هل نحن رجعيون؟

د. عائض القرني

TT

يقول عمر بن الخطاب: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله»، وبهذه العزة حكم المسلمون ثلاثة أرباع المعمورة قرونا، وكانت أبواق الإذاعات العربية للأحزاب المهزومة كالقومية الناصرية والبعثية والماركسية في عدن تهاجم السعودية لتمسكها بالإسلام وتصفها بالرجعية، فيرد عليهم الملك فيصل بقوله: «إذا كان التمسك بالإسلام رجعية فنحن رجعيون، ونحن كمسلمين لم يكتب لنا تاريخ مجيد إلا بعد طلوع شمس الإسلام علينا، وإلا فإننا نحن العرب قبل الإسلام كنا نسجد للصنم والوثن ونأكل الميتة ونقتل النفس المعصومة ونقطع الرحم، فلما بُعث سيد ولد آدم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وقال له ربه: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَة للْعَالَمِينَ»، انطلقت بعد ذلك بوادر الفتوح تبشر العالم بالإسلام والسلام والعدل والحرية والمساواة. ولا بد لأي حاكم لبلاد الإسلام أن يعلن عن هويته ودينه ومعتقده بلا مواربة ولا خجل، لأن الشعوب الإسلامية لا تريد غير الإسلام بديلا، وإذا شك الحاكم في ذلك، فليفتح صناديق الاقتراع وليأخذ رأي شعبه.. والشعوب الغربية مثلا التي تعتنق المسيحية لا ترضى أن يحكمها حاكم مسلم يخالف دينها ومعتقدها، هل ترضى أميركا أن يحكمها رجل يعلن أن الله ربه والإسلام دينه ومحمد صلى الله عليه رسوله؟ لن يقبلوا أبدا، وكذلك بريطانيا وفرنسا وألمانيا.. وغيرها، لأنها ترى أن دين الحاكم هو دين الشعب، وإسرائيل اليهودية هل تُسلم لحاكم يُدير شؤونها وهو مسلم أو نصراني أو حتى ماركسي لا يؤمن باليهودية؟ لن تذعن لذلك أبدا، فلماذا تُرغَم بعض الشعوب العربية والإسلامية لحكامٍ أصنام أقزام أزلام حاربوا الإسلام باسم القومية أو البعثية أو الشيوعية؟ لماذا لا تُترك هذه الشعوب واختيارها لتقرر مصيرها؟ هل العراق شعب الإسلام والحضارات وميلاد الدولة العباسية وأرض أبي حنيفة والشافعي وأحمد والغزالي.. هل ترضى بعهد صدام حسين البعثي أن يلغي الإسلام دين الشعب ويحكم بالطاغوت؟ كلا، ولكن الشعب العراقي لم يُستشر في عهده؟ هل يرضى الشعب السوري العظيم أحفاد الفاتحين ومرقد أبي عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد وابن تيمية بأن يحكمه حزب غريب على دينه ومبادئه باسم البعث المحارب للكتاب والسنة، ولو وقع اقتراع لما اختار الشعب السوري غير الإسلام عقيدة وحكما ومنهج حياة؟ هل شاور القذافي الشعب الليبـي أحفاد عمر المختار في أي دستور يحكمهم به وهو الذي ألغى الشريعة وعدل التاريخ وغير المنطق والعقل والنقل باسم «الكتاب الأخضر» ليجعله بديلا عن كتاب الله عز وجل؟ هذه الملايين من المسلمين التي تتجه كل يوم خمس مرات إلى الكعبة ألا تريد أن يحكمها الإسلام؟ فلماذا يُنحى الإسلام من الحكم وهو سبب العزة والسؤدد والشرف والنصر المؤزر الذي كسبناه، والفتح المبين الذي عرفناه؟ إن سعد بن أبي وقاص إنما هدم دولة فارس بقوة الإسلام، وخالد بن الوليد دكدك دولة الروم بعظمة الإسلام، وصلاح الدين الأيوبي انتصر في حطين بكلمة الإسلام، والقائد قطز هزم التتار في عين جالوت بعقيدة الإسلام، ومحمد الفاتح أسقط القسطنطينية بعدالة الإسلام، فما الإنجازات التي قدمها صدام حسين البعثي وحافظ الأسد البعثي أيضا والقذافي عميد الزعماء، ووالد الرؤساء، وملك الملوك في أفريقيا السوداء، وأمثالهم ممن عطل شريعة الله؟ ما المكاسب التي قدموها لشعوبهم غير الذل والقهر والكبت والتجويع والحبس ومصادرة الحريات وبيع الأرض لإسرائيل والجولان وغزو واحتلال الكويت أو تدبير المؤامرات والانقلابات والاغتيالات؟ متى تصحو الشعوب الإسلامية وتطالب بأن يكون حاكمها منها مؤمنا بالله مصليا يحترم المصحف والقبلة والرسالة ويقدس العقيدة ويفتخر بالإسلام، وترفض أن يحكمها جلاد مشوه ممسوخ العقل خائن الضمير منكوس الفطرة خبيث المعتقد فاسد الإرادة لص محترف والغ في الدماء عاش على الاستهزاء بالدين والسخرية بالشريعة وسب المقدسات والتشدق بأفكار البشر من قوانين وضعية أرضية؟ يكفي المسلم فخرا أن دستوره من فوق، ودستور غيره من تحت، وأن رسالته من أعلى، ورسالة سواه من أسفل، وأنه يتلقى تعاليمه من محمد (صلى الله عليه وسلم) عن جبريل عن رب العالمين، وغيره يتلقى تعاليمه من ميشال عفلق عن ستالين عن لينين عن الشياطين، أيها المسلمون ارفعوا رؤوسكم وافخروا بمبادئكم واجلسوا على النجوم برسالتكم وتذكروا قول الله تعالى: «وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مؤْمِنِينَ).