مفكرون وباحثون يجمعون على أهمية «الشورى» لتنظيم المجتمعات الإسلامية

ندوة في الرباط بحثت موضوع عدم تعارض «الديمقراطية» و«الشورى»

جانب من أعمال ندوة دولية حول موضوع «مجالات تطبيق الشورى والاستشارة في التجربة المعاصرة» بمقر مؤسسة دار الحديث الحسنية في الرباط («الشرق الأوسط»)
TT

أجمع مفكرون وباحثون جامعيون في قضايا الدراسات والفكر الإسلامي على أهمية الشورى والاستشارة في حياة المجتمعات الإسلامية واعتبروها واجبة وملزمة، على اعتبار أن إحدى المشكلات التي تجابه العالم الإسلامي اليوم هي ممارسة سلطة تنظيم المجتمع وتداولها، وموقع آلية الشورى في المجتمع السياسي الذي نعيش فيه اليوم إلى جانب الآلية الديمقراطية.

وطرح النقاش حول الشورى والديمقراطية كآليتين لا تتعارضان لتنظيم عمل المؤسسات وسلوك الأفراد وضمان الحقوق والواجبات، في إطار أعمال ندوة دولية حول موضوع «مجالات تطبيق الشورى والاستشارة في التجربة المعاصرة» بمقر «مؤسسة دار الحديث الحسنية»، (مؤسسة جامعية تعنى بالعلوم الدينية) في الرباط.

وفي المداخلات، قال الدكتور محمد فوزي المهاجر، أستاذ العقيدة والأديان المقارنة من جامعة الزيتونة في تونس، بصعوبة أو استحالة الربط بين الديمقراطية ونظام الشورى الإسلامي، متسائلا «كيف يمكن التوفيق بين الدساتير الوضعية التي تتنازع الأحزاب وتجتهد العقول من أجل وضعها؟ وبين النص الإلهي الأزلي الذي يفترض أن يتحول قسم مهم من أحكامه إلى دستور أو قانون سياسي ينظم المجتمع». وأضاف «كيف يضع الله دستورا إسلاميا والناس مختلفون». وهو ما عقب عليه الدكتور محمد الصغير، حيث صنف اجتهادات الأستاذ المهاجر في خانة الهموم العلمانية المحضة، واصفا إياها بالاستشهاد غير السليم.

في إطار من التكامل المنشود أو الموجود بين الشورى والآليات الديمقراطية، يقول الدكتور سعيد بلبشير انطلاقا من التجربة المغربية عن الشورى ومفهوم سيادة الأمة «الشورى نظام لتداول السلطة وهي حلقة وصل بين مجتمع متعدد المشارب السياسية والفكرية والاجتماعية وبين دولة يجب أن تقوم على مبادئ الحق والعدل والمساواة والحريات والحقوق الأساسية التي يعبر عنها تعاقد يبلوره الدستور الجامع للتنظيمات التي تقوم عليها الدولة».

وعن أهمية الشورى في المجتمعات الحديثة، يقول الدكتور خالد بن عبد الله المزيني، عضو هيئة التدريس في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن السعودية، إن «الشورى ضمانة من أهم ضمانات الحكم الرشيد. وإذا كانت الشريعة الإسلامية جاءت بالإطار العام للحكم، ولم تفصل في كيفية بناء مؤسسات الحكم، فإن واجب الوقت بالنسبة إلى فقهاء الشريعة والمؤمنين من علماء القانون والاجتماع الانشغال ببناء النموذج الإسلامي للحكم الرشيد، وتصميم الضمانات الكفيلة بإقامة العدل في الأرض».

ويشرح الدكتور المزيني مجالات عمل مؤسسة الشورى بأنها «تقوم بصيغتها الحديثة بإبداء الرأي في السياسات العامة للدولة، ومناقشة الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وإبداء الرأي نحوها واقتراح مشاريع الأنظمة والقوانين واللوائح ومراجعتها، وكذا القرارات الكبرى في الدولة، ومشروع المعاهدات والاتفاقيات الدولية والامتيازات واقتراح ما يراه بشأنها». ويمدد المحاضر مجال عمل مؤسسة الشورى ليشمل دراسة التقارير السنوية التي تقدمها الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى.

واستشهد الدكتور محمد الناصيري من جانبه، بضرورة وأهمية الشورى وتقديم الاستشارة في الحياة العامة للشعوب في أي زمن أو مكان.

وأورد الدكتور محمد الصغير مثلا من عصور ما قبل الإسلام عن أهمية الشورى في حياة الجماعة، فمتى كانت الشورى بين قوم كان الرأي السليم وخلاف ذلك بعكس النتيجة من خلال قصتين وردتا في القرآن.

