الأزهر يعيد إحياء موسمه الثقافي بعد توقف دام 50 عاما

دار الإفتاء ترعى مؤتمرا دوليا بالتعاون مع الأمم المتحدة حول الحوار مع الآخر

جانب من إحدى أمسيات الموسم الثقافي للأزهر («الشرق الأوسط»)
TT

بعد توقف دام 50 عاما، أعاد الأزهر إحياء موسمه الثقافي للتواصل مع واقع الشعوب الإسلامية، وفتح صفحة جديدة في حوار الحضارات مع الغرب، ومواجهة التحديات التي تعترض مساره.

واستهلت دار الإفتاء المصرية أجندة الموسم الثقافي للأزهر بإعلانها عن رعاية مؤتمر دولي بالتعاون مع الأمم المتحدة حول موضوع الحوار مع الآخر. كما رحب علماء أزهريون باختيار دار الإفتاء في مصر كأول مؤسسة إسلامية على مستوى العالم تحصل على عضوية مبادرة «أكاديمك إمباكت» للأمم المتحدة، مؤكدين أن العضوية جاءت نتيجة تفهم دار الإفتاء لقضايا الغرب، ولمطالب غلاة التطرف في أوروبا وأميركا.

ومن جانبهم أشاد علماء أزهريون بعودة الموسم الثقافي للأزهر للرد على الإشكالات الأصولية والفقهية المثارة في العالم الإسلامى والغربي، خصوصا قضايا الفكر المعاصر.

وأعلن الدكتور إبراهيم نجم المستشار الإعلامي لمفتي مصر عن اختيار دار الإفتاء عضوا فاعلا وكامل العضوية في مبادرة «أكاديمك إمباكت» للأمم المتحدة، لتصبح بذلك أول مؤسسة إسلامية على مستوى العالم تحصل على هذه العضوية، اعترافا بجهود دار الإفتاء في مجالات الفتوى والتواصل بين الحضارات والثقافات عن طريق موقع يبث محتواه بتسع لغات، إضافة إلى أنشطة مفتي مصر ومقالاته وتأثيره العالمي.

وقال الدكتور نجم إنه «يجري حاليا التحضير لمؤتمر سيعقد في القاهرة في مارس (آذار) المقبل بالتعاون بين الأمم المتحدة ودار الإفتاء، حول موضوع حوار الحضارات والتحديات التي تواجهه»، مشيرا إلى أنه تم دعوة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية لكتابة مقال كبير يتكون من 2000 كلمة في دورية «يو إن كرونيكل»، وهي المجلة الدورية المتحدثة باسم الأمم المتحدة والتي يتم نشرها كل ثلاثة أشهر.

وأوضح الدكتور نجم أن مفتي مصر قبِل الدعوة، وسوف يتناول الحديث عن موضوع حوار الحضارات في مقال سيتم نشره في عدد شهر يناير (كانون الثاني) المقبل، الذي سيخصص لهذا الموضوع، تمهيدا للمؤتمر الذي سيعقد في القاهرة بالمشاركة ما بين دار الإفتاء والأمم المتحدة.

وقال المستشار الإعلامي لمفتي مصر إنه تم دعوته إلى الأمم المتحدة بدعوة من الدكتور رامو دامو دران، المسؤول عن مبادرة «أكاديمك إمباكيت» للأمم المتحدة، التي تسعى إلى خلق نوع من التعاون بين المؤسسات والجامعات ومراكز الأبحاث في العالم التي لها تأثير قوي في تخصصها من جانب، والأمم المتحدة من جانب آخر، من خلال أجندة المنظمة الدولية، مشيرا إلى أن دران دعاه إلى عرض تجربة دار الإفتاء في التواصل بين الحضارات في الأمم المتحدة، خلال لقائهما في المؤتمر الذي عقد في سويسرا منذ أسبوعين لتكريم دار الإفتاء المصرية.

وتابع الدكتور نجم: «إنه قام بالفعل بعرض تجربة دار الإفتاء في مجال الفتوى والتواصل مع العالم بحضور مسؤولي وأعضاء المبادرة في المنظمة العالمية»، مشيرا إلى أن مسؤول المبادرة الدكتور دران أعرب عن رغبة المبادرة في مشاركة المفتي في جميع أعداد المجلة «يو إن كرونيكل» بمقال ثابت.

وتمت دعوة الدكتور نجم إلى إلقاء خطبة الجمعة في قاعة بالأمم المتحدة، تتسع لنحو 300 إلى 400 شخص، بحضور مندوبي الدول العربية والإسلامية وأعضاء بعثاتها وعدد من موظفي المنظمة الدولية.

ودارت خطبة الدكتور نجم حول الأحداث الراهنة في مصر، وقدم رسالة أمل مفادها أنه «بالأمل والعمل ستعبر مصر المرحلة المقبلة»، حيث تمثل سيادة القانون هذا الأمل في ظل طبيعة المرحلة الانتقالية التي يكتنفها الكثير من التحديات التي يصمم جميع المصريون على تخطيها.

