الصوت المسلم.. هل يحسم انتخابات الرئاسة الأميركية؟

إميل أمين

TT

مع اقتراب نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية تعلو في الأفق علامة استفهام حول مسلمي الولايات المتحدة الأميركية واتجاهاتهم الانتخابية، لا سيما أن المشهد حتى الساعة يميل إلى صالح المرشح الديمقراطي أي الرئيس الأميركي باراك أوباما، وهو ميل يتعزز ربما بسبب عدم وجود منافس جمهوري له كاريزما موازية أو مقابلة، والمرشح الوحيد على الساحة من الجمهوريين، ميت رومني، تباعد معتقداته الدينية «المورمونية» كثيرا بينه وبين فكرة التصويت له من قبل المسلمين.

ما الذي يستدعي هذا الحديث المهم، الآن بالنسبة لمسلمي الولايات المتحدة الأميركية على وجه التحديد والتخصيص؟ حكما أنها الدراسة التي أعدها الباحث الأميركي «فريد سنزاي» من معهد «السياسة الاجتماعية والتفهم»، وهو مؤسسة بحثية مركزها واشنطن، وتركز على قضايا المسلمين، وقد جذب عنوانها كافة المشتغلين والمهتمين بشأن الحضور الإسلامي في الولايات المتحدة الأميركية إذ أشار إلى إن «الصوت المسلم قد يحسم هوية الرئيس أميركا المقبل».. ما الذي أشارت إليه الدراسة بنوع من التفصيل؟ ينطلق سنزاي في قراءاته هذه من حالة عدم الوضوح أو الحسم التي تلف مشهد الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة، فخطوط الطول والعرض متقاربة بشكل واضح للغاية ومعنى هذا أن بضع مئات من الأصوات لا بضعة آلاف أو ملايين يمكنها بالفعل إن ترجح كفة أي مرشح في مواجهة الخصم.

هذا الحديث الموضوعي يستند إلى واقعة غير بعيدة في تاريخ انتخابات الرئاسة الأميركية ففي العالم 2000 انتهى الأمر لصالح المرشح الجمهوري جورج بوش الابن بفارق 537 صوتا فقط، أضاعت الفرصة على آل جور للوصول إلى سدة البيت الأبيض.

وبحسب الدراسة المشار إليها فإن المسلمين الأميركيين يمتلكون قاعدة انتخابية تصل إلى 23 ألف صوت، في حين تضم قوائم الناخبين في الولايات المتحدة 1.2 مليون ناخب مسلم، وتشير الدراسة إلى أن المسلمين الأكثر إقبالا على التصويت هم الأكثر التزاما على المستوى الديني لجهة ترددهم إلى المساجد.

والشاهد أن الكلام عن العلمية الانتخابية الرئاسية ودور مسلمي أميركا فيها، سواء فيما خص المهاجرين من دول عربية وإسلامية أو الأميركيين كجيل ثانٍ لأبناء مهاجرين إسلاميين، إضافة إلى الأميركيين الذين اعتنقوا الإسلام، ربما يقتضي تساؤلا حول عديد المسلمين في الولايات المتحدة الأميركية في بداية الأمر.

وفي بحثنا لمحاولة الوصول إلى أرقام رسمية نجد أنه وبحسب المصدر الرسمي للتعداد الأميركي الصالح حتى يوليو (تموز) 2012، فإن عدد سكان الولايات المتحدة الأميركية يبلغ نحو 313.465 مليون نسمة، ويمثل المسلمون بينهم نحو 0.6 في المائة.

على أنه يتوجب علينا الأخذ في عين الاعتبار حظر الإحصاء في الولايات المتحدة جمع معلومات عن الانتماءات الدينية، ولذلك لا توجد بيانات دقيقة عن حجم المجتمع المسلم. غير أن دراسة أخرى قدمتها «جاسيكا رينالدي» من معهد بروكنجز منذ فترة ليست بعيدة أشارت إلى أن الأكثر قبولا في هذا السباق هو البيانات الواردة من مركز بيو للأبحاث، والتي تقدر وجود نحو 2.75 مليون مسلم في الولايات المتحدة، أكثر من 60 في المائة ممن تتراوح أعمارهم بين 18 سنة فأكثر مولودون في الخارج، وبذلك يشكل المسلمون أقل من 1 في المائة من سكان الولايات المتحدة، وهي نسبة تتفق والبيانات الرسمية الموجودة على موقع CIA - The World Factbook الشهير.

لمن صوت مسلمو أميركا في السابق ولمن سيصوتون عما قريب؟ وهل هم في الأصل مهتمون بالاشتغال بالعمل الانتخابي الرئاسي؟

واقع الحال يقودنا إلى الحديث عن حالة الجهود الحثيثة التي تبذلها وتقوم عليها مؤسسات إسلامية أميركية عديدة مثل مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية لترغيب المسلمين في المشاركة بالتصويت في الانتخابات الرئاسية القادمة وتفعيل مشاركتهم.

