المحكمة العليا الهندية تصدر قرارا بمنع سفر الحجاج على نفقة الدولة

حكمت بأن يتم إلغاؤه بالتدريج في غضون 10 سنوات

مجموعة من المسلمين الهنود في طريقهم إلى الأراضي المقدسة في أحد مواسم الحج («الشرق الأوسط»)
TT

أصدرت أكبر سلطة قضائية في الهند، وهي المحكمة العليا، قرارا يقضي بمنع سفر الحجاج على نفقة الدولة، وحكمت بأن يتم «إلغاؤه» بالتدريج.

وذكرت المحكمة أن هذه السياسة «من الأفضل التخلي عنها»، وأمرت السلطات بتقليص دعم الحج تدريجيا، حتى يصل إلى الصفر في غضون 10 سنوات. جاء حكم المحكمة هذا في جلستها المنعقدة للنظر في الطعن المقدم ضد قرار الحكومة الهندية بتخصيص حصة من بعثة الحج لشركات خاصة مصنفة ضمن حصة الشخصيات المهمة التي تسافر على نفقة الدولة.

وذكرت المحكمة أيضا أن «بعثة النيات الحسنة» التي يرسلها رئيس الوزراء إلى مكة يجب ألا تتجاوز فردين، بينما تضم حاليا 30-40 شخصا.

وبحسب الحكومة الهندية، فإن بعثة الحج التي ترسلها الهند إلى المملكة العربية السعودية تشكل مظهرا من مظاهر تقوية العلاقات الثنائية بين البلدين، وهو تقليد ظل ساريا منذ عام 1967.

وخلال جلسة النظر في القضية، صرح القاضيان أفتاب ألام ورانجانا براكاش ديساي بأنه «لا بد من إلغاء بعثات النيات الحسنة هذه برمتها. إنها لم تعد ملائمة». وذكرت هيئة المحكمة أن هذا الإجراء بدأ في عام 1967، ولم يكن له من سبب سوى أن باكستان كانت تستغل الحج، باعتباره فرصة كي تظهر الهند بصورة سيئة. وتابع القاضي ألام: «ولكن لم يعد هناك داع لها». وأثناء النظر في القضية، دافعت الحكومة الهندية عن سياسة سفر الحجاج على نفقة الدولة، قائلة إنها وضعت ضوابط كي لا يحصل الناس على الدعم سوى مرة واحدة في حياتهم.

كما أخبرت الحكومة المحكمة بأنها قررت تحديد سياسة حج المسلمين على نفقة الدولة بمعدل «مرة واحدة في العمر»، بدلا من السياسة القائمة، وهي «مرة كل خمس سنوات». وبهذه الضوابط الجديدة، ستضمن الحكومة الهندية أن تمنح الأولوية لأصحاب الطلبات الذين لم يسبق لهم أداء فريضة الحج. ونظرا لأن هذا التخصيص يتم عن طريق سحب القرعة، فقد قالت الحكومة أيضا إن من تجاوزوا سن السبعين سوف يحصلون تلقائيا على تأشيرة الحج، وكذلك من لم يحالفهم الحظ أربع مرات على التوالي في سحب القرعة سيحصلون تلقائيا على التأشيرة ويسافرون على نفقة الدولة.

وقد أنفقت الحكومة الهندية الملايين طيلة عقود، حيث تقدم الهند الدعم لما يزيد على 100 ألف حاج يسافرون سنويا إلى مكة والمدينة، وتنفق أكثر من 120 مليون دولار كل عام على الحج. وقد منحت الحكومة تذاكر طيران على نفقتها الخاصة إلى 120131 حاجا في عام 2009، و126191 حاجا في عام 2010، و125051 حاجا في عام 2011.

وتوزع حصة الهند في الحج عن طريق اللجنة الهندية للحج في مومباي، ويقيد بها شركات سياحة من القطاع الخاص. وقد وصلت حصة الهند في عام 2012 إلى 170 ألفا، حصلت منها لجنة الحج على 125 ألفا، بينما خصص 45 ألفا لشركات السياحة الخاصة. وهذه الحصة تتوزع بدورها في ما بين الولايات، بالتناسب مع عدد السكان المسلمين بها.

وقد بدأ تطبيق حصة الحج في أوائل السبعينات من القرن العشرين، بعد أزمات النفط التي سببت خسائر لشركة «خطوط المغول»، التابعة لـ«مؤسسة الشحن الهندية»، التي كانت تدير أربع سفن لتقديم خدمات نقل الحجاج. وبعد الاستغناء عن خدمات السفن، أعلنت الحكومة نقل الدعم إلى تذاكر الطيران.

وفي غضون ذلك، قال علماء وزعماء المسلمين الذين رحبوا بقرار المحكمة العليا، إنه ينبغي إعادة هيكلة لجنة الحج بدلا من تقديم الدعم. وطالب الزعماء بعرض التذاكر للبيع بشكل مفتوح، مما سيحتم على شركة «طيران الهند»، التي تحتكر حاليا عملية بيع التذاكر، أن تتنافس مع شركات الخطوط الجوية الأخرى من أجل جذب أكبر عدد من المسافرين وتقديم التذاكر بأرخص ثمن.

