المجالس العلمية في أروقة جامع الأزهر تستعيد دورها التاريخي

أنشطة متنوعة ودروس مجانية للطلبة.. ويوم مفتوح للأسرة

TT

ضمن الصحوة الفكرية التي يشهدها جامع الأزهر، وفي إطار استعادة المؤسسة الأزهرية لدورها كنافذة من نوافذ الوسطية العقلانية والاستنارة في المجتمع، سارع الأزهر إلى إحياء المجالس العلمية، التي صاحبت إنشاء الجامع المهيب منذ نشأته، وكانت بمثابة جامعات مصغرة لتحصيل العلم في شتى دروب الفقه والمعرفة الإنسانية.

ففي إطار هذا المشهد وبعد فراغ إمام جامع الأزهر من صلاة الظهر هرع عظيم حليم، وهو طالب إندونيسي يدرس بالأزهر، ليحجز له مكانا في «رواق المغاربة» بالجامع، الذي امتلأ عن آخره بطلاب الدراسات الحرة من الوافدين للدراسة بالأزهر وغيرهم ممن يداومون على حضور الدروس العلمية في أروقة الأزهر.

جلس حليم كغيره منصتا يستمع إلى الشيخ إبراهيم مالي وهو يشرح أصول اللغة العربية، وبعد انتهاء الشيخ من الشرح، التحق وسط جنسيات متعددة بـ«رواق الأتراك»، ليحضر درس الشيخ سيد شلتوت، حيث يشرح في الفقه الشافعي.

وبين أروقة الأزهر المتعددة، يظل حليم يتنقل لينهل من الدراسات الحرة المجانية التي وفرتها إدارة الجامع للطلاب العرب والأجانب وغيرهم من مريدي جامع الأزهر من كل الطبقات والفئات، ضمن خطتها لتطوير الدروس الدينية بأروقة المسجد بهدف إعادته إلى سابق عهده منبرا للعلوم الدينية الوسطية لكل دول العالم.

يقول الشيخ زكريا محمد مرزوق، إمام الجامع الأزهر، عن الفكرة: «الأزهر منارة العلم، وبيته، فمن هذا المكان انتشرت الوسطية والاعتدال، فهو بيت الوسطية، وهو بيت العلم الأول، ينهل منه الطلاب والعلماء في كل عصر من العصور.. هذا في البداية، ولقد أتم الله هذا حينما جاءت الفكرة المباركة بداية من الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، ومفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة، والدكتور محمد عبد الفضيل القوصي وزير الأوقاف، وغيرهم، وذلك بجعل أروقة الأزهر التي تم إخلاؤها من سكن الطلبة قبل ترميم المسجد سنة 1992، تزاول نشاط الدراسات الحرة، هذه الدراسات التي تبين صحيح الفكر من سقيمه، وتقوِّم المعوج، وتوضح المنهج الإسلامي السليم دون تعصب لمذهب».

وأضاف أن هذه الدروس يتم تقديمها بعد كل الصلوات على مدار اليوم بالمجان كما كان حال الأزهر منذ مئات السنين، وأن الأساتذة والشيوخ الذين يحاضرون بالأروقة تم اختيارهم على أعلى مستوى ووفق ضوابط وشروط محددة، وزاد قائلا «هذه الأروقة - والحمد لله - يقوم على التدريس فيها عدد من كبار العلماء، وفي مقدمتهم أئمة المسلمين أمثال الدكتور الطيب والدكتور جمعة والدكتور القوصي، إضافة إلى نخبة من كبار رجال الفكر أمثال الدكتور حسن الشافعي مستشار شيخ الأزهر، والدكتور جمال فاروق جبريل أستاذ العقيدة في كلية الدعوة بجامعة الأزهر».

وعن مدى تفاعل الطلاب مع هذه المجالس، قال الشيخ مرزوق «نرى إقبالا - والحمد لله - على هذه الأروقة، وشغفا من طلبة العلم على الاستماع والمدارسة والسؤال عما يعن لهم من أمور».

وحول الأثر الملموس لهذه الدروس والفعاليات العلمية المقامة بالأروقة على الدارسين، قال: «لا شك في أن الذي سيدرس الفكر الوسطي سيؤثر ذلك على سلوكه ومجتمعه، فيخرج إلى العالم بهذا الفكر المعتدل الصحيح، وهذا ينعكس بقوة في تهافت الطلاب وإقبالهم على هذه الدروس كما ينعكس في الكثير من تساؤلاتهم التي تنم عن شغف ووعي بتلقي المعرفة من مظانها الحقيقية الصحيحة».

