وزير الشؤون الدينية التونسي: تعيين المفتي يخص الرئاسات الثلاث ولا علاقة له بالوزارة

د. نور الدين الخادمي لـ «الشرق الأوسط»: نأمل في الإصلاح ما أمكن رغم إدراكنا أنه صعب وشاق

وزير الشؤون الإسلامية التونسي د. نور الدين الخادمي («الشرق الأوسط»)
TT

يعد الباحث الأكاديمي الدكتور نور الدين الخادمي، أول وزير شؤون إسلامية في تونس، يتولى منصبه باستحقاق أفرزته نتائج انتخابات عامة في تونس. كما أنه أول وزير من أهل الاختصاص، وهو ما عده كثيرون من «بشائر الثورة التونسية».

وهو ما ردده الدكتور الخادمي في حواره مع «الشرق الأوسط» بأن «هذه بشائر الثورة، بشائر الحرية والكرامة، ومرحلة التمكين للعدل وللأمانة وللسيادة الوطنية وللاستقلال التام. مرحلة تبشر بأن يكون الإنسان إنسانا كما خلقه الله سبحانه وتعالى، مكرما محفوظا، مكلفا مسؤولا، ولن يكون عرضة لأي نوع من الاستفزاز، أو الاستدراج، أو ما يؤثر على كرامته ورسالته في هذه الحياة».

وعن الحال التي تسلم فيها وزارة الشؤون الدينية قبل شهر تقريبا، وما يقال عن وجود ركام من مخلفات أكثر من نصف قرن، قال «دخلت الوزارة منذ شهر، ووجدت الكثير من التردي، سواء على مستوى التنظيم أو الهيكلة، وكذلك القوانين، وعلى مستوى بعض الوضعيات العالقة التي تحتاج لتسوية حينية فورية».

وتابع «هذه الوزارة لم تأخذ حظها كما ينبغي في الفترة الماضية، ولا سيما التعريف بالدين، والعناية بالإطارات الدينية (الدعاة)، والذين كما تعلمون حرموا من الوعظ والإرشاد، أي أنهم مدرسون لا يدرسون، ووعاظ لا يعظون، ومحامون لا يرافعون، وبذلك حرموا من هذا الحق والواجب الشرعي. وكان الأولى أن تقوم وزارة الشؤون الدينية بدور أعظم في تربية النشء ونشر القيم الإسلامية وفي المساهمة في التنمية الاجتماعية والإنتاج ومنع الاحتكار والغش، والإسهام في بناء المجتمع والتواصل مع مختلف مكونات المجتمع».

وأوضح أن الوزارة في السابق «تعرضت لأوضاع صعبة جدا في الماضي، طال البنية الهيكلية والقانونية، وخاصة الأداء والوظيفة، ونحن نأمل في الإصلاح ما أمكن، رغم إدراكنا أنه صعب وشاق، ولكن سيتم بعون الله ولو على مرحلة زمنية، وبمنهجية معينة وبما هو ممكن ومقدور عليه».

وحول حصاد أكثر من نصف قرن على تولي أشخاص من غير الاختصاص الشؤون الدينية، أوضح الوزير أن «الحصاد هو، ضعف التكوين الشرعي، وضعف بالمعرفة والثقافة الإسلامية، الحمد لله الشعب مسلم ولكن أغلبية الشعب ليست لديها ثقافة شرعية كافية ولا علم بأمور الدين، فهو يصلي ويصوم ويعبد ربه، ولكن مع غياب المعرفة الإسلامية الكافية بما في ذلك العبادات، فقه الصوم، العلاقة الزوجية، والمعاملات المالية وغير ذلك. الأمر الثاني حرمان البلاد من الأوقاف، وعندما صودرت الأوقاف حرم أبناء الشعب من فرص كثيرة للتنمية، والاقتصاد وإدارة الإنتاج. وحرموا من مزاولة حق ديني وحضاري لهم، وحق تنموي لهم، الأوقاف موجودة في كل الدول والعالم».

وعما إذا كانت الأوقاف التي تعتبر من الملكيات المقدسة التي لا يحق للدولة التصرف فيها، وما إذا كانت ستعاد إلى سالف عهدها، وما إذا كانت الدولة ستعيد هذا الحق إلى نصابه بالتعويض، أفاد بأن «هذا موضوع كبير ويحتاج لتصورات كثيرة، لأن فيه جانبا قانونيا، وجانبا واقعيا، وجانبا شرعيا، وهناك مناخ عام، الأفكار الواردة هي أن الوقف شعيرة إسلامية، وأنه تعرض لمظلمة في تونس، وحق صودر، والناس يتنادون إلى ضرورة استعادة الوقف، كعنصر من عناصر التنمية ووعاء من أوعية الخير التي عرفتها مبكرا الحضارة العربية الإسلامية، وهو موضوع مطروح للبحث، وإن شاء الله سنتوصل إلى حلول». وأردف «كل حق مصادر مجاله العدالة واسترجاع الحق بطرقه المشروعة».