وفي هذا الصدد يقول «روبرت مكاو» منسق الشؤون الحكومية في «كير» إننا نطالب المسلمين بأداء مسؤوليتهم المدنية من خلال المشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة، والأمر لا يتوقف عند مجرد النصح والإرشاد بل يتخطاه إلى عملية ممنهجة لحملة عنوانها «التصويت الإسلامي»، تتضمن توفير دليل إرشادي للناخبين، وعرض أفلام مصورة لكيفية المشاركة، إضافة إلى الاهتمام بتحفيز الشاب دون الثلاثين على التفاعل السياسي الإيجابي.

هل لدراسة «سنزاي» نصيب من الصحة لجهة فكرة أصوات المسلمين وإمكانية ترجيحها كفة على الأخرى انطلاقا من الانتشار الديموغرافي للمسلمين في ولايات أميركا المختلفة؟ يبدو أن ذلك صحيح بالفعل وخاصة في ولايات بها وجود إسلامي واضح مثل بنسلفانيا وميتشيغن وفيرجينيا، وهي ولايات ساخنة، ويمكن للأصوات العرقية فيها أن تحسم نتائجها، أضف إلى ذلك أن هناك وجودا إسلاميا بأعداد كافية لقلب التوازنات الانتخابية وتغيير دفة الرياح في ولايات أثبتت التجارب الانتخابية السابقة إمكانية فوز طرف على آخر بأعداد محدودة للغاية من الأصوات، مثل فلوريدا وأوهايو.

وللمسلمين في الولايات المتحدة الأميركية قصص مثيرة مع التوجهات الانتخابية وقد كان صاحب هذه السطور شاهدا عليها، ففي انتخابات عام 2000 حيث كان المرشح الجمهوري جورج بوش ونائبه ديك تشيني يتنافسان مع الثنائي الديمقراطي آل جور والمرشح لمنصب النائب على قائمته السيناتور الأميركي اليهودي جوزيف ليبرمان. في هذه الأثناء كان التوجه العام أو شبه العام لمسلمي أميركا أصليين ومهاجرين هو التصويت لجورج بوش، ربما عن غير حب فيه أو معرفة به وبأبعاده الإيديولوجية والعقائدية، ولكن خوفا من وجود نائب يهودي يصاحب آل جور، ويمكن أن يصبح رئيسا إذا ضربت الأقدار ضربتها واختفى آل جور من على ساحة الحياة لسبب أو لآخر أو إذا غيب عمدا، ليحكم يهودي أميركي لأول مرة.

ولعل «عبث الأقدار» ما جرى فيما بعد، المعاناة التي قاساها مسلمو أميركا، ولا يزالون من تبعات الرئيس السابق جورج بوش وقوانينه العنصرية ومواقفه الفجة تجاه مسلمي العالم كافة وأميركا خاصة. وبحلول عام 2004 كان ولا بد أن تتغير دفة التصويتات ويضرب مسلمو أميركا صفحا عن بوش، وليصوتوا لصالح المرشح الديمقراطي جون كيري، لكن الرياح أتت بما لم تشته سفن مسلمي أميركا من جديد، واستطاع الجمهوريون البقاء في البيت الأبيض لأربع سنوات أخر.