وشدد مستشار مفتي مصر في خطبته على «ضرورة التوحد والتكاتف بين جميع طوائف الشعب المصري بما لديه من تاريخ طويل حافل بهذا التوحد والتكاتف، وضرورة استلهام ما يساعدنا على تخطي تحديات هذه المرحلة ووأد الفتن الطائفية بنسيج واحد للمجتمع المصري من مسلميه ومسيحييه على السواء بما لديهما من رصيد كبير من التسامح والتعايش معا والإصرار على عدم السماح للبعض القليل بإفساده بهدف حرق مصر».

كما دعا الدكتور نجم إلى ضرورة تنمية ثقافة العمل وفقا للآية الكريمة «وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»، وعدم استعجال الأمور، حيث إن فعل الخير لا يستعجل النتائج، وفقا للآية الكريمة.

ومن جانبهم أشاد المصلون بدور بمصر الريادي في خدمة الإسلام في العالم الإسلامي والغربي. وحول اختيار دار الإفتاء عضوا في مبادرة الأمم المتحدة، قال الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، إن الاختيار جاء نتيجة تفهم مفتي مصر الشيخ علي جمعة لقضايا الغرب وما يريده من الإسلام، وتفهمه لمطالب غلاة التطرف في أوروبا وأميركا. وأضاف الدكتور عثمان لـ«الشرق الأوسط» أن «اختيار دار الإفتاء نتيجة أن العالم الغربي يعتبرها من المؤسسات الدينية المسؤولة التي يتوجب دعمها والمحافظة عليها».

وأوضح الدكتور عثمان أن عضوية الإفتاء سوف تتيح فرصة كبيرة للتواصل مع الغرب في الكثير من القضايا التي تشهد وجوها للخلاف.

وفي إطار التواصل مع حوار الحضارات أعاد الأزهر إحياء موسمه الثقافي بعد توقف دام خمسين عاما، وهو إحياء لتقليد قديم كانت مشيحة الأزهر تنتهجه في خمسينات القرن الماضي، وقت أن كان الدكتور محمد البهي، أحد مفكري الإسلام في العصر الحديث، وزيرا لوزارة الأوقاف المصرية، ثم توقف الموسم عام 1964، وأحياه الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر من جديد بعد 9 أشهر من قيام ثورة 25 يناير في مصر التي أطاحت بنظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك في 11 فبراير (شباط) الماضي.

وحول عودة الموسم الثقافي للأزهر، أكد الدكتور حسن الشافعي رئيس المكتب الفني لشيخ الأزهر أن عودة الموسم الثقافي يعد استكمالا لعودة الأزهر الشريف لمكانته العالمية في إحياء حوار الحضارات والفصل في القضايا الإسلامية المعاصرة.

وقال الدكتور الشافعي لـ«الشرق الأوسط» إن «الموسم الثقافي قد ناقش من قبل الكثير من الإشكالات الأصولية والفقهية التي أثيرت وقتها في العالم الإسلامي، ومثار جدل اليوم مثل قضايا الفكر السياسي الإسلامي المعاصر»، مؤكدا على أن الفضل في عودة الموسم الثقافي يعود إلى الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب. وأوضح الدكتور الشافعي أن الموسم سوف يستضيف الكثير من العلماء من مختلف البلدان والدول العربية والغربية للتواصل حول حوار الحضارات.

وفي أولى أمسيات الموسم الثقافي للأزهر أكد المفكر الإسلامي المغربي الشيخ الدكتور عبد الله بن بيه، مدير مركز الترشيد والتجديد بلندن، في المحاضرة التي ألقاها مؤخرا في قاعة الإمام محمد عبده بجامعة الأزهر في منطقة الدراسة، بعنوان «حديث في التجديد.. أصول الفقه أنموذجا»، أن الأمة الإسلامية جعلها الله وسطا في كل شيء، لا من حيث الأفكار والاتجاهات فحسب، بل أيضا جعلها وسطا في المكان من حيث موقعها على الكرة الأرضية، موضحا أن هذا ما جعلها تواجه من التحديات بقدر ما تحوزه من مزية وخصوصية.

وقال الشيخ بن بيه إن الأمة الإسلامية منذ خمسة قرون وهي تعاني عللا شتى في جميع المجالات، ويبدو أثر تلك العلل في ما نشهده اليوم من تفتيت الوحدة وشيوع الفرقة والخلاف، وسيادة حكم الفساد والاستبداد، وقيام الاقتصاد على الاستهلاك والاقتراض، لا على الإنتاج والاستثمار، إلى غير ذلك من الآثار التي لا يكاد يخلو منها مجال من المجالات، سواء كان ذلك على مستوى الفرد أو الجماعة.

وأشار الشيخ بن بيه إلى أن الخروج من هذا المأزق الذي تعانيه الأمة اليوم يقتضي التجديد في أصول الفقه بما يتواءم مع مستجدات الحياة والواقع الذي نعيشه، لا سيما في ظل وجود واقع جديد متغير في كل مجالاته كواقعنا اليوم، لافتا إلى أن الفقه عبر تاريخ الأمة الطويل كان الملاذ لعلاج قضاياها ومواجهة ما تتعرض له من تحديات سياسية واقتصادية وعلمية وغيرها.