أبيت اللعن

صالح المغامسي

TT

مع استصحابنا للأصل العظيم أن الجهاد ماض إلى قيام الساعة، إلا أننا ندرك أن هذه الحقبة من التاريخ الصراع فيها صراع ثقافات لا صراع مدرعات.

والإسلام والنصرانية قطبا هذا الصراع ورحاه، وحاجة أهل الإسلام إلى أن يعرفوا عظمة دينهم المتمثلة في يسره وسماحته أولى الطرائق التي تعينهم على أن يبلغوه كما هو، فإن تم ذلك فكفى بنوره أن يسود وبسلطانه أن يغلب.

إن الناس خلقوا على فطرة سوية، وجبلهم ربهم على معرفته، فالدعوة إلى التوحيد دعوة إلى الفطرة، فلا تأبه إلى نفس شقيت وسريرة عميت، فكل أحد ليس على تلك الفطرة يجد في نفسه، شاء أم أبى، نزاعا لا يجد له حلا، وضنكا لا يجد له سعة، وإن تخلق بغير ذلك دهره كله.

وهذا الصراع الذي يشهد العالم أوراه اليوم، ما زال أئمة الإسلام وعلماؤه لم يبلغوا فيه المراد ولم يدرك كثير منهم كيف يدار، ومن المؤسف أن الصوت الإسلامي الغالب اليوم في ديار الإسلام هو الصوت الأعلى لا الصوت الأعمق.

انشغل فئام من الأمة بما كان بين الأجداد من صراعات، فجعلوا من أنفسهم حكاما بل تجاوز بعضهم الأمر إلى أن أضحى بعضهم يتكلم عنها وكأنها لم تضع أوزارها بعد، فهو جند في إحدى الطوائف وقائد في بعض الكتائب، ولن يصل هؤلاء إلى غاية، ولن يكون بهم نصر للإسلام وعز لأهله.

فنحن مؤتمون شرعا عما نحن فيه لا عمن سكنوا القبور، أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا.

نعم - ليس الأمر على إطلاقه في الترك والضرب عنه صفحا، لكنه كذلك ليس على إطلاقه في أن نركب أسنته ولججه بلا بينة ولا برهان.

وطائفة ظنت أن الإغراق في مسائل الفقه الفرعية وفناء الأعمار في الترجيحات الجزئية، وتدوين الصفحات لإبطال قول لا يتجاوز سطرا في مسألة ليس فيها نص قاطع ولا إجماع سابق، يظنون ذلك هو حقيقة العلم وثمرته، مع أن الأمر أيسر من ذلك وأهون، ولو شاء الله أن يفصل فيه لكان ذلكم الفصل (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)، قال أحد علماء شنقيط:

وعلماء الضيق صنفوا على عكس الذي به النبي أرسلا وحقيقة العلم كما قال مالك رحمه الله (نور يضعه الله في قلب من يشاء).

وطائفة قرأت المبشرات من الأحاديث والآيات قراءة من يريد أن يعطل السنن وينفي الأسباب، فمنهم من يستعجل كل غيب موعود، ولم يعلم أن الله لا يعجل لعجلة أحد من خلقه، وآخرون منهم طال رقادهم قائلين علام نجري لشيء سيأتي، وكلٌ أخطأ الطريق وأبعد النجعة.

وطائفة ما عرفوا قدر ما يحملونه من العلم، فمنهم من أخلد إلى الأرض يبتغي بدينه عرضا من الدنيا، وأحمق منهم من باع دينه لدنيا غيره.

وآخرون ضربوا عن ذلك كله صفحا فعمدوا إلى ملتقى الغانيات ومجامع الشرب وأندية القمار يمسون فيها ويصبحون وقد قيل:

شتان من همه كأس وغانية ومن همه القمة الشماء يحميها وثمة آخرون تبع لكل طائفة من هؤلاء لا يدري أحدهم بأي واد هلك، عليه فإن الحاجة إلى أن يدرك أهل الإسلام عظيم رسالتهم حاجة يقدم عليها كل مطلوب ومرغوب، حتى يكونوا قادرين على إبلاغها، وعندها تتضح المحجة وتقوم الحجة.

أبيت اللعن ما أدركت ديني ولو أدركته لرأيت دينا فكم يعزى إلى الإسلام ذنب وكل الذنب ذنب المسلمين