جماعة علماء الهند تدعو إلى اتخاذ خطوات تجاه منح النساء حقوقهن

في مؤتمرها الذي يعقد كل 3 سنوات.. وتناول حقوق المرأة في غياب النساء

المسلمون الهنود يقرون بأحقية منح المرأة المسلمة لحقوقها («الشرق الأوسط»)
TT

يحاول مئات الأئمة في العاصمة الهندية دلهي مؤخرا تأمل كيفية تعامل المجتمع مع النساء ومنحهن حقوقهن. وأقرت جماعة علماء الهند، وهي واحدة من المنظمات الإسلامية الرائدة التي تبادر باتخاذ خطوات تجاه منح النساء حقوقهن، في مؤتمرها الذي يعقد كل ثلاث سنوات وتناول حقوق المرأة، حيث أشارت الجماعة إلى تعنت المسلمين الهنود اليوم فيما يخص حقوق المرأة مؤكدة على تألمها من التعامل مع الفتاة على أنها عبء وإهماله تنشئتها وحرمانها من حق التعليم والميراث. وسعت هذه الجماعة إلى التأكيد على حقوق المرأة في الميراث، خاصة في حال وراثة الأراضي الزراعية من خلال تعديل القوانين الموجودة غير العادلة والتصدي لإساءة معاملة الزوجة والطلاق العشوائي بين المسلمين. وأكدت شخصيات قيادية في الجماعة على بناء مؤسسات تعليمية للفتيات، حيث لا تلحق الكثير من الأسر المسلمة بناتها بمدارس حتى إن كانوا يستطيعون ذلك بسبب كون التعليم مختلطا في المدارس والجامعات.

وفي الوقت الذي تفخر فيه الجماعة بجذورها الوطنية وصلتها بالمهاتما غاندي، وتدير أكبر عدد من المدارس في البلاد، تتبنى الجماعة نهجا محافظا تجاه المرأة وواجهت انتقادات كثيرة على مدى سنوات. وتعقد الجماعة مؤتمرا كل ثلاث سنوات. ورفضت الجماعة تقسيم الهند على أساس ديني وإقامة دولة باكستان عام 1947. ودشن مجلس قانون الأحوال الشخصية للمسلمات في الهند وعدد من العلماء المسلمين المعتدلين حملة تدعو إلى حصول المرأة على المزيد من الحقوق وتطوير وثيقة الزواج، بحيث تمنح المرأة المزيد من الحقوق.

وقال محمود مدني رئيس الجماعة: «طبقا لقانون دولتنا تنكر على المرأة حقها في وراثة الأرض الزراعية. إن هذا مخالف للمواريث بحسب الشريعة الإسلامية. وينبغي أن يتم تعديل القوانين المعمول بها لضمان حقوق المرأة». يقضي الإسلام بمعاملة المرأة بأنها «أكثر من مجرد طرف يتمتع بحقوق المساواة». وأضاف: «مع ذلك تمنع المرأة من وراثة والدها أو زواجها فيما يعد مخالفة للإسلام. إنها وصمة عار على جبين المجتمع الإسلامي الذي ينكر على المرأة الهندية حقوقها».

وقال مدني في معرض إجابته عما إذا كان يواجه معارضة من المسلمين في الهند: «سوف نشكل حركة عبر شبكة المساجد والمدارس من أجل توعية الناس بحقوق المرأة. نحن بحاجة إلى التأمل. وندرك أننا لم نسمح للمرأة بالتمتع بحقوقها التي كفلها لها الإسلام في الهند، بل سمحنا للتقاليد البالية بإهدار كل حقوق أخواتنا وبناتنا وأمهاتنا وزوجاتنا. كيف يمكن لمجتمعنا أن يتقدم إذا لم يتقدمن؟ نحن ندرك ذلك ونعالجه ونريد أن نقوم بذلك بوضوح الآن». من المفارقة عدم وجود أي امرأة على المنصة خلال المؤتمر، وكذلك لم تشاهد أي امرأة بين فيض من أغطية الرأس الرجالية واللحى. وجاء في نص القرار الذي اتخذه عدد كبير من رجال الدين: «تناشد الجمعية العامة كافة المسلمين الالتزام بتعاليم الدين الإسلامي فيما يتعلق بحقوق المرأة». الأمر المفاجئ هو أن القرار المتعلق بالمرأة كان تقريبا آخر بند على جدول الأعمال، فقد كان رقم 16 على الجدول المكون من 17 بندا. وقال المتحدث باسم جماعة علماء الهند، مولانا عبد الحميد نعماني، خوفا من الدعاية السلبية لغياب دور المرأة المسلمة، إن المنظمة مفتوحة أمام الجنسين، لكنه أكد أن الجماعة ليس لها فرع نسائي.

ووصفت منظمات المرأة المسلمة الخطوة بـ«التجميلية» واعتبرتها مجرد محاولة لاتخاذ موقف سياسي صحيح، حيث يغيب العنصر النسائي عن هيئات صناعة القرار بالجماعة. وأوضح عبد الحميد نعماني قائلا «لقد اتفقنا على ضرورة إعطاء الأولوية لحقوق المرأة في الدولة بوجه عام، وبين المسلمين بوجه خاص. وفي الوقت الذي يتضمن فيه قانون الأحوال الشخصية بنودا خاصة بميراث النساء، نريد أن يكون القانون الهندي أيضا أكثر وضوحا بشأن هذه القضية».

وقال إن «موضوع إهمال المرأة في المجتمع الإسلامي في الهند يشكل بالمثل أهمية كبيرة، وإن جماعة علماء الهند سوف تنظم حملة على مستوى الدولة للدفاع عن حقوق المرأة. وعلى الرغم من أن الشريعة الإسلامية تكفل حقوقا للنساء، فإننا ما زلنا نجد القانون لا يتبع حرفيا، وتقتضي الحاجة إصلاح هذا الوضع».

