قيادي إسلامي تونسي: هناك مطالب مشروعة ومظالم.. لكن التعبير عنها يتم بطرق غير مشروعة

محمود قويعة لـ «الشرق الأوسط»: علي عزت بيغوفيتش من هذه الطينة.. وتونس تختلف عن البوسنة

محمود قويعة القيادي الإسلامي وعضو المجلس التأسيسي التونسي («الشرق الأوسط»)
TT

أعرب القيادي الإسلامي عضو المجلس التأسيسي التونسي عضو لجنة التحقيق في أحداث 9 أبريل (نيسان) الماضي، محمود قويعة، عن اعتقاده بصعوبة الظروف التي يعمل فيها المجلس التأسيسي والحكومة المنبثقة عنه، على أثر انتخابات 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وشدد على أهمية الإسراع بإعداد الدستور لإجراء الانتخابات التشريعية القادمة بين ربيع وصيف 2013.

وقال في حوار مع «الشرق الأوسط»: «المسار في تونس غير هين. هذه مرحلة ما بعد الديكتاتورية، مرحلة الحرية والكرامة، هناك ركام وإرث ثقيلان للفساد والاستبداد، ومن الطبيعي أن نمر بمرحلة مخاض كالتي نعيشها بما فيها من آلام وآمال. هذه مرحلة التأسيس للشرعية، لذلك فيها الكثير من الصعوبات والعراقيل، ولكن بعون الله ثم بعزيمة التونسيين، نتخطى حاليا كل هذه التحديات، كما تخطينا مرحلة الاستبداد والديكتاتورية، وهذا ما نلمسه داخل الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي».

وعن محاولات الإفشال كما يقول البعض، والحديث عن ذلك منذ الأيام الأولى لتولي الحكومة عملها، وحتى قبل تعرف الوزراء على الإدارات التابعة لهم، قال «هناك تجاذبات حتى داخل الحقل الواحد، فضلا عن الدكاكين المنافسة والمتنافسة، وهناك محاولات للتثبيط وللعرقلة، وأحيانا تتجاوز أخلاقيات العمل السياسي والإعلامي، ومع ذلك بإمكان شعبنا تجاوز هذه الإشكاليات».

ونفى قويعة نجاح ما وصفها بمحاولات الإرباك، مؤكدا أن «جميع التحركات في هذا الصعيد باءت بالفشل. ارتدت محاولات البعض إلى عكس ما كانوا يريدون، وقد افتضح الكثير من المحاولات مما جعل الناس ينفضون من حول أصحابها، والمناطق التي شهدت بعض الإرباكات سرعان ما عادت إلى وضعها الطبيعي».

واستطرد قويعة قائلا «يجب ألا نعمم المشهد حتى لا يؤدي إلى نتائج غير سليمة، هناك تحركات مطلبية مشروعة وهناك مظالم، وهناك تحركات مشروعة ولكن التعبير عنها يتم بطرق غير مشروعة، وهناك دور سياسي في مظاهر الاحتقان الاجتماعي، وكل هذه الأطراف لم يكن لها حق التعبير في الحقب الماضية وهي تنفس عن كل تلك التراكمات في الوقت الحالي بعد أن أعطتها الثورة فرصة للتعبير».

وأبدى قويعة قلقا من الاعتصامات وبعض عمليات قطع الطريق، قائلا «نحن بصدد القطع مع هذه الممارسات، ومؤشرات معهد الإحصاء تؤكد تحقيق البلاد قفزة على صعيد النمو الاقتصادي، وبتعبير أدق بدأت البلاد تخرج من الوضع السيئ إلى وضع أقل سوءا على طريق الخروج من الأزمة والإعداد لغد أفضل بحول الله».