ومع الحملة الانتخابية الرئاسية في 2008 كان المزاج العالم الأميركي وليس مزاج مسلمي أميركا فقط ينحو لاختيار المرشح الديمقراطي، رمز الأمل والشباب، السيناتور ذي الأصول الأفريقية باراك أوباما، فصوت له المسلمون بنسبة غالبة، وهو ما ترجح كثير من القراءات إمكانية واحتمالية تكراره في 2012، وربما يعزز ما نقول به تصريحات البروفسور «بريان جاينز» أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في سلوك التصويت والانتخابات بجامعة «ألينوي» والذي لفت الانتباه مؤخرا إلى أن «المسلمين في أميركا اليوم بصورة عامة، لا يصوتون مثل باقي المجموعات الدينية»، مضيفا «المسلمون منقطعو النظير في أنهم في الوقت الذي يعتبرون فيه أكثر تدينا، يميلون بصورة أكبر للتصويت للديمقراطيين».. هل معنى ذلك أن الجمهوريين لا يلقون حظا من أصوات المسلمين داخل الولايات المتحدة؟ علامة استفهام مهمة، ذلك أن الطبيعة المحافظة والأخلاقية للحزب الجمهوري تتشارك في ومع كثير من المفاهيم الأدبية والأخلاقية بل وحتى الروحية للإسلام ولعادات وتقاليد المسلمين من رفض الإباحية والشذوذ والتفكك الأسري ومن اتفاق حول كرامة الحياة ورفض الإجهاض. غير أن تعاطيات إدارة بوش العلنية وطوال ثماني سنوات أججت في نفوس هؤلاء رفضا لكل ما هو جمهوري وخاصة أن غالبية إن لم يكن كل المرشحين الجمهوريين الساعين للوصول إلى البيت الأبيض اليوم، قد أخذوا من الإسلاموفوبيا مطية لبلوغ مآربهم، ولهذا لم يصدم المرء من نتائج استطلاع للرأي جرى مؤخرا في مركز بيو في واشنطن أكد فيه 55 في المائة من المسلمين الأميركيين أنه أصبح من الصعب العيش في الولايات المتحدة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ولم يفاجأ قراء نتيجة الاستطلاع كذلك بإظهار الاقتراع إن 76 في المائة من مسلمي الولايات المتحدة الأميركية يوافقون على أداء أوباما، فعلى الرغم من أنه لم يحقق إنجازات كبرى في الشرق الأوسط، وخاصة على صعيد الملف الإسرائيلي الفلسطيني، فإنه وفي حدود المتاح والممكن له في ظل أبجديات الضغوطات الممارسة على كل رئيس يقترب من هذا الملف، حاول إن يبدو معتدلا في سياساته تجاه الشرق الأوسط وقدم - ولو شفاهة - حديث نوايا طيبة في يونيو (حزيران) 2009 في جامعة القاهرة، ودعم إنهاء الحرب في العراق والانسحاب من ثم من هناك، وكذلك التخطيط للانسحاب من أفغانستان، وبجانب ذلك كانت استجابته واضحة للطلبات والثورات الشعبية في العالم العربي، والتي أكسبت التيارات الإسلامية على الأرض مساحة عريضة، حرموا منها قمعيا لزمن طويل، كل هذا أكسبه ولا شك تأييدا واضحا من قبل مسلمي أميركا.

وعلى الجانب الجمهوري رأينا مواقف واضحة لا لبس فيها، ترفض الحضور الإسلامي في الداخل، وتؤكد على فكرة أنه العدو الحقيقي في الخارج، مواقف بدأت مع رجل البيتزا هيرمان كين واستمرت مع ريك سانتورم، وتجلت بأسوأ مشهد في تصريحات نيوت غينغريتش، وقد كان من جرائها - وقد أفردنا لها مقالات سابقة - أن وجدت دراسة لمعهد بروكنجز ومعهد البحوث الدينية العالم أن ما يزيد على 47 في المائة من الأميركيين يقولون إن الإسلام والقيم الأميركية ليسا متجانسين، كما أن أعدادا مماثلة تعبر عن عدم راحتها لوجود الإسلام في أميركا.. هل يعني ذلك أن جموع الجمهوريين الأميركيين على هذا المنوال كارهون للإسلام والمسلمين؟ بالقطع لا، إذ توجد رغم الأدلجة السلبية تجاه مسلمي أميركا من قبل المحافظين «ركب لم تجثُ لبعل الإسلاموفوبيا»، إن جاز لنا استعارة التعبير التوراتي، ومن بينها محافظ نيوجيرسي «كريس كريتسي» الذي عين المحامي المسلم الباكستاني الأصل سهيل محمد قاضيا في الولاية رغم الكثير من المعارضة.

ومثل القس الإنجيلي ريك وارين الذي تحدث في المؤتمر السنوي للجمعية الإسلامية لشمال أميركا في يوليو الماضي، رغم تعرضه للانتقاد لظهوره، وقد ناشد وارين المسلمين والمسيحيين العمل معا لمد جسور الأمل وبسط أجنحة التسامح حول العالم.

هل مسلمو أميركا هم الكتلة الوحيدة التي يمكن لها ادعاء القدرة على حسم المعارك في عدة ولايات؟

بالقطع لا، إذ يمكن لأصحاب الأصول الإسبانية والنساء وتجمعات العاطلين عن العمل لعب الدور نفسه.. لماذا إذن هذه الدراسة مهمة تحديدا بالنسبة للمسلمين؟ لأنها قادرة على حمل رسالة للنخب الأميركية المتباينة من جمهوريين وديمقراطيين، مسيحيين ويهودا وغير دينيين، بأن مسلمي أميركا جزء أصيل من المجتمع قادر على الاندماج وبولاء تام للدولة الأميركية، ودون تصارع أو تنازع بين العقيدة الإيمانية والحماسة الوطنية، وإن كان جزء كبير من هذا الشأن يقع على عاتق الدولة الأميركية ومؤسساتها، فإنه من المهم أيضا الإشارة إلى أن الجزء الآخر يتجلى ولا شك في الميكانيزمات التي يترجم عبرها مسلمو أميركا هذا الولاء على الأرض وفي المقدمة منها المشاركة الجدية في الانتخابات الرئاسية الأميركية.

* كاتب مصري