دعاة مصر في مؤتمرهم الأول يوصون بنبذ الخلاف والعمل على نشر الوسطية

أكدوا على دور المسجد في ترسيخ العدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية

دعاة مصر خلال أول مؤتمر رسمي لنقابتهم في مسجد الفتح بالقاهرة
TT

أوصى المشاركون في فعاليات المؤتمر الأول لنقابة الأئمة والدعاة بمصر، في ختام مؤتمرهم بالقاهرة، بأن يكون الدستور القادم معبرا عن الهوية الإسلامية للأمة، وشددوا على أهمية تمثيل الأزهر في اللجنة التأسيسية للدستور الجديد، قائلين إن «النقابة كانت حلما، حيث عانى الدعاة في النظام السابق من إقصائهم للحيلولة دون إرشاد الناس للخير والارتقاء بأخلاقهم والنهوض بهم، وتشويه الدعوة الإسلامية وعلمائها، مما أضعف دورهم»، مطالبين بـ«الحرص على الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين لأنها شريعة الإسلام، وسد الثغرات التي ينفذ منها الأعداء، وأن تعود الكنائس إلى طبيعتها ورسالتها، وأن تتخلى عن السياسة وألا تكون دولة داخل الدولة».

كما طالب المؤتمر الذي انعقد تحت عنوان «نقابة الدعاة.. بين حلم الأمس وواقع اليوم»، مجلس الشعب (البرلمان) بسرعة إصدار قانون نقابة الدعاة نظرا للحاجة الملحة إليه وإقرار كادر خاص للدعاة والتأكيد على استقلال الأزهر ماليا وإداريا، وتوحيد المؤسسات الدعوية والدينية الإسلامية (الأزهر والأوقاف والإفتاء والجامعة)، مؤكدين أن «النقابة لن تقتصر على رعاية شؤون الدعوة والدعاة؛ لكنها ستدافع عن حقوق الدعاة وتقوم بالتقريب بينهم ودعوتهم نبذ الخلاف بين التيارات الإسلامية التي استحوذت على المشهد السياسي بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) والعمل على نشر الوسطية والاعتدال».

ونبه المشاركون في المؤتمر، الذي انتهت فعالياته مؤخرا «إلى ضرورة وضع خطة لتنشيط الدعوة وتطوير الخطاب الديني وتعديل قانون تطوير العمل بالمساجد». ودعوا إلى رعاية الدعاة اجتماعيا وصحيا واقتصاديا وحماية الدعاة من أي مساءلة بناء على آرائهم الشرعية من دون الرجوع إلى أهل الاختصاص في القضية، مشددين على «ضرورة العمل على استقرار الوطن وعودة الحياة الطبيعية وملاحقة الفاسدين وذلك بالتعاون مع جميع أجهزة الدولة وجميع طوائف الشعب، وتأكيد أهمية دور العلماء والدعاة في حماية السلم الاجتماعي للأمة، والعمل على التقريب بين الدعاة وتوحيد الصفوف والارتقاء بالخطاب الديني المعاصر».

كما ناشد المؤتمر «بضرورة تكوين لجنة علمية لمتابعة الأبحاث الدينية ومراجعتها، والعمل على نشرها للاستفادة منها، وتبني الأئمة المتميزين، وتكوين لجنة تظلمات لحل مشاكل الأئمة ومتابعتهم في حالة التحقيقات معهم بأي جهة كانت، والعمل على إنشاء ديوان المظالم بكل مديرية للفصل في جميع المظالم المتراكمة وعدم خضوع الشؤون القانونية إلا لديوان المظالم بالوزارة، وسرعة العمل على تطهير وزارة الأوقاف المصرية من قيادات النظام السابق، والمطالبة بإصدار تشريعات تكفل حسن اختيار القيادات الدعوية في مصر».

وشهدت نقابة الدعاة أول اجتماع رسمي في مقرها الجديد بمسجد الفتح في منطقة رمسيس بوسط القاهرة بعد سنوات من رفض السلطات في مصر إنشاء نقابة خاصة بهم؛ إلا أنه بعد سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك وتنامي سيطرة تيار الإسلام السياسي على المساجد، وافقت وزارة الأوقاف على إنشاء النقابة بعد موافقة مجلس الوزراء، وقال دعاة وزارة الأوقاف، وقتها «إنهم الأقدر على مواجهة تنامي الفكر المتشدد».

