بشأن التأثير الذي يمكن أن تحدثه القرارات التحريرية والآراء ووجهات النظر بصورة ضمنية على تصور عامة الناس لموضوع معين.

وينبغي وضع برامج للتدريب مع المدارس الصحافية المهتمة للمساعدة في توسيع فهم الصحافيين للقضايا الدولية الملحة، وخاصة في المجالات التي تتداخل فيها السياسة والدين، ولتعزيز قدراتهم على مد عامة الناس بمعلومات دقيقة. وهو نفس الاتجاه الذي ينبغي أن تسير فيه إنتاجات أخرى موجهة للشباب تناهض النمطية من قبيل ألعاب الفيديو والرسوم المتحركة والمواقع الإلكترونية إلى جانب توظيف اللقاءات الرياضية الكبرى مثل كأس العالم لكرة القدم أو الألعاب الأولمبية في إشاعة مواد إعلامية ثقافية ودينية تخدم التآخي والتفاهم وتنبذ الصراع.

إلى هذه النقاط التي تضمنتها خطة دول منظمة التعاون الإسلامي بالرباط لتحالف الحضارات، اقترحت دول عربية أخرى لإغناء هذه الخطة المساهمة في وضع برامج التربية الإسلامية لأبناء الجاليات المسلمة في الغرب ودعوة عدد من الأدباء وعلماء الغرب المؤثرين لزيارة الدول الإسلامية لتصحيح المفاهيم الخاطئة لديهم عن الإسلام. بالإضافة إلى أهمية تقديم تدريب لفائدة أئمة المساجد في أوروبا في هذا المجال، بالإضافة إلى تدريس مادتي الحضارات والأديان وجعل هذه المسألة من قياس مؤشرات التنمية والانفتاح.

ويكتسي التعاون العربي مع متاحف بلا حدود للتعريف بالحضارة الإسلامية أهمية كبيرة حسب عدد من الدول العربية إلى جانب تفعيل دور الدبلوماسية الدينية في دعم حوار الحضارات بهدف المساهمة في إيجاد حل عادل ودائم للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي والحد مما تتعرض له مدينة القدس ورموزها الإسلامية والمسيحية من تهويد وتغيير معالمها السياسية والدينية والثقافية والسكانية ومواصلة الحفريات في محيط المسجد الأقصى.

هذه النقاط والمقترحات ستأخذ شكل خطة عمل بعد المصادقة عليها في منتدى الدوحة في خلال أيام 11 و12 و13 ديسمبر (كانون الأول) على أساس أن يتم تطبيقها في كل الدول الأعضاء في تحالف الحضارات وهي نحو 132 دولة من دول العالم.