وذكر أن الزعيم البوسني، علي عزت بيغوفيتش، وعلى أثر خروج بلاده من حرب عدوانية حصدت 200 ألف ضحية، ودمرت 90 في المائة من البنية التحتية، واغتصبت فيها أكثر من 30 ألف امرأة، جاءته وسائل الإعلام طالبة منه الحديث عن الحرب، فقال تركنا هذا للقضاء، ولكنكم كوسائل إعلام تحدثوا عن الإيجابيات لما يؤسس للتفاهم بين مكونات البلاد الإثنية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وهؤلاء الرجال العظام يكون وجودهم في لحظات حاسمة من التاريخ، والبيت المعروف لعنترة بن شداد، سيفتقدني قومي إن جد جدهم، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر». وأردف «علي عزت بيغوفيتش من هذه الطينة وهذا الصنف، والحركات المناضلة هي التي تستشرف المستقبل وتنظر بعين الأمل، وتقاوم السلبيات والمساوئ. وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل. تونس تختلف عن هذا الوضع الذي عاشته البوسنة، نعم بلادنا خرجت من دولة استبداد، ولكنها لم تدخل في حرب عدوانية استيطانية توسعية مثل البوسنة وكوسوفا، وبتضافر الجهود يمكننا أن نتخطى المرحلة الصعبة هذه، وهناك بداية انتعاش».

وكشف عن وجود «ورش عمل كبرى وعشرات المشاريع الكبرى ومئات المشاريع الصغرى، وهذه المشاريع توزع لأول مرة بأقدار من العدالة بين الجهات والفئات وتنطلق في كل الجهات وكل المناطق لتأخذ نصيبها، والمجلس الوطني التأسيسي صادق على الميزانية ووضع الفأس في الأرض، والحكومة ستكون في مستوى تطلعات شعبها».

وأوضح أن «الدافع الرئيسي هو الخروج من نظام الاستبداد إلى الحرية ومن المركزية إلى اللامركزية، ومن الفقر إلى التنمية، وهذا يتطلب عملا وجهدا، بعيدا عن المشهدية والمنطق الاحتجاجي والدعاية». وطالب المعارضة بأن «تكون وطنية، وأن ننجح جميعا في المرحلة الانتقالية، وهذه الدعوات صدرت من رئاسة الحكومة ومن رئيس الدولة، ونأمل من المعارضة أن تعمل جميعا من أجل البلاد والخروج من مفترق الطرق نحو المصالح الوطنية العليا».

وأبدى قويعة تحفظات حيال الإعلام العمومي، وقال «وسائل الإعلام لم تتأثر بالثورة، وهي بعيدة عن الحيادية، وما يقلقنا في المشهد الإعلامي أنه يشرع لشيء خطير، وهو اليأس، وهناك ملفات إعلامية حول الانتحار، وهناك اتهامات من الخبراء للإعلام بأنه يشجع على الانتحار، أصبحوا يقدمون المنتحر على أنه وطني وصاحب حق وما يقوم به مشروع، أي أصبح الانتحار بطولة في المشهد الإعلامي بتونس».

وأردف «الخيانة أصبحت وجهة نظر، وقطع الطريق وإغلاق وسائل الإنتاج أصبح نضالا. هذا الإعلام يدعو للجريمة، يبصر شيئا ويتعامى عن أشياء، فعندما طالب أحدهم بالموت السياسي للباجي قائد السبسي (رئيس الوزراء السابق) قامت الدنيا ولم تقعد، وعندما طالب أحدهم بقتل الإسلاميين وأكد على ذلك، لم يتحدث الإعلام العمومي عن ذلك».

وعن وصف البعض استخدام مؤسسة عمومية لأغراض خاصة بأنه جريمة، قال «إعلامنا العمومي يفتقد المهنية، وغاية ما نطالب به هو أن يتسم بقدر من المهنية وتقديم الرأي والرأي الآخر، فعندما يصور اجتماع وزاري وتعرض صورة الضيف وتخفى صورة الوزير التونسي يصبح المشهد الإعلامي التونسي كاريكاتيريا».

وطالب بإدارة حوار وطني حقيقي للارتقاء إلى المهنية والتوازن.

وضرب مثلا آخر قائلا «الجلسة الختامية لمداولات المجلس التأسيسي حول الميزانية التكميلية لم تتم تغطيتها، وسمحوا لأنفسهم بحرمان المواطنين من معرفة ما تفعله الحكومة». وتساءل «من يقدر على تحديد ما يبث للمواطنين وما لا يبث، هذا اختطاف لمؤسسة عمومية لخدمة أهداف خاصة».

وواصل «من يقرر ما يبث وما لا يبث، لا بد من إدارة حوار بين مختلف المتدخلين في المشهد الإعلامي». وأشار إلى «وجود مشروع قانون في الدستور سيتضمن بنودا حول الإعلام».