اختطاف الدبلوماسي السعودي من قبل «قاعدة» اليمن يعيد مشهد التحريم الديني

المغامسي لـ «الشرق الأوسط»: هذا العمل من المحرمات شرعا والمنبوذات شهامة وعرفا

TT

ظلت مسألة عمليات الاختطاف واحتجاز الرهائن ضمن أبجديات تنظيم القاعدة، التي عادت للخروج إلى الواجهة مرة أخرى عقب تبني تنظيم القاعدة عملية اختطاف نائب القنصل السعودي في عدن عبد الله الخالدي، الذي مضى على اختفائه 20 يوما - محل خلاف وسط أذرع التنظيم، وذلك لغياب أي من المسوغات الشرعية التي لطالما سعت لجان التنظيم الشرعية البحث عنها لتبرير اعتداءاتها كمسألة التمترس في العدو والاغتيالات، إذ كانت نظرية الاختطاف، التي يراها التنظيم وسيلة لتعزيز موقف التفاوض وإحدى وسائل الإرهاب التي بدأت تطفو منذ فترة على السطح، إحدى الأدبيات التي بدأت تستخدمها في جرائمها ضد الإنسانية، وعلى الرغم من تردي التنظيم في الآونة الأخيرة عبر تصدير شخصية «الشدوخي» المرتبكة، للإعلان عن اختطافه دبلوماسيا سعوديا، فإنها واصلت ذات النهج في التهديد بالقتل.

وبحسب المراقبين، فإن عملية الاختطاف لا تدل على عمل سياسي، وفق منهاج الحركات السياسية التحررية، وإنما يعد عملا إجراميا ينافي الأديان السماوية والدين الإسلامي بالذات، انطلاقا من الإفساد في الأرض وترويع الآمنين، ويصب في تكوين «فكر القاعدة» الجانح دائما إلى العدوان الإرهاب.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن سياسة الرهائن باختطاف الدبلوماسي السعودي في عدن مؤخرا، ليست سوى نتيجة لانحسار قوة التنظيم على المواجهة وانخفاض المستوى العسكري جراء الضربات المتلاحقة التي أطاحت بقيادات التنظيم في السعودية واليمن خلال السنوات الأخيرة.

ويقول الشيخ صالح المغامسي في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن الله حرم على المسلمين دماءهم وأعراضهم وأموالهم، وبين الرسول عليه الصلاة والسلام حرمة دماء المسلمين، مشيرا إلى أن ما قام به أفراد من الفئة الضالة مؤخرا من خطف للدبلوماسي السعودي هو معدود من المحرمات شرعا والمنبوذات شهامة وعرفا، مضيفا بقوله «مثل هذا التصرف يدل على أن هؤلاء النفر سقط في أيديهم ومحاولات يائسة هي في حقيقتها استمرار في السير في الطريق المظلم الذي مشت أقدامهم فيه منذ أن حملوا السيف على المسلمين، يتخذون من بعض الدول وليجة ومغارات لتكون مقرا لآثامهم ومنطلقا لشرورهم».

وقال المغامسي: «مثل هذا العمل باطل شرعا ساقط حالا، يزيد كل منصف مسلم قناعة بسوء صنيعهم وبطلان مقاصدهم».

ويشير لـ«الشرق الأوسط» عبد المنعم المشوح، المشرف العام على موقع «السكينة» الخاص بمحاورة أعضاء ومؤيدي تنظيم القاعدة عبر شبكة الإنترنت، إلى أن تنظيم القاعدة عانى في بداياته خطر الاختطاف لأعضائه من قبل العصابات بغرض الابتزاز المالي، وهو السبب الذي جعل تنظيم القاعدة بأفغانستان يبقي على رفضه استخدام خطف واحتجاز الرهائن في بداياته بغرض تقوية موقفه التفاوضي، حتى دخول الجماعات الانفصالية الحركية، التي كانت في بادئ الأمر من قبل المقاتلين بالشيشان، مستنكرا في الوقت ذاته لجوء تنظيم القاعدة باليمن إلى اختطاف دبلوماسي سعودي وأسره، بحسب دعوى أعضاء التنظيم دون أي معركة تذكر، الأمر الذي يعد منافاة للتعاليم الإسلامية.

وأضاف المشوح أن مكالمة الشدوخي إنما ألقت بظلال سلبية أكثر على التنظيم، وارتدت بصورة عكسية عليهم، وبالأخص بعد مطالبتهم بإطلاق السجينات وإرسالهم إلى اليمن، متسائلا عن الصفة الشرعية التي تخول التنظيم طلب تسليم نساء إليهم، وتجاهل الأحكام الشرعية التي أبرزها مسألة «المحرم» الشرعي ولي أمر المرأة من الرجال.