وكان عدد من الأئمة في وزارة الأوقاف قد أعلنوا تأسيس نقابة تضم ممثلي دعاة مصر، وأكد الشيخ محمد عوف، عضو نقابة الدعاة، أحد الذين تبنوا فكرة إنشاء النقابة، أنها «تهدف للارتقاء بالمستوى العلمي والمهني للدعاة والمحافظة على كرامة الدعوة ووضع الأسس الكفيلة بتنظيم ممارسة الدعوة، كما تهدف إلى تأمين الدعاة اقتصاديا وصحيا ورعاية أسرهم وتقديم الخدمات لهم».

وجاءت استجابة السلطات في مصر لمطالب الدعاة بعد قرابة 4 أشهر من سقوط نظام مبارك. ويشكو الدعاة في مصر مما وصفوه بـ«تشدد النظام السابق وحصاره للدعاة ومحاولة إضعافهم وربطهم اقتصاديا بالوزارة»، ويقولون إن نظام مبارك تدخل عبر جهاز أمن الدولة المنحل في تعيين الدعاة، ومراقبة خطبهم على المنابر، وتوجيهها لما يخدم بقاء النظام واستمراره، الأمر الذي تسبب في إحداث فجوة كبيرة بين الدعاة والمجتمع، وهو ما سمح بتسلل من وصفوهم بـ«المتشددين» من غلاة السلفيين إلى منابر الدعوة.

وبينما أرجع مراقبون هذا التغيير في الخطاب الديني للدعاة الرسميين في مصر (وهم دعاة وزارة الأوقاف)، لطبيعة المرحلة التي تعيشها مصر الآن، وهروب العديد من مؤيديهم من تحت مظلتهم بسبب تركهم منابر المساجد لدعاة التيار الإسلام السياسي، قال سياسيون إن «دعاة مصر الرسميين لديهم القدرة على تطوير أفكارهم السياسية العصرية ولغة حوارهم بما يتناسب مع المعطيات الحالية».

ومن جانبه، قال الدكتور محمد عمارة، عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، في كلمته خلال المؤتمر، إن «الداعية يرتقي لمقام النبوات والرسالات، فأعداؤنا يدركون أن الأمة كلها تسلم قلوبها ونفوسها للداعية»، موضحا أن الثورة المصرية فتحت نافذة لنهضة إسلامية وحضارة للشرق الإسلامي ليستعيد بها الريادة؛ حيث كان الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، يقول إنه (عندما غفا الشرق انتقلت القيادة للغرب)»، وتابع «نحن على أبواب مرحلة أن تعود قيادة الأمة للشرق، فإذا نجحت الثورة السورية ستقام بحيرة إسلامية تسقط فيها دولة الكيان الصهيوني؛ حيث إن الغرب سعى إلى فصل الدين عن الدولة لتظل الأمة ضعيفة مقهورة وذليلة.

وأضاف الدكتور عمارة «هذه اللحظات التي نعيشها تلقي على الدعاة أعباء كبيرة، من أهمها التزود في العلم العميق كي نواجه التحديات الشرسة التي تأتينا من كل مكان، وحراسة الإسلام».

وتمنى عمارة أن يكون الشيخ محمد الغزالي حيا الآن لينظر لهذا المشهد العظيم، فقد كان يقول دائما «أنا حارس الإسلام وشرطي الإسلام»، مؤكدا أن «المسجد عليه دور كبير في ترسيخ العدالة الاجتماعية؛ حيث إن حرية من دون عدالة اجتماعية هي صياح في الهواء، ويجب أن ندافع عن العدالة الاجتماعية، حتى لا ينهب اللصوص خيرات الأمة، ولا بد من الحرص على الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين لأنها شريعة الإسلام، وسد الثغرات التي ينفذ منها الأعداء، وأن تعود الكنائس إلى طبيعتها ورسالتها، وأن تتخلى عن السياسة وألا تكون دولة داخل الدولة».

وشدد عمارة على «ضرورة أن يتحدث المسجد عن التربية وقضايا الأمة»، موضحا أن «أساس الوحدة والنهضة للأمة هو وحدة الثقافة والهوية، ونشر التشيع يجعل الأمة متفرقة ويقطع الطريق أمام النهضة والوحدة الإسلامية؛ حيث إن معركة المسجد كبيرة في تنقية الفكر الإسلامي من الخرافات والبدع».

وأكد الدكتور جمال عبد الستار، الأستاذ في جامعة الأزهر القائم بأعمال المنسق العام لنقابة الدعاة، أن «المؤتمر رسالة تفيد بأن نقابة الدعاة أصبحت واقعا ملموسا، ويجب على جميع العلماء والدعاة التعاون الحقيقي والاتحاد تحت رايتها، وإعداد مشاريع دعوية تسهم في بناء الدولة»، موضحا أن «النقابة تستقبل جميع الدعاة والعلماء من جميع التيارات الإسلامية، وليس ذلك مقصورا على خريجي الأزهر الشريف فحسب، في محاولة جادة لاستعادة هيبة الداعية إلى الخير».

