مصر: مشروع في البرلمان لإنشاء بيت مال للزكاة يثير جدلا دينيا

المؤيدون: يغلق الباب أمام استغلال العطاء الخيري.. والرافضون: لا يتناسب مع العصر الحديث

اللجنة الدينية في مجلس الشعب المصري (البرلمان) أثناء مناقشتها مشروع قرار بإنشاء هيئة مستقلة (بيت مال) للزكاة («الشرق الأوسط»)
TT

أثار قرار اللجنة الدينية في مجلس الشعب المصري بإنشاء هيئة مستقلة (بيت مال) للزكاة والعشور تقوم بجمع الأموال لتوجيهها إلى المشروعات الإنتاجية لمحاربة قضية الفقر، جدلا دينيا في مصر، حيث اعتبر بعض علماء الأزهر أن الفكرة هدفها طيب لغلق الباب أمام استغلال العطاء الخيري، كما أكدوا أنه يجب تشكيل هيئة من الأمناء مختارة بعناية لمباشرة أعمال بيت المال، فيما حذر علماء آخرون من إقامة مثل هذا المشروع كونه لا يتناسب مع طبيعة التطورات الاقتصادية والأنظمة المحاسبية الحالية، موضحين أن المصادر المالية التي كان يعتمد عليها بيت المال تتمثل في الغنيمة (وهو ما استولى عليه المسلمون من أموال العدو بالقوة)، والفيء (وهو المال الذي استولى عليه المسلمون دون حرب)، وهو الأمر الذي لا يوجد في عصرنا الحالي.

وكانت اللجنة الدينية في البرلمان المصري الذي يهيمن عليه تيار الإسلام السياسي، أوصت بتشكيل لجنة مصغرة لإعداد مشروع قانون، لإنشاء هيئة مستقلة للزكاة تقوم بجمع الأموال لتوجيهها إلى المشروعات الإنتاجية لمحاربة قضية الفقر، كبديل شرعي لمصلحة الضرائب، وشددت اللجنة على أن يكون أداء الزكاة من خلال الهيئة اختياريا دون إجبار لأحد على عكس الضرائب التي يتم جمعها من المواطنين. وقال النائب محمد طلعت عن حزب النور (السلفي) الذي تقدم بمقترح المشروع إن «بيت المال هو بداية حلم يراود التيار السلفي منذ فترة طويلة».

من جهته، قال الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر إن «الفكرة مطلوبة وهدفها طيب؛ لكن تبقى هناك تساؤلات: هل ستجمع كل أموال الزكاة من الأغنياء وتوزع على الفقراء؟ وهل سيتم توجيهها إلى اتجاهات استهلاكية أم إنتاجية؟ وما دور الدولة في المشروع؟ وهل ستشرف عليه أم سيكون مستقلا عنها؟».

وأكد الدكتور واصل أنه «يجب تشكيل هيئة من الأمناء مختارة بعناية لمباشرة أعمال بيت المال، على أن تكون مكونة من رجال الدين والقانون شريطة ألا يتقاضوا أجرا»، موضحا أن «الإسلام لا يمنع الضريبة لكونها من أسس الدولة وتلي الزكاة في أهميتها»، مشيرا إلى أن «دار الإفتاء تقدمت بمشروع مشابه عام 1997، وكان الدكتور كمال الجنزوري حينها رئيسا للوزراء، وتم اعتراض المشروع وإجهاضه من قبل مجلس الشعب والوزراء».

وقال الدكتور محمد أبو سالم رئيس قسم أصول الفقه في كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر إن «هذا الكلام نظريا جيد؛ لكن من الناحية التطبيقية إذا دخلت هذه الأموال في حيازة الحكومة ستكون مدعاة لضياع جزء كبير من أموال الزكاة عن مستحقيها؛ إلا إذا قام على هذا البيت مجموعة مختارة بمواصفات خاصة تحت ريادة الأزهر لضمان وصول أموال الزكاة إلى مصادرها الشرعية».

في المقابل، طالب الدكتور سيف قزامل عميد كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، بضرورة تفعيل قانون الزكاة أفضل من هذا المشروع، قائلا: «هناك كثير ممن يملكون المال ولا يعرفون مصادر الزكاة ولا القدر الواجب إخراجه ولا من يستحقه تماما فقد يعطي لقريب له وهو غير محتاج».

وأضاف الدكتور قزامل أن «الكويت أعدت قانونا للزكاة من خلال خبراء من الدول الإسلامية من الممكن الاستفادة منه حتى نقفل الباب على من يستغل العطاء الخيري لأسر معينة ويستغل ذلك استغلالا سياسيا بعيدا عن الإسلام»، موضحا أن «من هنا تأتي أهمية قيام ولي الأمر بالإشراف على جمع الزكاة وإعطائها لمستحقيها، خاصة بعد التقدم العلمي الكبير الذي ساهم في معرفة حالة الشخص الاجتماعية وسهل حصر المستفيدين من الزكاة من الفقراء والغارمين والمساكين، بالإضافة لفتح الباب أمام تشغيل عدد كبير من الشباب ويأخذون رواتبهم من مال الزكاة، لأنهم من العاملين عليها على أن تتولى ذلك جهة واحدة في الدولة منعا للتضارب بحيث تعطي للمحتاج ما يكفله اجتماعيا وماديا وأدبيا».

