الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي لـ «الشرق الأوسط» : زيارة القدس شأن يتعلق بالدول الأعضاء

الفقهاء والسياسيون يختلفون حول زيارتها.. وأوغلي لا يعجبه «الحال»

زيارة المسجد الأقصى تثير جدلا بين علماء المسلمين («الشرق الأوسط»)
TT

ظلت القضية الفلسطينية، وتحديدا بيت المقدس، ولما يقارب 50 عاما، ملفا غنيا بغزوات الاحتراب الفقهي والسياسي والفكري، وأداة ناجحة لنزع الولاءات الإيمانية أو السياسية. وأذكر بدعوة محمود عباس الرئيس الفلسطيني في مؤتمر الدوحة الأخير للمسلمين والمسيحيين ومناصري الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة لزيارة القدس، وما لحقها من تبعات سياسية ودينية من قبل مناوئي حركة فتح الفلسطينية، وبالأخص عقب تدخل يوسف القرضاوي، بتحريمه زيارة بيت المقدس.

الجدل الذي صاحب فتوى «هجرة أهل فلسطين» للشيخ الألباني، حين أفتى بوجوب خروج الفلسطينيين إلى أرض يتمكنون من القيام بشعائرهم فيها، لتتزاحم حينها الكتابات والمؤلفات الشرعية تارة منافحة عن فتوى الألباني، كان على صدارتهم الشيخ محمد إبراهيم شقرة، وتارة أخرى رافضة ومحرمة لفتوى الألباني معتبرة ما صدر عنه (زلة لسان)، كان من بين صفوفهم رئيس رابطة علماء فلسطين، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بمصر، وعميد الشريعة بالجامعة الأميركية وعضو فقهاء الشريعة بأميركا.

وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) قد دعا في كلمته أمام مؤتمر القدس الدولي الذي عقد بالدوحة المسلمين والعرب إلى زيارة القدس والمسجد الأقصى، فيما رفضت حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة تلك الدعوة واعتبرتها بمثابة اعتراف بإسرائيل ودعوة للتطبيع معها، أصدر عقبها الشيخ يوسف القرضاوي فتوى تحرم على غير الفلسطينيين زيارة القدس والمسجد الأقصى ما دامت تحت الاحتلال الإسرائيلي، وهي الفتوى التي رفضها محمود الهباش، وزير الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطيني، والشيخ محمد حسين، مفتى القدس والديار الفلسطينية.

دعوة الرئيس الفلسطيني الأخيرة، أثارت من جديد الخلاف من بوابة فقه المصالح دعما لتوجهات سياسية وأخرى لمكاسب دينية، على الرغم من مضي 30 عاما على ضم القدس، وأكثر من 45 عاما على احتلالها، لتطال المراقبين وأصحاب القضية بالتحديد الحيرة بشأن زيارة القدس التي باتت حينا قضية دينية تناقش من جانب سياسي، ومن أبعاد دينية، بعد أن بدأ لسان حالهم يتساءل حول حقيقة دوافع الأطراف المؤيدة والرافضة، بشأن شد الرحال إلى القدس، التي ذكرت على لسان رئيس السلطة الفلسطينية، بعد أن سكت عنها دهورا، ورفضتها حركته أثناء زيارة أنور السادات للقدس، عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد.

إلى جانب التساؤل بشأن ماهية المبررات الفقهية التي التمسها القرضاوي في رفضه لدعوة عباس، التي كانت في نظر المناوئين بحثا عن مصلحة سياسية وتحركا براغماتيا في خطوة للاستفادة من وهج الصعود الإخواني فيما يسمى بدول الربيع العربي.

بعدا القضية السياسي والديني اللذان لم ينفصلا طوال تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي تمثل أيضا في صورة رسمية عبر منظمة التعاون الإسلامية، التي تجمع سبعا وخمسين دولة، وهي منظمة دولية ذات عضوية دائمة في الأمم المتحدة.