وأضاف عبد الستار أن «نقابة الدعاة خطوة جديدة وطريق نوعي للدعاة ليحققوا السلم الاجتماعي في الأمة»، مؤكدا أنه إذا تكتل الدعاة وتوحدوا سيسود السلم الاجتماعي، لافتا إلى أن «النقابة لن تقتصر على رعاية شؤون الدعوة والدعاة؛ لكنها ستدافع عن حقوق الدعاة وتقوم بالتقريب بينهم ونبذ الخلاف والعمل على نشر الوسطية والاعتدال»، قائلا إن «الدعاة لم يكونوا يوما بمعزل عن الأحداث في البلاد».

وقال الشيخ عبد الخالق الشريف، مسؤول قسم النشر في تنظيم جماعة الإخوان المسلمين «لقد التقيت الإمام محمد الغزالي في أحلك ظروف الدعوة التي كانت تتعرض فيها للطعنات المسمومة من الداخل والخارج، فقال (أمة لا يكرم فيها العالم والمدرس والداعي أمة مهزومة)»، وتابع «يجب الاهتمام بالدعاة، لأنهم من يعالجون الأمة ويقربونها من الله».

وأضاف الشيخ سيد الغنيمي في كلمة الدعاة «النقابة كانت حلما وأملا؛ حيث عانى الدعاة في النظام السابق من إقصائهم للحيلولة دون إرشاد الناس للخير والارتقاء بأخلاقهم والنهوض بهم وتشويه الدعوة الإسلامية وعلمائها مما أضعف دورهم».

وطالب الدكتور محمد مختار المهدي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، رئيس الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة، الدعاة بأن «يقوموا بتطوير الخطاب الدعوي للتأثير على الأمة وإرشادها نحو الوسطية والاعتدال»، وتابع «على الدعاة أن يفهموا العلم بعد اتخاذ جميع وسائل القربى من الله حتى يكون علمهم مؤثرا وصانعا لميلاد جديد للأمة».

وقال جابر طايع، نائبا عن الدكتور عبد الفضيل القوصي وزير الأوقاف في مصر «الدعاة يحكمون العالم ومنارات الأمة وعقولها التي تفكر». وتابع «يسعى الجميع إليكم في المساجد، وأنتم على قدر من المسؤولية، حيث غيب الدعاة كثيرا عن الساحة بفعل فاعل عمدا، لأنكم عندما تحضرون، يحضر معكم الفكر الوسطي، وآن الأوان أن يعود الدعاة لصدارة الأمة وفى الصف الأول لحماية الإسلام الوسطي المعتدل». وهو نفس ما أكد عليه الشيخ فؤاد عبد العظيم وكيل وزارة الأوقاف لشؤون المساجد والقرآن الكريم، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «النقابة هي ضمان لحقوق وواجبات الدعاة، ولتوفير دعم مادي ومعنوي لهم، وحماية المنابر ممن يعتلونها لتشويه وسطية الإسلام، بالإضافة إلى تطوير الخطاب الدعوي».

وقال الشيخ هاني توفيق، وهو إمام بأوقاف القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «النقابة ضرورية للأئمة لتكون معبرة عن آرائهم وتلبي مطالبهم وتجمعهم تحت مظلة واحدة حتى نستطيع إنشاء إطار للأئمة والعمل على التنسيق في الحج والعمرة والابتعاث الخارجي».

وحذر الشيخ عبد الناصر بليح، عضو نقابة الدعاة «الأئمة من حدوث فرقة وشقاق بينهم»، مؤكدا أن مجلس إدارة النقابة تنتخبه الهيئة العامة، وهي الجمعية العمومية المؤلفة من الأئمة العاملين والمقيدين بوزارة الأوقاف والممارسين لمهنة الإمامة والخطابة وما عداهم من الدعاة، فهم منتسبون لا يحق لهم الترشح لمجلس الإدارة ولا التصويت في الانتخابات سوى مزاولة المهنة فقط.

وقال داود علي مصطفى، عضو رابطة علماء فلسطين «ما ننتظره من أهل مصر وعلمائها وأزهرها أن تكون قضية فلسطين وتحرير بيت المقدس هي القضية الأساسية في قلبهم وعقلهم، لأن أهل فلسطين هم من بادروا إلى صياغة نشيد مصر (الله غايتنا والقرآن دستورنا والرسول قدوتنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا)، فرسخوا هذا الشعار على أرض فلسطين عمليا».