تونس: هيئات إغاثية محلية لنجدة المتضررين من موجات الصقيع

أوضاع مزرية والسكان يملكون الحلول الجذرية لمشكلاتهم

TT

تعيش تونس منذ عدة أسابيع، كغيرها من دول المغرب الكبير، تحت موجات من الصقيع غير مسبوقة، ولا سيما في مناطق الشمال الغربي، حيث تهاطلت الثلوج بكميات كبيرة، وتسببت في انزلاقات أرضية طالت حتى الطرق المؤدية لبعض الجهات وهو ما زاد من صعوبة الأوضاع.

وقد تداعى التونسيون مؤازرين لجهود الجيش الوطني التونسي، والهلال الأحمر التونسي، لنجدة المتضررين وإن كانت الإمكانات دون الحاجيات المطلوبة لتلك المناطق التي حرمت من التنمية على مدى يزيد على نصف قرن، إضافة إلى أن الحكومة الحالية وجدت صناديق الدولة المخصصة لمثل هذه الحالات فارغة.

«الشرق الأوسط» واكبت بعض الحملات الإغاثية التي نظمتها مؤسسة «التكافل للإغاثة والتنمية» الخيرية، و«جمعية البركة الخيرية» بالتعاون مع الكشافة التونسية، حيث قامت هذه المؤسسات وغيرها من المنظمات الخيرية التي ولدت بعد الثورة، بدعوة المواطنين من خلال المساجد وفي جولات ميدانية بالشوارع والأسواق إلى التداعي لآلام إخوانهم في عين دراهم، وتالة، والقصرين، ومكثر، والوسلاتية، وسرجا، وزغدود، والعلا، وغيرها من المناطق المتضررة.

وقالت منية الساكت، رئيسة مؤسسة «التكافل» الخيرية، لـ«الشرق الأوسط»: «بدأنا نشاطنا الإغاثي في الوسط الغربي والشمال الغربي للبلاد منذ بداية موجات البرد، حيث شاركنا في حملات الإغاثة في عين دراهم، وتالة، والقصرين، ونحن بصدد توجيه قوافل إغاثية إلى سليانة والوسلاتية ومكثر».

وتابعت: «نحن نواصل عملنا الإغاثي في المناطق المتضررة لا سيما في الوسط، وهذه القوافل التي تنتظر ساعة الانطلاق (انطلقت بعد ذلك بساعة تقريبا) متوجهة إلى مكثر والوسلاتية، وهناك قوافل أخرى ستتجه إلى منطقة العلا، وفي هذه المناطق يعاني السكان الأمرين: الجوع والبرد، وما ينتج عنهما وما أفرزهما وهما السياسات الإنمائية السابقة وانعدام المبادرة».

وأكدت على تسيير قوافل إغاثية سابقة داخل ولايات (محافظات) تونس لصالح الفقراء والمعوزين، ضحايا الاختلال بين الجهات والحيف في توزيع الثروة، في ظل النظام السابق.

وعن المواد الإغاثية التي يتم تحميلها إلى المتضررين أفادت بأنها مواد غذائية، وملابس جديدة وأخرى مستعملة، وأحذية، وحليب، وحفاضات للصغار، وبطاطين وأغطية وفرش مختلفة. وأوضحت «أن مساعدات في طريقها إلى 60 أسرة في الوسلاتية وإلى أكثر من 100 أسرة في مكثر، وهي الأسر الأكثر احتياجا والأكثر تضررا، وهناك أسر نقوم بكفالتها بصورة مستمرة بسبب أوضاعها الخاصة، كوجود معاقين أو عجزة بين أفرادها لا يستطيعون تحصيل لقمة عيشهم عن طريق العمل».

وأشارت إلى وجود أسر لديها 16 نفرا ولكنهم غير مسجلين في سجلات الحالة المدنية التابعة للدولة. وأكدت الساكت أن «الدولة في مرحلة إعادة البناء من الصفر في مجال الأوضاع الاجتماعية، ونأمل أن نتمكن في مرحلة لاحقة من الإحاطة بنحو 400 ألف أسرة فقيرة في تونس من خلال صرف مخصصات شهرية لبعضها، وتمكين بعضها الآخر من وسائل إنتاج صناعية أو فلاحية حسب البيئة الموجودة فيها هذه الأسر».

وشكرت الساكت كل المساهمين في الحملة، ولا سيما النساء اللواتي تبرعن بسجاد منازلهن، وهو من الصوف غالي الثمن، لصالح المتضررين في البلاد.