إلا أن المنظمة التي تم تأسيسها في الرباط 1969، عقب شهر واحد من حريق مسجد الأقصى في العام ذاته، واختيار جدة مقرا مؤقتا للمنظمة، بانتظار تحرير القدس، حيث سيكون مقرها الدائم، آثرت البقاء على الحياد بشأن الجدل الذي خلفته دعوة رئيس السلطة الفلسطينية بخصوص زيارة غير الفلسطينيين عربا ومسلمين للقدس، فبحسب ما صرح به الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلي، أمين عام منظمة التعاون الإسلامي لـ«الشرق الأوسط»، فإن مسألة زيارة القدس أمر يتعلق بحسبه بالدول الأعضاء، وهو بطبيعة الحال «أمر سيادي»، مشيرا إلى أن هناك دولا أعضاء بالمنظمة لديها علاقات مع إسرائيل، وتسمح لمواطنيها بزيارة القدس، إلى جانب دول أخرى لا تقيم علاقات مع إسرائيل ولا تسمح بذلك.

وشدد أوغلي على أن المهم من وجهة نظره يكمن في كيفية دعم صمود المقدسيين وبقائهم في المدينة، أما من لا يستطيع الزيارة فقال: «يمكنه أن يقدم لأهلها ومؤسساتها الدعم اللازم»، منوها بأهمية دعم القدس بكل الوسائل الممكنة لما تتعرض له من انتهاكات خطيرة تستهدف تهويدها.

ونوه أمين عام منظمة التعاون الإسلامي بالاتفاق المشترك الذي جرى بينه وبين الرئيس محمود عباس في المؤتمر الدولي حول القدس، الذي عقد في الدوحة أواخر فبراير (شباط) الماضي، بضرورة العمل معا لدعم الخطة الاستراتيجية لتنمية القطاعات الحيوية في القدس، وهي الخطة التي كان قد تبناها مؤتمر وزراء الخارجية الإسلامي في دوشنبه 2010، مؤكدا مباشرة المنظمة العمل لحشد الجهود لذلك.

وقال أوغلي: «نحن في المنظمة لا نألو جهدا في تقديم الدعم للقدس»، مضيفا: «كذلك قد أرسلت وفدا للمنظمة إلى الفاتيكان، للحيلولة دون استكمال اتفاق مع إسرائيل يقضي بنقل الإشراف على المقدسات الكاثوليكية إلى إسرائيل، بما في ذلك الأراضي المحتلة، والقدس الشريف، وقد كان رد الفاتيكان إيجابيا بتأكيد دعمه لحل الدولتين، والتزامه بالاتفاقيات والقرارات الدولية المتعلقة بهذا الشأن».

وعودة إلى ما وقف عنده الأمين العام بدعوته للفاتيكان بعدم نقل الإشراف على المقدسات الكاثوليكية لإسرائيل، برزت مرة أخرى جدلية القضية الفلسطينية، التي لم تتمكن أبدا من أن تحقق إجماعا على مدى عصور، بداية منذ العهد الناصري ليصعد نجمها هذه المرة بين تيارات عروبية وقومية وماركسية وشيوعية، انتهت أن انقسمت فيما بينها بشأن القضية ذاتها، وحتى أفول نجم اليساريين في القضية الفلسطينية، صعد بسببهم الإسلاميون مرة أخرى بشعار القدس والمقدسات الإسلامية مع بداية الثورة الإيرانية، وصعود الإسلاميين وبروز التيارات الإسلامية، كان أبرزها تشكيل حركة حماس بنهاية الثمانينات، وخروج زعيم الحركة الروحي أحمد ياسين من السجن، وانتشاء الحركة بزعمائها الميدانيين قبل حملة الاغتيالات التي طالتهم، أمثال الرنتيسي، لتتشتت القضية الفلسطينية عقب هزيمة المشروع العربي إثر حرب 67، لينعكس هذا التشرذم على فلسطينيي الشتات والمهجر، ولم يتمكنوا من النأي بأنفسهم آيديولوجيا عما تمليه عليهم حواضنها في مختلف الدول العربية أو حتى اللاتينية، التي ما زال يشع فيها النجم اليساري.

ولتبقى قضية القدس وزيارة المقدسات لا تراوح مكانها، سوى عبر جوازات سفر مؤقتة فقط تستطيع هضم الختم الإسرائيلي بين أوراقها، بعد أن بقيت السبيل الوحيدة أمام المواطن العربي البسيط زيارة القدس تلصصا، لا تكلف سوى الإلقاء بحبر الختم عبر جسر المنفذ الحدودي طالما بقيت صناعة الورق الأكثر زهدا.