وأوضح الدكتور قزامل أن «القرآن الكريم والسنة النبوية وضعا إعجازا تشريعيا في تحديد قيمة الزكاة وأنصبتها ومن يستحقها، بما يحقق التكامل الاجتماعي بين طبقات المجتمع ولو استغلت استغلالا جيدا لغطت الجانب الاقتصادي في المجتمع؛ بل ربما يأتي وقت ولا نجد فقيرا يأخذ الزكاة».

بينما يرى الدكتور علي نجار الأستاذ في كلية الشريعة جامعة الأزهر أن «مشروع القانون لا يتناسب مع طبيعة العصر والتطورات الاقتصادية والأنظمة المحاسبية في الدول الإسلامية»، قائلا: «لا جدوى من إنشائه»، مضيفا: «مصر لها خصوصية ومجتمع مفتوح به المسلمون وغير المسلمين، قد يؤدي إنشاء بيت المال إلى تمايز طائفي في المجتمع»، أما القول ببطلان تحصيل الضرائب ومخالفتها للشرع، فيقول: «أجمع الفقهاء على أن ولي الأمر أو من يفوضه من حقه أن يفرض على الناس ما يسد الحاجة في خزانة الدولة، ووفقا لنصوص الشريعة الإسلامية تفرض الضرائب على الأغنياء ولا تفرض على الفقراء».

ويتفق مع الرأي السابق، الدكتور شوقي عبد التواب الأستاذ في جامعة الأزهر، ويقول إن «المصادر المالية التي كان يعتمد عليها بيت المال والمتمثلة في الغنيمة والفيء، لا توجد في عصرنا الحالي، لأنه لا توجد حروب بين الدول الإسلامية وغير الإسلامية الآن، أما العشور والخراج فإنها مطبقة في الوقت الحاضر من خلال العوائد والضريبة على الأراضي الزراعية، وتقوم الدولة ممثلة في وزارة المالية بتحصيلها لمصلحة الخزانة العامة للدولة».

وأكد عبد التواب أن «المطالبة بعودة بيت المال فيها صعوبة كبيرة نظرا لتغير الزمان والنظم المالية»، مضيفا أنه «لا مانع شرعا من استخدام أسماء أخرى مثل بنك المال أو مصلحة الضرائب، ما دامت تحقق مضمون المبدأ الإسلامي الذي يتأسي في نظامه على العدالة، سواء في التحصيل أو توزيع المال في وجوهه المختلفة، وطبقا للقاعدة المقررة التي تقول العبرة في العقود للمقاصد والمعاني وليس للألفاظ والمباني، فالهدف هو الجوهر والمضمون وليس الاسم والشكل، فليس ضروريا أن نستخدم مصطلح بيت المال ونهدم النظام القائم برمته اعتمادا على التمسك بأسماء كانت تتناسب مع العصور السابقة».

وكان شيخ الأزهر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي قد اعترض على إصدار قانون لتجميع وصرف الزكاة في مصر في يناير (كانون الثاني) عام 2002، وقال طنطاوي حينها إن «الأزهر يبث يوميا إعلانا في التلفزيون الرسمي للدولة لتجميع الزكاة»، موضحا أن «الإسلام أعطى الحرية لكل مسلم لإنفاق زكاته في الوجه الذي يراه».. وكان الدكتور طنطاوي يرى عدم إصدار قانون للزكاة، لأن إجبار الناس على دفع الزكاة الشرعية سيؤدي إلى تهربهم منها، بسبب اتهاماتهم للدولة بعدم إنفاقها في الأوجه الشرعية. كما رفض مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر قبل عشر سنوات، فكرة إصدار تشريع خاص لجمع الزكاة بواسطة الدولة المصرية، وأنه يحق لمن يؤدون زكاة أموالهم أن يختاروا الجهة التي تتولى إنفاقها على مستحقيها، ومن أراد أن يؤديها لخزانة الدولة باختياره فلا حرج عليه.

ومن جانبه، قال الدكتور سالم توفيق الأستاذ في جامعة الأزهر إنه «لا يجوز إلغاء مصلحة الضرائب، فهي لا تتعارض مع أصول وقواعد النظام المالي في الإسلام، وخاصة إذا كانت هذه الضرائب عادلة لأنها توفر موارد للدولة للقيام بالمرافق الأساسية»، ويرى توفيق أنه من الأولويات بجانب إقامة نظام ضريبي عادل ومتطور لتحقيق تلك الأهداف السابقة، ينبغي الأخذ بنظام الزكاة والتي توجه حصيلتها إلى المصارف الثمانية المذكورة في القرآن. ويقول تعالى: «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم».

وقال الدكتور توفيق إن «غرض الزكاة الأول هو توفير حد الكفاية لكل فقير في المجتمع وضمان التكافل الاجتماعي الشامل لكل فرد في المجتمع، وبذلك يكون لدينا نظام مالي يجمع بين الضرائب العادلة الحديثة كمورد للإنفاق على رأس المال الاجتماعي والمرافق الأساسية اللازمة للنهوض الاقتصادي ونظام الزكاة الذي يضمن توفير الحياة الكريمة لغير القادرين، ومن إيجابيات نظام الضرائب الحديث أنه لا يفرضه الحاكم أو رئيس الدولة، وإنما يكون بتشريع من الأمة ممثلة في نوابها.