وعن الملفات التي تحتاج لمراجعة، قال «وجدنا ملفات تخص الإطارات الدينية من حيث تعيينهم، وهو تعيين يستند إلى قانون وقواعد ومبادئ كالكفاءة العلمية، وشروط الإمامة، كأن يكون المعني له ثقافة إسلامية، ولديه إسهام في المجتمع وغير ذلك. وقد وجدنا خللا كبيرا في هذا الخصوص، وفي الهيكلة كما سبق، والمصالح الإدارية بها ضعف شديد. وجدنا قضية المساجد ومستجدات المساجد، وهي قضية لم تحل سوى في الأشهر الماضية، وكان بإمكان الوزارة أن تتدخل لحل الإشكالات التي وقعت في بعض المساجد. ووضعية الإمامة والأئمة الذين عزلوا والأئمة الذين كلفوا بالإمامة وكان بإمكانها أن تسهم بخطاب ديني أكثر ترشيدا وإفادة، كان لها أن تسهم بإعلام ديني أكثر مضمونية وأكثر منهجية، لكن شيئا من هذا لم يحصل والوزارة بقيت على حالها، وقد دخلت على ركام كما ذكرت، وأنا الآن أعالج ركاما وأحيانا يكون ركاما يحتاج لشاحنة لنقله إلى المكان الذي ينبغي أن يوضع فيه، ولكني حتى الآن لم أجد هذه الشاحنة».

وبخصوص شكوى الكثير من الحجاج من الخدمات السيئة للجهة المنظمة للحج والتي يقال إنها تحتكر تسيير رحلات الحج والعمرة إلى البقاع المقدسة، قال «موضوع الحج فيه كلام كثير، وقد بدأنا منذ مدة الاستماع إلى هذه القضية من الجهات المعنية، ولدينا تصور للمواسم القادمة من أجل إنجاحها. ولدينا بعض العرائض والشكاوى، ونحن نتعامل معها من منظور قانوني وإداري وإنساني دون شماتة ودون ظلم ودون كذب، وإنما نتعامل بإيجابية مع القضية ونعترف بأن هناك ضغطا من المواطنين، ونحن بصدد وضع تصور لإنجاح المواسم القادمة بالتشاور مع الجهات المعنية».

وفي رده عما يردده الكثيرون من أن حرية التعبير تحولت في تونس إلى عدوان على القيم والثوابت من قبل البعض، شدد الوزير على أن «العدوان مرفوض من قبل الإعلام، والعدوان مرفوض سواء كان من هذه الجهة أو تلك، فالعدوان الفكري (الإعلامي) مرفوض، والعدوان الجسدي مرفوض، وأي نوع من أنواع الاعتداء مرفوض، سواء كان معنويا أو أدبيا مهما كانت أسبابه ومبرراته والجهة التي تقف خلفه».

وأوضح أن «المطلوب هو العدالة لا العدوان، والتحرك السلمي لا العنف، والحوار والدفع بالتي هي أحسن، وليس التوتر والصدام، وليس الإضراب والقتل.. إلخ».

وحول طريقة اختيار المفتي القادم لتونس، أكد على أن «مسألة المفتي ودار الإفتاء من مشمولات الرئاسات الثلاث، رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء، ورئاسة المجلس الوطني التأسيسي، ولا علاقة لها بوزارة الشؤون الدينية».

ولم يجب وزير الشؤون الدينية التونسي عن تساؤلات الكثير من التونسيين ومن العاملين في الحقل الديني حول عدم إشراكهم في اتخاذ قرار تعيين المفتي على غرار الصحافيين وغيرهم. واكتفى بالقول «حسب القانون المنظم للسلطات العمومية يكون تعيين المفتي من مشمولات الرئاسات الثلاث».

ولم يقل الوزير إن في ذلك إجحافا أم لا، ولكنه أكد أنه «أمر اتخذه المجلس التأسيسي الذي يمثل إرادة الشعب، مسألة الإفتاء للرئاسات الثلاث، ولكن من حيث الواقع يمكن لأي عالم أو متخصص في الشأن الشرعي أن يفتي المستفتي (من غير الدوائر الرسمية) ويكون إفتاء بناء عميقا يزرع الطمأنينة ويجيب عن الأسئلة، والإفتاء في حد ذاته يمكنه أن يسهم في التنمية، كالحديث عن تحريم الغش، وتحريم الاحتكار ونقول إن ذلك لا يجوز فهو مساهمة في التنمية والسلم الاجتماعي. وكذلك الموظف الذي يتفانى في عمله هو مأجور، وعمله مبارك، وفي نفس الوقت يسهم في التنمية. وعندما نقول إنه يجب أن نطبق في المجتمع أمورا هي المساءلة والعدالة والمسامحة، والعدل والإحسان، فكلاهما مطلوب في معاملات الناس شرعا وبما يعني من توجيه وإقناع وإنزال الأحكام».

وأوضح أن «الإفتاء كفلسفة معرفية أو كنظرية عامة يمكن الحديث فيه بوجه عام، ولكن كإجراءات معينة فهذا موكول للرئاسات الثلاث». وعن تعدد المفتين كما كان في التاريخ الإسلامي، أكد أن هذا محل نظر.

وخلص الوزير إلى أن استراتيجية وزارة الشؤون الدينية في تونس «هي الإصلاح كأي شأن وطني، كالشأن العلمي والتنموي والاقتصادي، لا بد أن يأخذ حقه في إطار القانون وفي إطار التعاون والتنسيق مع كل فئات المجتمع التونسي، والشأن الديني شأن ثابت ومعتبر، ولا بد من اعتماده ورد الاعتبار إليه حتى يحقق ما يرجى منه وما يراد له».