رضا خلادي أستاذ الفكر الإسلامي وعضو الجمعية التونسية للعلوم الشرعية لـ «الشرق الأوسط»: الانتخابات أمانة

الانتخابات من منظور شرعي: شهادة يسأل المرء عنها يوم القيامة

رضا محمد خلادي («الشرق الأوسط»)
TT

جرت في تونس يوم الأحد 23 أكتوبر (تشرين الأول) انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، الذي سيصوغ دستورا جديدا لتونس، ويشكل حكومة شرعية، ويسمي رئيسا للبلاد لفترة زمنية محددة يقرها المجلس الذي هو الآن سيد موقفه. ولا يمكن لأحد من خارجه أن يملي عليه قراراته ومواقفه. وقد أدلت جميع الأطراف بآرائها حول المشاركة في هذه الانتخابات وأي انتخابات مقبلة، إذ إن الحكم يتوقف على الانتخابات بصفة كلية. وقال رضا محمد خلادي، أستاذ الفكر الإسلامي، وعضو الجمعية التونسية للعلوم الشرعية، وأمين مال جمعية أئمة المساجد لـ«الشرق الأوسط» إن المرحلة المقبلة مرحلة مهمة، وهي محطة تأسيسية، ومرحلة مسؤوليات تهم الأمة ككل بمختلف شرائحها، وهي مرحلة تكريس التعددية وعدم إقصاء الآخر، فالإسلام هو الوحيد الذي ينطبق عليه وصف حضارة كل الحضارات، بما يعني ذلك من تسامح، وانفتاح، وقبول للآخر بخصوصياته الفكرية والمرجعية، بما يعني تعدد الآراء، وبالتالي فإن المجتمع هو من سيفرز خياراته، ولن تكون إسقاطات فوقية كما كان الحال في السابق والإسلام مع هذا المفهوم، «خلو بيني وبين الناس». وتابع خلادي: «نحن نعتقد أن المجتمع اختار الذين لديهم مرجعية شرعية، سيكون منها منطلق العمل السياسي، مع حسنة لصالح الشعب وهي أن من يختارهم الشعب سيكونون تحت رقابة المجتمع بعد أن كان المجتمع تحت رقابة السلطة المستبدة، وهذا ما يحقق مقاصد الإسلام، وفي مقدمتها التكريم الإلهي بحرية الإرادة والاختيار، (ولقد كرمنا بني آدم)».

وحول البعد الإنساني في العملية الانتخابية أفاد خلادي بأن «الإسلام رسالة تحررية، تهدف لضمان حرية الاختيار ومنه حق الاقتراع في الانتخابات وممارسة هذا الحق من منطلق المساهمة في صنع المستقبل، وتقديم شهادة هي أمانة يسأل عنها المرء يوم القيامة، أما في الدنيا فهي خروج من مسلسل الإكراه الذي عاشته تونس منذ عام 1881 وحتى 14 يناير 2011، وهي خروج أيضا من مرحلة الخوف التي هي ضد العقل وضد الحرية وضد الإبداع الحقيقي».

وحول مطالبة الكثيرين بأن يكون الإسلام قاسما مشتركا بين مختلف الفرقاء السياسيين، بمعنى إجماع سياسي على احترام ثوابت الدين، وعدم التعرض إليها، أفاد بأن «المجتمع في ظل آليات الديمقراطية هو الذي يعطي صك العمل والتفويض الشعبي للكتل السياسية، وهو ما يعاقبها في حال تجاوزت حدوده وثوابته، بعدم التصويت لها، وهذا ما رأيناه في الانتخابات التونسية، وهذه الطريقة هي الأسلم في الوقت الحالي والأجدى من الزجر القانوني وغيره».

وبخصوص تحكيم الشريعة في المجتمعات المعاصرة، أوضح بأن الشريعة تطبق على المؤمنين وغير المؤمنين إذا أصبحت مطلبا شعبيا، بمعنى إذا طالب الشعب يوما بتطبيق الشريعة فإن الطبقة السياسية لا يمكنها تجاهل هذا المطلب، لأن ذلك يعني موتها السريري وفوز من يستجيب للمطالب الشعبية، وفي حال حصلت هذه المطالب فإن معارضي تطبيق الشريعة سيصبحون منظرين شرعيين وسيزايدون على تلك المطالب كما لو كانت دماء تجري في عروقهم. وشدد خلادي على أن «مصدر الحكم في المفهوم الإسلامي هو الخالق سبحانه، ولكن ممارسة الحكم هو للشعب، أي أن الشعب هو من يختار الفهم الأقرب إلى عقيدته، عندما يسمح له بحرية الاختيار. ونفى أن يكون أي نظام في العالم اليوم يحمل صفة «الشعبي» إلا من منظور موافقة الأغلبية عليه، وعندما تختار الشريعة من قبل أغلبية الشعب تصبح صناعة شعبية بداهة. فالدساتير والقوانين التي توصف بالشعبية هي في الحقيقية من صنع فرد أو مجموعة أفراد فازت في استفتاءات شعبية بموافقة الأغلبية.