تشكك جماعة «بهاراتيا مسلم ماهيلا أندولان»، واحدة من أكبر الجماعات المدافعة عن حقوق النساء المسلمات في الهند، في مصداقية اهتمام جماعة علماء الهند الذي ظهر مؤخرا بشأن حقوق النساء المسلمات.

وكرد فعل على القرار، قالت زكية سومان، عضو مؤسس في جماعة «بهاراتيا مسلم ماهيلا أندولان»: «إنه أمر سخيف جدا. إذا كنا نطالب بأي تغيير في النظام، فإن مبادرة التغيير قد بدأت من وطننا. ما هي حقوق المرأة التي يتحدثون عنها في الوقت الذي لا يوجد فيه أي حضور للعنصر النسائي في عملية اتخاذ القرار؟ لا يمكن أن تتجاهل النساء المسلمات حقيقة أن الكيانات القوية المؤثرة، مثل (جماعة علماء الهند)، معظم أعضائها من الرجال، فضلا عن أنها قد تجاهلت مبدأين يعتبران في صميم الإسلام، وهما المساواة والعدالة. وتعتبر قضايا مثل حقوق المرأة والتسلط الذكوري والعنف الأسري غريبة بالنسبة لهم. على مدار سنوات، استأثرت تلك الجماعات لنفسها بحق تلاوة وترجمة وتفسير معاني القرآن. وتدخل كثير من تفسيرات القرآن حول قضايا رئيسية تتعلق بالمرأة في إطار مفاهيمهم الخاصة للتسلط الذكوري. لقد تم إبعاد الآيات القرآنية عن سياقها الحقيقي، بهدف إنكار حقوق المرأة المنصوص عليها في القرآن بالأساس».

ما مدى صدق تلك الدعوة عندما نضع في حسباننا أن هذه المطالب تطرح في ظل غياب النساء المسلمات؟ لم تكن هناك مسلمة واحدة حاضرة. لو كانت جماعة علماء الهند قد قامت بأي محاولة جادة للحديث إلى النساء وفهم مشكلاتهن، لسعت لأن يكون هناك تمثيل للمرأة المسلمة في الحدث.

وتحدى نشطاء جماعة «بهاراتيا مسلم ماهيلا أندولان»، جماعة علماء الهند، بقولهم إنه إذا كان مسؤولوها مهتمين بحق بوضع وحقوق النساء المسلمات، فعليهم أن يفتحوا الباب للنساء المسلمات للانضمام إلى عضويتها ويمنحونهن مساحة لمناقشة مشكلاتهن. إن «حقوق النساء المسلمات تدخل في نطاق حقوق الإنسان أيضا، وهذا هو الوقت الذي تقوم فيه هيئات إسلامية مؤثرة مثل جماعة علماء الهند بمحاولة صادقة للحديث والنقاش والتفاعل مع النساء في المجتمع»، هذا ما قالته نور جيهان صفية نياز من جماعة «بهاراتيا مسلم ماهيلا أندولان».

وقالت شايستا أمبير، المقيمة في لاكناو، ورئيس مجلس قانون الأحوال الشخصية للمسلمات في الهند: «إنني واقعية جدا ولا تحدوني أي أحلام خيالية بشأن هؤلاء المشايخ والأئمة.. لقد شاهدت هؤلاء الأئمة على مدار سنوات. لكن الآن، إذا كانوا يقومون بالفعل بأي عمل إيجابي، فإن ملايين النساء اللائي يعشن في جحيم بسبب انتهاك روح الإسلام الحقيقية، وبسبب ما يقلن إنه تدخل، سوف يباركن جهودهم».

وأضافت سومان التي كانت في طليعة من أخذوا على عاتقهم مهمة وضع القوانين الخاصة بالأحوال الشخصية للمسلمين: «جماعة علماء الهند هي منظمة للمسلمين الرجال الذين يتخذون قرارات تتعلق بالنساء المسلمات من دون أي تمثيل لهن. إذا كانت المنظمة قد تحدثت بالأساس عن حق المرأة، فإنني أرى أنها مجرد خطوة للإصلاح السياسي، نظرا لأنه مؤخرا طرح على هذه المؤسسات الدينية أسئلة تتعلق موقفها من وضع المرأة في المجتمع الإسلامي».

وانتقد شابنام هاشمي، الذين كان يعمل مع النساء المسلمات من خلال منظمة «العمل الآن من أجل تحقيق الوئام والديمقراطية»، خطوة جماعة علماء الهند بقوله: «نحن لا نقبل أي حق للمرأة في نطاق أي نظام ديني. نحن نطالب بتمتع النساء بحقوق المساواة في إطار النظام الدستوري».

وعلى الرغم من ذلك، فإن فريدة خانوم، أستاذ بجامعة الملا الإسلامية، لم تكن في حالة من التفاؤل الشديد، حيث قالت: «هذا الحديث جيد على المستوى النظري، لكنني أشك في ما إذا كان يمكن أن يغير أفكارا راسخة في الأذهان. المسلمون الهنود يمنحون البنات مهورا، لكنهم يحرمونهن من الميراث. تتحدث الآية 11 من سورة النساء في القرآن الكريم بوضوح عن حق المرأة في الحصول على الميراث. ولكن لحماية المصلحة الشخصية، يتم تجاهل هذا الحق»، هذا ما قاله خانوم.

في الوقت نفسه، أيدت ولاية أوتار براديش، أشهر ولاية هندية تضم أكبر عدد من المسلمين منح حقوق الميراث للنساء المسلمات بحسب الشريعة الإسلامية.