وينطلق الموقف الشرعي في مسألة الاختطاف إلى الارتكاز على فتاوى دينية أصيلة، إذ شهدت ساحة الإفتاء الشرعية السعودية عددا من الفتاوى الرسمية ومنذ وقت مبكر، لمعالجة الانحراف بالمفهوم الشرعي في مسألة احتجاز الرهائن واختطافهم منذ 1400، خلال اقتحام الحرم واحتجاز الرهائن من جماعة جهيمان، وحتى 1409 التي صدر فيها فتوى من هيئة كبار العلماء على خلفية أحداث تفجير جسر «محبس الجن» بمكة المكرمة، الذي قتل وجرح فيه عدد من الحجاج، أتت على أن المختطفين «قطاع طرق».

وقررت أعلى سلطة دينية في البلاد حينها، وبالإجماع، أن كل من ثبت شرعا أنه قام بعمل من أعمال التخريب والإفساد في الأرض التي تزعزع الأمن، بالاعتداء على النفس والممتلكات الخاصة أو العامة، ووصولا إلى ما ذكرته نسف الطائرات أو خطفها: فإن عقوبته القتل.

وأصدر عبد العزيز بن باز، مفتي عام السعودية في ذلك الحين، فتوى خاصة بشأن حكم اختطاف الطائرات وبني الإنسان، قائلا فيها: «فمن المعلوم لدى كل من له أدنى بصيرة أن اختطاف الطائرات، وبني الإنسان من السفارات وغيرها، من الجرائم العظيمة العالمية، التي يترتب عليها من المفاسد الكبيرة، حتى استند إلى إجماع العلماء بوضع الخاطفين ضمن باب حكم قطاع الطريق».

ومع تنامي موجة التطرف، سواء أكان بين الجاليات الإسلامية المهاجرة أو في المنطقة العربية والإسلامية وتبني عمليات خطف واحتجاز الرهائن، خرجت الكثير من الفتاوى الصادرة سواء عن دور إفتاء عربية أو غربية، أو اتحاد علماء المسلمين.

وخرج في سبتمبر (أيلول) 2004 الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ببيان حول الأحكام الشرعية المتعلقة بالاختطاف واتخاذ الرهائن، في خطوة لاستنكار اختطاف الصحافيين الفرنسيين ومطالبة بإطلاق سراحهم فوار.

وأفتى الاتحاد العالمي حينها بعدم جواز خطف أي إنسان في غير حالة الحرب الفعلية، لاعتباره أسير حرب لا يجوز قتله، وقال البيان إنه «من باب أولى لا يجوز خطف أشخاص إذا كانوا معارضين لمحاربتنا ومتعاطفين معنا كالصحافيين الفرنسيين».

ويعد إعلان تنظيم القاعدة، وللمرة الأولى، مسؤوليته عن اختطاف دبلوماسي سعودي، تحولا بارزا وتفتيتا للجان التنظيم القاعدي الشرعية، التي لطالما أجازت مسألة اختطاف واحتجاز الرهائن الأجانب تارة بذريعة اعتبارهم جواسيس أو مبشرين أو حتى صحافيين، حتى انتهت إلى اختطاف دبلوماسيين تصفهم الشريعة الإسلامية بـ«الرسل» التي حرمت حبسهم أو قتلهم.

فكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم «لا أحبس البرد» والمقصود به - الرسل - (رواه أبو داود، برقم:3 - 110، وصححه الألباني)، وكذلك قول ابن مسعود «مضت السنة أن الرسل لا تقتل» (رواه البيهقي برقم: 9 - 212).

ليخرج الشيخ المستشار فيصل مولوي، نائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، في 2007 بفتوى لتحريم خطف الرهائن واحتجازها سوى في حالة الحرب المعلنة والقائمة، مضيفا أنه وحتى في حالة قيام حرب معلنة فإن خطف الأعداء أو احتجازهم لا يجوز إذا كانوا من السفراء ومن في حكمهم، أو من المستأمنين أو من المقيمين بدول أخرى بينها وبين المسلمين معاهدات سلمية.

وأكد في فتواه أن جميع أحداث الخطف والاحتجاز للأعداء التي حدثت في عهد النبوة وقعت في حالة الحرب، وأن ما وقع منها أثناء معاهدات الصلح لم يقره الرسول الكريم، وأمر بإطلاق الأسرى.