لعل هذا الأمر يقربنا من المفهوم، وذلك أن القرآن الكريم عرض علينا قصتين مهمتين، قصة بلقيس وقصة فرعون، فقصة بلقيس قال فيها رب العزة: «قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون»، وقصة فرعون قال عنها رب العزة: «قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد».

وفي سياق قصة بلقيس، كانت عاقبة الشورى التي يدل السياق على أنها قاعدة في حكمها إلى خير، وأما قصة فرعون التي يدل السياق على أن الاستبداد بالرأي قاعدة مطردة فكانت إلى شر. وأضاف المحاضر «نلاحظ على أن في كلا الطرفين جاءت الشورى في الدين والدنيا، وهو ما يدل على أهمية إلزامية قرار الشورى، وليس مجرد الاستعانة برأي الآخرين».

وإذا كانت الشورى مفهوما إسلاميا، فإن خصوصية هذه المفاهيم برأي الدكتور عز الدين معميش، أستاذ بكلية العلوم الإسلامية في جامعة الجزائر، أن «خصوصية المفاهيم الإسلامية في الوقت المعاصر المحكوم بالرؤية الغربية، والتي تحولت إلى رؤية كونية في مسائل الديمقراطية وحرية إبداء الرأي والمعارضة، بما جعل الطروحات والمقاربات السابقة للكثير من المفاهيم والمصطلحات في المجال الإسلامي غير فعالة وغير واقعية».

وتحسر الدكتور عز الدين معميش عن تغييب المنظومة الفكرية الإصلاحية في المواضيع السياسية الراهنة، كموضوع الحرية وحدودها، والشورى والاستشارة، والمشاركة السياسية، لأن العمق الفكري والقانوني فيها برأي الدكتور المحاضر«كفيل بتدوين أرقى الدساتير الضامنة دوما للحرية في وطننا الإسلامي الكبير».

وتحدث الدكتور والجامعي عبد السلام بلاجي من جهته، عن أهمية الشورى وضرورة تفعيلها قائلا إن «تبنينا للمنحى العلمي لمفهوم الشورى الملزمة - على مستوى السلطة والمجتمع - يفضي إلى الحديث عن مدى تطبيقها في مجال الحياة الراهنة العامة للمسلمين، ويفضي بالضرورة إلى التساؤل حول مدى ملائمة بعض المفاهيم الديمقراطية والآليات السياسية المعاصرة للشورى». ليخلص إلى أنه ليس من الضروري أن تتوافق مفاهيم وممارسات الأمم لكي يحكم بعضهم على مفاهيم الآخر بالإيجابية.

وأضاف أن التجربة الإنسانية أثبتت أن التنوع والتعدد في الأفكار والمسارات أجل وأنفع للإنسانية وأكثر إغناء وإثراء إذا رافقه التعاون والتسامح، وهي المبادئ الذي يرسخها الإسلام.

وكانت مداخلة المجدد الشيخ الدكتور عبد الله بن بية المرسلة في شريط إلى هذه الندوة الدولية المقامة بالرباط عبارة عن حل توليفي بين الشورى الإسلامية والديمقراطية الغربية، قائلا إن «موقع الشورى يكمن في البحث عن عيوب الديمقراطية لتداركها من خلال آلية الشورى».

وأوضح الشيخ بن بية أن ثمانية فلاسفة غربيين كتبوا عن الديمقراطية وأجمعوا كلهم على أنها مجرد وضع الأوراق في الصناديق الاقتراع. وكتب المفكر جون لوك أن الديمقراطية لم تحقق الرضا للناس ووجد الناخب نفسه في هذا الإطار غير مخير وإنما هو مسير بنظام القاعدة.

ولاحظ المحاضر أن الديمقراطية وصلت إلى مرحلة لم يعد يصوت فيها إلا القليل من الناس أو أنهم باتوا غير آبهين بها. ومع ذلك يقول بوجوب البقاء على الديمقراطية كقاعدة احتكام لا قاعدة رضا، ما دامت الديمقراطية تجلس أشخاصا على كراسي ممارسة المسؤولية حتى ولو لم يكونوا ديمقراطيين.

ومن خلال بحثه في الشورى، كأساس وتقنيات للحكم ومنهجية للحكم، قال الشيخ بن بية إنها مهمة و«من أحسن ما أنزل إلينا من ربنا، ولا ينبغي جعلها نقيضا للديمقراطية». واختتم بأهمية «تحديث الديمقراطية من خلال تفعيل الشورى، ليحصل التكامل في جلب المصالح للمجتمعات ودفع المهالك عن الشعوب».