عامر بن الظرب

صالح المغامسي

TT

مما أثر عن عامر بن الظرب العدواني حكيم العرب قوله: «دعوا الرأي حتى يختمر وإياكم والرأي الفطير». إن كثيرا من القضايا اليوم الشرعية والاقتصادية والسياسية، تحتاج عند الفصل فيها وإبداء الرأي حولها، إلى مزيد من التأمل وكثير من الاستقراء، وبحث علمي مستفيض، ومع ذلك نرى في أنفسنا معشر العرب إلا قليلا، جرأة في إبداء الرأي، ومسارعة إلى الحكم، وأحيانا نشعر بعضنا بأنه يمكن له أن يكون إماما في كل محفل، ومتحدثا في كل شأن.

ومن هنا يتسع الجدل وتعظم الفرقة وتتخبط الأمة، قال الإمام الغزالي رحمه الله: «لو سكت من لا يعرف لسقط الخلاف».

لقد عرفت قصائد زهير بن أبي سلمى بالحوليات، لشدة عنايته بها تنقيحا وتهذيبا حتى تخرج للناس أحسن ما تكون.

ولهذا ما زال الناس ينتفعون إلى اليوم بما دونه من حكم، وما ضربه من أمثال، لكن فتنة الإعلام المرئي والمقروء والمسموع، فتنت سوادا عظيما من أهل الرأي وصدرت بعض من لا يملك آلة العلم ولا سلامة الفهم.

إن البحث العلمي القائم على أن يكون المؤمن بعده أسير الحق، هو أشد وطئا وأهدى سبيلا.

ومن تأمل في فتاوى الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، وفي تفسير سماحة الأستاذ الطاهر بن عاشور، وفي دراسات الأستاذ الشيخ مصطفى الزرقا رحمهم الله جميعا، وجد عناية هؤلاء الأكابر بالبحث العلمي الرصين الجاد، وليس لزاما أن نوافقهم في كل ما خلصوا إليه وأفتوا به، لكننا نكبر فيهم هذه الروح العلمية الأبية، لكن الشأن الذي يبعث الأسى حال بعضنا على الشاشات، قال مالك رحمه الله: «من أجاب عن كل ما سئل عنه فهو مجنون».

وكما بدأنا الحديث عن عامر بن الظرب سنختم بقصة له، قال الرواة: «قدم على عامر وفد من العرب يحتكمون إليه، فقالوا يا عامر وجد بيننا شخص له آلتان، آلة للذكر وآلة للأنثى، ونريد أن نورثه، فهل نحكم له على أنه أنثى أو نحكم له على أنه ذكر؟ فمكث عامر أربعين يوما لا يجيبهم، حتى دلته جارية له ترعى غنمه، فقالت يا عامر أتبع الحكم المدال»، أي إن كان هذا الشخص يبول من آلة الذكر فاحكم عليه على أنه ذكر، وإن كان يبول من آلة الأنثى فاحكم عليه على أنه أنثى، فأثنى على جاريته وأخبر الناس.

قال الإمام الأوزاعي رحمه الله معقبا على هذه القصة: «هذا رجل مشرك لا يرجو جنة ولا يخاف نارا ويتوقف في مسألة أربعين يوما حتى يفتي فيها، فكيف بمن يرجو الجنة ويخاف النار ويعلم أنه ملاقي الله؟!».

وأقول كما قالت الملائكة بين يدي ربها: «سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ».