المرزوقي لـ«الشرق الأوسط»: هدفنا الحفاظ على هويتنا الإسلامية لا سيما على مستوى الجيل الثاني

رئيس المركز الإسلامي بمونتريال: الدخول في الإسلام لم يعد حالات معزولة

محمد الحبيب المرزوقي رئيس المركز الإسلامي في مونتريال («الشرق الأوسط») و جانب من فعاليات العمل الإسلامي في كندا
TT

وصل الداعية التونسي محمد الحبيب المرزوقي إلى مونتريال في كندا منذ 20 عاما، وتولى رئاسة المركز الإسلامي منذ وصوله إلى المدينة أي في أبريل (نيسان) عام 1992. وفي زيارته الأخيرة لتونس التقته «الشرق الأوسط» ليحدثنا عن واقع وتحديات الوجود الإسلامي في مونتريال، فقال: «يعتبر المركز الإسلامي رافدا من روافد الدعوة الإسلامية في مونتريال، تأسس عام 1980، وكان مقره مستأجرا، ولكنه - والحمد لله - الآن ملك الجالية الإسلامية، وهو صرح ضخم يتكون من 3 طوابق».

وتابع: «منذ 20 سنة وأنا أتولى رئاسة المركز وإمامة المسجد وإدارته، مع مجموعة من الإخوة الأفاضل من أبناء الجالية». وعن التطورات الحاصلة على المجتمع الإسلامي داخل كندا أفاد بأنه «حصل تطور على مستويين، الأول على مستوى الجالية العربية المسلمة والهدف الكبير والأعظم وهو صيرورة الحفاظ على هوية أبناء الجالية المسلمة والأجيال المتعاقبة، والمستوى الثاني إتاحة الفرصة للقيام بالأنشطة الثقافية والاجتماعية التي تغذي هذه الهوية وتروي ينابيعها لدى الجيل الثاني من أبناء الجالية، لا سيما الذين ولدوا في كندا وهذه مهمة كبيرة جدا، وهي تربية الأبناء والإحاطة باحتياجاتهم الروحية والمادية وبناء شخصيتهم الإسلامية في وسط مغاير تحكمه طرق أخرى في الحياة تختلف عن السمت الإسلامي، وترك الأبناء للمحيط يولد مشكلات كثيرة». علاوة على ذلك «لدينا مهمة الحفاظ على الإخوة الجدد الذين دخلوا في الإسلام ووجدوا في المركز الإسلامي الحضن الودود والحنون، وهؤلاء يمثلون رافدا مهما للجالية العربية والدعوة الإسلامية في مونتريال بدءا بتفقيههم في أمور دينهم وإشراكهم في واجبات الدعوة إلى الله من خلال المركز والمؤسسات التابعة له».

وعن ظاهرة دخول الكنديين في الإسلام، كشف المرزوقي أنها «لم تعد حالات معزولة ولا حتى ظاهرة بل هي حالة يلمسها كل من يعيش في كندا، لا سيما في مونتريال وهي غير مقتصرة على النساء فقط، بل شملت الرجال والنساء وشرائح المجتمع المختلفة من مختلف الأعمار والمستويات الثقافية والاجتماعية، وضمن أدوار المركز رعاية المسلمين الجدد وهم من طبقات اجتماعية ومستويات تعليمية وعلمية متعددة، ففيهم الأستاذ الجامعي والطالب والرجل والمرأة والعامل، وهي مهمة كبيرة».

وحول زواج المسلمات العربيات بكنديين مسلمين، قال: «الزواج أصبح متعددا كما يتزوج الرجال المسلمون من النساء الكنديات هناك حالات زواج بنات الجالية العربية بكنديين مسلمين، فزواج المسلمة لا يكون سوى بمسلم».

وحول ما إذا كانت هناك نقائص على مستوى الكوادر، نفى المرزوقي ذلك، وقال: «كنا نشكو من قلة الأئمة والآن لدينا اكتفاء ذاتي والحمد لله، ولكننا في حاجة لزيارات من علماء من دول المشرق ومن المغرب يسهمون في الارتقاء بوعي أبناء المسلمين بضوابط الدين وحسن التعامل مع الآخرين».