وقال قريش، المسؤول في «جمعية البركة»: «هذه الحملة تتنزل في إطار تضامننا مع إخواننا المحاصرين في موجة البرد، بالاشتراك مع ائتلاف الجمعيات الخيرية، منها جمعية البركة، وجمعية التكافل للإغاثة والتنمية، والكشافة التونسية، وجمعية قصر الهلال للمحبة، ونحن متوجهون إلى عين جلولاء، والمناطق المحيطة، وكنا قد قمنا بحملة في منطقة الهوارب، وكان لها صدى كبير، ويوم الأحد سنقوم بحملة في العلا».

وشدد على أن «المساعدات لا تسلم إلا لمن يستحقها، فنحن نقوم بعملية استقصاء قبل التوجه إلى أي مكان»، مشيدا بإقبال الميسورين على التبرع، وتضامنهم الكبير مع إخوانهم الذين لا يزالون يعانون من موجات الصقيع التي مثلت ثقلا إضافيا على ما كانوا يعانونه من خصاصة وحرمان.

أما عدد المستفيدين الذين سيحصلون (حصلوا) على مساعدات فقدرهم بأكثر من 300 أسرة. وكشف عن مشاريع لبناء شبكة صرف صحي، بمجهودات خيرية في بعض المناطق التي تفتقد ذلك، معربا عن اعتقاده أن الأوضاع الاجتماعية أكبر من أن تعالجها المسكنات الإغاثية، التي هي حلول عاجلة في انتظار تغير الأوضاع باتجاه جودة الحياة لكل الناس، وليس لبعض الناس وحسب.

دور الكشافة كان واضحا في الحملات الإغاثية، ويشرح القائد حمادي الشويحي هذا الدور قائلا: «الكشافة منظمة عالمية تربوية محايدة، هدفها خدمة الخير ومساعدة المجتمع.. ونحن كفوج التربية للكشافة التونسية نشارك في هذا الائتلاف الخيري لمساعدة إخواننا حيث وجدوا». وعن دور الكشافة قال: «جمعنا بعض التبرعات، ولدينا أعضاء في الحملات للمساعدة في التحميل والتوزيع».

وكان من بين المتطوعين في الحملة متبرعون، بعضهم خرج بشاحنته وتبرعاته، ولم يكن ذلك لأول مرة، وقال محمد معز العامري (تاجر): «جاءني أحد الزبائن المعروفين، وطلب كمية من المواد الغذائية قائلا إنها لصالح المتضررين، ثم سألني عن مدى استعدادي للتبرع، فلم أتوان، ثم أصبح الزبائن في حي الحجام بالقيروان يتبرعون بدورهم حتى جمعنا كمًّا لا بأس به، حمولة شاحنتين، وتبرعنا به لصالح المناطق المتضررة».

نبيل خضر، من التجار الذين لا يكتفون بالتبرع المالي، بل يشاركون في حملات الإغاثة بأنفسهم وشاحناتهم، وكان قد شارك مرات كثيرة في حملات خاصة بالنازحين من ليبيا، وفي مناطق الجنوب، وكذلك الشمال والوسط الغربي، قال: «خروجي لله في سبيل الله، وكما أشارك في الحملات أقوم بجمع التبرعات من الأهل والأصدقاء».

وأعرب عن أمله في توجيه قافلة إغاثية كل أسبوع للمناطق المتضررة، داعيا القادرين لدفع مبلغ 5 دنانير كل شهر. وعلى الرغم من أن المبلغ بسيط فإن نبيل يؤكد: «لو دفع كل قادر هذا المبلغ لما احتجنا لتبرعات من الخارج». وذكر كيف أن «البركة» التي يلمسها في عمله كانت من دوافع استمراره في فعل الخير: «ألمس ذلك في كل لحظة، وعوض أن أربح ألفي دينار أربح 8 آلاف دينار، لا شيء ينقص من التبرع بل يزيد أكثر وأكثر». وعن الأوضاع التي عايشها أثناء الحملات رد باختصار: «أوضاع مزرية».

وقال الدكتور رضوان الصدفي، الذي رافق القافلة، متحدثا عن أصعب الحالات التي عرضت عليه: «شخص لديه سرطان في الأمعاء الغليظة يحتاج للعلاج الكيميائي، وليست لديه قيمة تذاكر السفر، ولا مبلغ 65 دينارا لكل حصة لدى الطبيب، وقد طلبت منه زيارتي في العيادة لمساعدته والتدخل لإعفائه من قيمة حصص العلاج». ويطالب السكان الدولة بمنحهم الأراضي العامة نحو 300 هكتار للعمل بها كمستأجرين، بدل منحها لأشخاص كانت لهم صلات مع النظام السابق يقومون بدورهم بتأجيرها لآخرين.