وقد طالب المسلمون الحكومة بإعادة التفاوض مع المملكة العربية السعودية بشأن الاتفاق المبرم بينهما، الذي لا يسمح إلا لشركتي «طيران الهند» و«الخطوط الجوية السعودية» بنقل المسافرين في موسم الحج، حيث يريدون أن يتم الأمر من خلال مناقصات عالمية بين الخطوط الجوية، يتم إرساؤها على الشركة صاحبة أقل عرض. ويقول أسد الدين عويسي، رئيس مجلس اتحاد المسلمين: «أعيدوا التفاوض بشأنها، واطرحوا مناقصة عالمية، وسوف تهبط الأسعار». بينما يقول مكرم أحمد، إمام وخطيب مسجد «فتح بوري» في مدينة دلهي: «نرحب بهذا الحكم. إذا كان أتباع الديانات الأخرى لا يحصلون على دعم لأداء شعائر الحج، فلماذا ينبغي أن نحصل عليه نحن؟! إننا جميعا متساوون كمواطنين في هذا البلد».

واتفق معه سيد أحمد بخاري، إمام وخطيب «المسجد الجامع» قائلا: «لا ينبغي أن يستغرق الأمر 10 سنوات حتى يدخل رفع الدعم إلى حيز التنفيذ، بل ينبغي الاستغناء عنه في غضون عام واحد».

وفي رأي المفتي أبو القاسم نعماني، نائب رئيس جامعة «دار العلوم ديوبند» أنه «ينبغي منح لجنة الحج سلطة أكبر، وينبغي تقديم خدمات أفضل، مثل توفير التذاكر بأسعار رخيصة إلى من يذهبون لأداء فريضة الحج».

وقد كان سفر الحجاج المسلمين على نفقة الدولة، بطبيعة الحال، مثار جدل كبير داخل الدوائر السياسية والاجتماعية في الهند، حيث وجهت إليه انتقادات كثيرة، سواء من المنظمات الهندوسية، التي تعارض تحمل الدولة لنفقات الحج الخاص خارج الهند، أو من جماعات الضغط الإسلامية.

ورغم أن الأحزاب السياسية الهندوسية اليمينية، حينما تكون خارج السلطة، تعتبر ذلك ترضية لا لزوم لها للمسلمين الهنود، فإن الحكومات التي كان يشكلها أي حزب سياسي دأبت على اعتبار هذا الإنفاق ضروريا لمساعدة المسلمين على أداء الحج، الذي يعتبر فريضة دينية بالنسبة لهم. لكن الجماعات الهندوسية ترد بأن الدعم الحكومي للحج يفرض على الهندوس أن يدفعوا الضرائب من أجل تغطية تكاليف حج المسلمين، وأن هذا الدعم بمثابة ترضية للمسلمين باعتبارهم كتلة انتخابية كبيرة. وبالإضافة إلى ذلك، فقد طالب العديد من المفكرين والزعماء الدينيين الإسلاميين على مدار السنين بالإلغاء التدريجي لتمويل الحج، مؤكدين أن دعم الحجاج «غير إسلامي»، وأن الأموال التي تنفق على ذلك ينبغي بالأحرى استثمارها في التعليم والصحة. وصرح الشيخ محمود مدني، نائب في البرلمان والأمين العام لجمعية علماء الهند، بأن دعم الحجاج يمثل مخالفة شكلية للشريعة الإسلامية، حيث إن القرآن الكريم ينص على أن الحج ينبغي أن يؤديه المسلمون من مالهم الخاص.

وذكر سيد ظفر محمود، رئيس مؤسسة الزكاة الهندية، أن الحج لم يفرض إلا على المسلمين الذين لا توجد لديهم أي التزامات مالية والقادرين على تحمل مشقة الرحلة، موضحا أنها «ليست سياحة بل فريضة دينية. من يمتلكون القدرة يمكنهم أداء الحج، وهو غير ملزم بالنسبة للباقين».

من ناحية أخرى، أشار عالم الاجتماع المرموق جافيد ألام، الذي كان يشغل منصب رئيس المجلس الهندي للعلوم والبحوث الاجتماعية، إلى أن دعم الحج من الأولى توجيهه إلى الاستثمار في التعليم والنهوض بالفتاة، مؤكدا أنه «ينبغي إلغاء الدعم. الهند ليست بلدا علمانيا، ولا بد من إنفاق الموارد المالية على الفقراء». إلا أنه توجد في المقابل أيضا أصوات معارضة، حيث انتقدت جمعية علماء الهند بشدة المقترح الذي قدمته الحكومة لرفع الدعم، قائلة «إن الراغبين في الحج في البلاد يعتمدون منذ زمن طويل على الدعم الحكومي، وهذا الدعم كانت تقدمه الحكومة نفسها، ولم يطلبه المسلمون قط. هذا حقنا». وقد عبر عن هذه الآراء مولانا حافظ بير شابر أحمد، رئيس «جمعية علماء أندرا برديش»، بقوله «نريد أن نوضح أنه إذا أرادت الحكومة إلغاء الدعم، فلتفعل على الرحب والسعة، ولكن ليس من دون أن تضع نظاما كاملا وشاملا للحج».

وفي الوقت ذاته، قال كلب جواد، من مدينة لكنو، إن المحكمة العليا «ليس من اختصاصها وضع القوانين»، فهي مجرد حارس على القوانين، وهذا الحكم قد يصدم المسلمين الفقراء الذين سيحرمون من أداء فريضة الحج. واتفق معه وسيم أحمد، وزير التعليم الأساسي في ولاية أوتار برديش، الذي قال إن هذا الحكم خذله، مستطردا «ماذا يمكن أن أقول عن هذا؟! إنه أمر محزن.. ولكن في النهاية، هذه هي الطريقة التي تسير بها المحكمة العليا!».