وعن خريطة الوجود الإسلامي في كندا، شرح بأن «كندا تتكون من 10 مقاطعات 9 منها ناطقة بالإنجليزية والعاشرة ناطقة بالفرنسية، وهناك منطقتان ترابيتان تضمان السكان الأصليين وهم الهنود الحمر.. الوجود الإسلامي في كندا يفوق الـ2 في المائة، أي يتجاوز المليون نسمة، لكن الكثافة الديموغرافية تتمركز في مدينتين هما مدينة مونتريال التي يصل فيها تعداد المسلمين إلى أكثر من 300 ألف نسمة، وهذا الرقم لا يشمل أبناء المسلمين من أصول كندية، والمدينة الثانية تورونتو، في مقاطعة أنتاريو، إلى جانب الوجود الإسلامي في أوتاوا». وأردف: «المجلس الإسلامي موجود في كل المدن، ولكن الكثافة الديموغرافية للمسلمين في هذه المناطق كما سلف»، كما أن «المركز الإسلامي في مونتريال ليس المعلم الإسلامي الوحيد في المدينة فهناك 120 مركزا بمعنى 120 مسجدا، وهذا تقدم كبير تحقق خلال الـ20 عاما الماضية، فعندما وصلت إلى مونتريال لم يكن عدد المراكز الإسلامية (المساجد) يتعدى الـ13 مركزا، وهذا تطور كبير وإنجازات عظيمة على مستوى الجالية المسلمة بإمكانياتهم الذاتية». وأضاف أن «الخريطة متعددة من حيث المناطق التي يتحدر منها المسلمون فهم من مختلف أنحاء العالم، وإن كان سكان المغرب الكبير هم الأغلبية في مقاطعة الكيباك الناطقة بالفرنسية، وهناك إخوة من السودان ولبنان وسوريا والعراق وفلسطين ودول عربية أخرى، فأكثر من 80 في المائة من المغاربة».

وعن التحديات التي تواجه الجالية، قال المرزوقي: «هناك حزمة من القوانين نعتبرها في صالح الجالية، ولكن هناك نقطة ضعف تتمثل في عدم وعي الجالية، لا سيما الأنتيليجسيا أو النخبة المسلمة بهذا الأمر، بيد أن ذلك ليس على إطلاقه، فقد بدأ الباحثون المسلمون من شباب الجالية المسلمة في الجامعة بتقديم دراسات علمية عن واقع الجالية المسلمة والتحديات التي تواجهها ودورها في المجتمع الكندي».

إلى جانب تعلم اللغة العربية، إذ إن «هناك جهودا مبذولة وتؤتي أكلها، ولكننا نشعر بأن أبناء الجيل الثاني لا يتقنون اللغة العربية، كما يتقنون اللغة الفرنسية والإنجليزية، وهذا تحد كبير للمركز الإسلامي ولكل المراكز التابعة له في كندا، وهو يمثل نقطة ضعف يجب تلافيها بمساعدة المؤسسات الكبرى في البلاد العربية الإسلامية».

ودعا إلى تكوين المدارس، بعد مرحلة بناء المساجد والمراكز الإسلامية وتعميرها وتأطير المسلمين داخلها، وقال: «نحن نراهن على المدارس التي رمز إليها كثيرا فيلسوف الإسلام محمد إقبال في الكثير من أعماله وإشاراته المباشرة وغير المباشرة، واستغلها الفراعين من كل عصر ومصر في نشر آيديولوجياتهم المختلفة. وهدفنا تجذير الهوية العربية الإسلامية والحفاظ على الينابيع والجذور، وفي ذلك مساعدة وخدمة للمجتمع ككل، إذ إن هناك إقبالا في العالم على تعلم اللغة العربية للاستفادة منها في مراكز الدراسات والإعلام والدبلوماسية والشؤون السياسية والثقافية وغيرها».

وإذا كان ما هو موجود كافيا بالنسبة للمساجد فإن المرزوقي يشدد على أهمية بناء المدارس، قائلا: «يمكن القول إنه يمكن الاكتفاء بما هو موجود والزيادة فيها خير، ولكن النقص الحاصل في المدارس وعددها قليل وقليل جدا، فهي لا تتجاوز في الوقت الحالي الـ5 مدارس، وهذه المهمة وهذه الأهداف في حاجة إلى دعم المؤسسات المعنية بالتعليم على المستويين الشعبي والجمعياتي والمؤسساتي، أي المجتمع المدني والجهات الرسمية وشبه الرسمية، مثل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وبالطبع الجمعيات الخيرية المنتشرة في العالم ولم لا اليونيسكو ومنظمة الأمم المتحدة».

وأشار إلى أن الجالية لا تستغل كل طاقاتها، وقال: «هناك طاقات كبيرة غير مستغلة وإمكانيات غير منظمة، يمكن أن تستفيد منها الجالية». وعن المحيط قال المرزوقي: «هناك هوامش من (الإسلاموفوبيا) وليست ظاهرة، المجتمع الكندي مجتمع مهاجر ولا يمكن لأحد أن يدعي أنه صاحب الأرض، فإذا كان الإنجليز والفرنسيون هاجروا في القرن العاشر، فإن بقية الجاليات هاجرت في وقت لاحق والقضية مسألة توقيت والسبق لا يعطي أحقية مطلقة، لا سيما أن كندا ظلت كما توصف دائما أرض استقبال للمهاجرين. ومن ثوابت السياسات الكندية هي استقبال الهجرة، ولكن بعد ما جد من أحداث في العقد الماضي، بدأ تعطيل الهجرة المسلمة إلى كندا».