وبالنسبة للحضور، أوضح أنهم «من جميع أنحاء العالم، وإن كنت أرى أن هناك عددا كبيرا من الطلبة الماليزيين والإندونيسيين والأفارقة. وبلاد شرق آسيا وبنغلاديش، إضافة إلى دارسي القرآن الكريم وعلومه وعلوم الحديث»، مبينا أن هناك فعاليات أخرى تقام بالأروقة، إذ «اهتمت أروقة الأزهر بعمل دورات صيفية لأبناء الحي في الإجازة الصيفية، كما اهتمت أيضا برعاية الأسرة المسلمة بأكملها، فهناك يوم أطلق عليه اليوم المفتوح، فتأتي الأسرة بأكملها يوم الجمعة تستمع إلى الخطبة ثم تدخل النساء إلى الأروقة ومعهن من يعلمونهن، وكذلك الرجال، ويؤخذ الأطفال لشرح قصص الأنبياء بطريقة سهلة ميسورة في هذا اليوم، ويتكرر هذا تباعا»، وذلك من أجل إعلاء القيم الأخلاقية والتدين الصحيح البعيد عن الإفراط والتفريط والتشدد، كما تم تدشين صفحة على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، حسب الشيخ مرزوق، «لنشر هذه الدروس عليها، وذلك ضمن أي نشاط يكون في الأزهر».

وتقول ناهد طه، وهي إحدى المواظبات على حضور «اليوم المفتوح»: «حضرنا (اليوم المفتوح) في الأزهر وكان يوما رائعا، وأعجبني وجود الأسرة كلها في مكان واحد، كما أعجبني كثيرا درس فقه العبادات، بأسلوبه الواضح والسهل، وقد تعلمت في الأزهر على أيدي مشايخ فاهمين، وأعجبني أكثر الأسئلة التي تطرح بعد الدرس، كانت متنوعة، فأول مرة أسمع هذه الأسئلة، وكانت الإجابات واضحة، وأكثر من هذا أن الأولاد كانوا يحفظون القرآن والأحاديث، ورسموا ولوّنوا ولعبوا وكانوا في غاية الانبساط، ولذلك أنا سأواظب على الحضور كل يوم جمعة».

يشار إلى أن هذه الأروقة نشأت منذ أن صبغت الأزهر الصبغة الجامعية، وأصبح له طلاب جامعيون يقيمون بجواره ويطلق عليهم «المجاورون»، وكان لكل بلد داخل مصر وخارجها رواق يقيم به أبناء هذا البلد، حتى بلغ عدد الأروقة في أوائل القرن الرابع عشر الهجري 29 رواقا، تنقسم إلى قسمين؛ الأول الأروقة المصرية وعددها ستة، هي: رواق الصعايدة، ورواق الشرقاوية، ورواق البحيرة، ورواق الفيومية، ورواق الشنوانية، ورواق الفشنية.

أما القسم الثاني فيضم أروقة الأساتذة والطلاب الوافدين على الأزهر، وأهمها رواق المغاربة ويقع في شرق الجامع، ورواق الأتراك ويضم الأتراك ومسلمي الأقطار الأوروبية، ورواق الشوام، ورواق السفارية لأبناء السودان، ورواق الحديث للأحباش ومن يجاورهم، ورواق البرناوية لأبناء النيجر وما يجاورها غربا، ورواق صليح لأبناء تشاد، ورواق البرابرة، ورواق جنوب أفريقيا، ورواق الحرمين الشريفين، ورواق اليمنية، ورواق البغدادية لأبناء العراق وإيران ومن يجاورهم، ورواق الهند، ورواق الباكستان، ورواق الأفغان، ورواق إندونيسيا وما يجاورها من الجزر والبلاد الإسلامية، ورواق الصين.

وكان من أشهر المحاضرين بهذه الأروقة الشيخ عماد عفت، الذي استشهد في أحداث اشتباكات مجلس الوزراء التي وقعت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بالعاصمة القاهرة بين المتظاهرين وأجهزة الأمن، والذي تم إطلاق اسمه على أحد الأروقة تخليدا لذكراه.