وبخصوص الجدل الدائر حول العملية الانتخابية، أشار إلى أن «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح» والمشاركة في الانتخابات فيها من دفع المفاسد ما يعلمه الكثير من أبناء الشعب، فمقاطعتي للانتخابات يعني تشريع الآخرين لي، وعدم مشاركتي ولو من باب الشهادة أمام الله والناس على اختياري وميولاتي، وهي نوع من إنكار المنكر باليد والقلب واللسان، ولا أتحمل نتائج ذلك إذا جاءت في غير ما أردته من انتصار للخير وفي أقل الأحوال لاختياري أهون الشرين». وأردف: «عدم المشاركة في الانتخابات يعني وجود الخصم وربما العدو في المكان الذي ينبغي أن أوجد فيه، وإلا لن تنتهي عقود الاستبداد وديكتاتورية اللائكية التي أوصلت الأمة إلى الخراب الاقتصادي، والخراب السياسي، والخراب الثقافي حيث اختزلت الثقافة في مشهد امرأة في الحمام، كما صورته أفلام من هيمنوا على المشهد لأكثر من 50 سنة في تونس».

بمعنى آخر «وجودي في العملية السياسية، يعني حماية نفسي من عدوان الآخرين، إذا ما واصلوا النهج السابق في فرض تصوراتهم على المجتمع دون وجود بدائل أخرى أو مشاريع أخرى تجعل الفرد على وعي تام بالساحة وفي ظل إرادة حرة على الاختيار». وحول تسمية الآخر بالعدو بين أن «الآخر هو من جعلني أصفه بالعدو من خلال تجربة ما يزيد على نصف قرن عشناها في ظل إسقاطاته، ولذلك عندما دعونا المواطنين للمشاركة في العملية الانتخابية على علاتها، فإننا راعينا المصالح والمفاسد الناتجة عن المشاركة من عدمها، ونحن مع أي نظام يوفر العدل والمساواة والنزاهة ونظافة اليد واحترام مشاعر الشعب والوقوف عند قيمه وثوابته، وإذا توفرت سلطة تحقق هذه المطالب فنحن معها سواء كانت رئاسية أو برلمانية أو مشتركة أو بأي شكل من أشكال الحكم».

وعما إذا كانت نظرية «الإسلام كقاسم مشترك» بين مختلف الأحزاب يجب أن لا يحتكره أي طرف لها سند من الواقع، وما إذا كانت نظرية «الإسلام كمطلب شعبي» تمثل البديل عن النظرية الأولى، أحال أستاذ الفكر الإسلامي ذلك إلى «التفكيكية السياسية والثقافية» وهي الإجابة عن سؤال ما إذا كانت جميع الأحزاب في وارد تطبيق «الإسلام كقاسم مشترك» بين الجميع، وهو ما يعني الاحتكام إلى الإسلام، سواء في مجال الأحوال الشخصية أو النظام الاقتصادي، أو ماهية المجتمع الذي يراد إقامته، بمعنى علوية النص القرآني، وعدم مخالفة ثوابت الدين واحترام قيمه مع الالتزام بتعاليمه، وهكذا نفهم الإسلام كقاسم مشترك، أما تحويل الإسلام إلى ميراث مشاع يخضع لهيمنة الورثة كأي تركة يتصرف فيها بشكل تترك ما تشاء، ولكن لا تأخذ ما تشاء، فإن البديل الآخر يصبح أكثر واقعية، وصناديق الاقتراع هي الفيصل.

ويؤكد خلادي على أن الإسلام قاسم مشترك بين جميع المسلمين، بيد أن ذلك وفق أصول وفروع، فالأصول يجب أن لا تكون مثار خلاف، بينما الفروع هي من اختلاف التنوع. والثاني أساس حياة الشعوب، وهو ظاهرة صحية تنمي الإبداع وتغذي التنافس وتعطي للتدافع بعدا حضاريا تنويريا، ونحن في جمعية الأئمة والخطباء، وجمعية العلوم الشرعية (الجمعية التونسية للعلوم الشرعية) لا يجب أن يكون لنا انتماء سياسي محدد، لأن المسلمين الذين يأتون للمساجد من انتماءات متعددة، وعندما نتحدث معهم، نتحدث باسم فهمنا للإسلام، ولا نتحدث باسم حزب أو مجموعة أو فكر معين أو توجه خاص.

وأعرب خلادي عن استيائه من الذين يدعون لحياد الإسلام في الخطاب السياسي والمسجدي، ثم يستهدفونه في أعمالهم ونشاطاتهم، حيث لا يمكن للمؤمنين في أي موقع كانوا أن يسكتوا على تلك الإساءات كفيلم «لا رب ولا سيدي» وفيلم «برسيبوليس»، وهي جزء بسيط من مخطط كان يستهدف الإتيان على ما تبقى من قيم الإسلام.. مخطط رهيب كان سيتم تنفيذه، عن طريق قناتين تلفزيونيتين، وبالتالي فإن تلك النتوءات هي جزء من ركام مشروع انهار بهروب المخلوع، وهي تحركات أشبه ما تكون برقصة الديك المذبوح. وهذه الممارسات تهدد السلم الاجتماعي، وتوتر الأوضاع الأمنية، ونحن نرفض قطعيا استخدام العنف في الرد على أصحاب الإساءات، لأن أفضل رد هو الرد الحضاري.