الأزهر ينتصر للمرأة بوثيقة جديدة

عالمات دين وحقوقيات لـ «الشرق الأوسط»: نثق فيها ونتخوف من التيارات المتشددة

ظاهرة نسائية في وسط العاصمة المصرية القاهرة للمطالبة بحقوقهن («الشرق الأوسط»)
TT

طالبت عالمات دين وحقوقيات في مصر بأن تؤكد وثيقة الأزهر لحقوق المرأة على المساواة التامة والمطلقة بين المرأة والرجل في كل المناحي، وأن يكون أي تمييز في أقل الحدود الممكنة ومبنيا على مبررات قوية، وقلن لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد حقوقا أكثر مما أعطاها الإسلام للمرأة.. نريد الحقوق التي حفظها الرسول والصحابة». وأعربن عن تخوفهن من التطبيق خلال عمل بنود الوثيقة، بقولهن: «الأزهر مثله مثل أي مؤسسة فيها تيارات متشددة وأخرى مستنيرة»، كما تخوفن من تدخل الإسلاميين بجعل الوثيقة وسطية ما بين الانفتاح والانغلاق وبالتالي لا تقدم جديدا للمرأة.

جاءت مطالبات نساء مصر بعد إعلان الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر اعتزام الأزهر إطلاق وثيقة جديدة للتعريف بحقوق المرأة ومكانتها في الشريعة الإسلامية، والرد على الشبهات التي يوجهها البعض تجاه حقوق المرأة في الشريعة الإسلامية، وكيف كرمها الإسلام وصانها أمًّا وأختًا وبنتًا وزوجة بصورة لم يسبق لها مثيل في أي تشريع آخر.

يأتي هذا في وقت رفض مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر برئاسة الدكتور الطيب مطالب البرلمان بإلغاء قانون الخلع (بموجبه يحق للزوجة إذا طلبت من زوجها الطلاق ورفض أن تلجأ للقضاء بطلب طلاقها من زوجها خلعا وتعرض أن ترد عليه الصداق المذكور في وثيقة الزواج ويكفيها فقط أن تذكر أمام القاضي أنها تبغض العيش مع زوجها وتخاف ألا تقيم حدود الله).

وتعد وثيقة المرأة التي يعكف علماء الأزهر على صياغة بنودها الآن، هي الوثيقة الثالثة بعد تصدره للمشهد السياسي عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، التي أطاحت بنظام حكم مبارك بعد 30 عاما، فكانت الوثيقة الأولى لمستقبل مصر وهي الوثيقة التي طالب المجلس العسكري الحاكم وقوى سياسية بأن تتضمن بنودها عند صياغة الدستور الجديد، والثانية وثيقته لنصرة الشعوب العربية.

وأكد الدكتور الطيب أن «الشريعة الإسلامية كرمت المرأة وأعطتها حقوقها كاملة وأن الأزهر لن يسمح بأن تسلب منها حقوقها من أي فئة»، موضحا أن «هناك رياحا عاتية قادمة من الخارج تهدف إلى زعزعة الضوابط الأخلاقية للمرأة المسلمة، مثل حرية الإجهاض والزواج المثلي والعنف ضد الأطفال والتي لا تفرق بين حقوق المرأة في الإسلام وغيرها في الغرب، في الوقت الذي حطم فيه الإسلام القيود التي كبلت المرأة في الجاهلية».

من جهته، قال الدكتور محمود عزب، مستشار شيخ الأزهر، عضو المجلس القومي للمرأة، إن «الشريعة الإسلامية منحت المرأة حقوقا عظيمة منذ فجر الإسلام، وجعلتها في مكانة لائقة من الكرامة، لم تمنحها لها أي من الثقافات ولا الحضارات التي سبقت الإسلام أو الموازية له في التاريخ»، مشيرا إلى أن الإسلام يقوم في ذلك على نص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ثم على مراجع الحضارة الإسلامية في عصور ازدهارها، حيث حقق حياة واقعية ملموسة لمجتمع راقٍ، كانت المرأة فيه عالمة وأديبة وفقيهة وسيدة لمجالس علمية وشعرية وسياسية.

وأضاف الدكتور عزب أن «الأزهر باعتباره مؤسسة أمينة على الإسلام والعلوم والحضارة والتراث الوسطي المعتدل والمتسامح، والتعدد، يؤكد لمصر وللعالم العربي والإسلامي وللعالم كله أنه لن يسمح بأن تسلب المرأة حقا من هذه الحقوق الكثيرة والمشرفة التي منحتها إياها الشريعة السمحاء وهي حقوق تؤصل لحرية حقيقية لا شكلية ولا سطحية».

وفي إطار سعي الأزهر للحفاظ على حقوق المرأة، رفض مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر طلبات تقدم بها برلمانيون بإلغاء قانون الخلع، وقال أعضاء المجمع إن «القانون منح المرأة حق إنهاء الحياة الزوجية بإرادتها وهو حق مشروع منذ عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ووردت فيه آيات قرآنية وأحاديث صحيحة تبيح للمرأة استخدام هذا الحق عند استحالة العشرة الزوجية، وأنه حق كفلته الشريعة الإسلامية للمرأة كما كفلت للرجل حق الطلاق، وإن إلغاء الخلع يتعارض مع ما جاء في الكتاب والسنَّة، مستندين على مشروعية الخلع في الشريعة الإسلامية وفي السنة النبوية الشريفة وهو ما رواه البخاري والنسائي عن عبد الله بن عباس بشأن أول خلع في الإسلام عندما «ردت امرأة ثابت بن قيس بن الشماس الحديقة إلى زوجها، فطلقها». ورحب المركز المصري لحقوق المرأة ومؤسسة قضايا المرأة المصرية برفض الأزهر إلغاء الخلع، وقالت السفيرة ميرفت التلاوي، رئيس المجلس القومي للمرأة، إن الخلع يتفق مع الحقوق الواردة في الدين الإسلامي للمرأة المسلمة ومع كونه أمرا ثابتا شرعا، حيث ذكر في القرآن وأكدته السنة النبوية الشريفة منذ ما يقرب من ألف وأربعمائة سنة، ولا يجوز إعادة مناقشته أو التفكير في إلغائه.

من جانبها، قالت الدكتورة نهاد أبو القمصان، الناشطة الحقوقية، عضو المجلس القومي للمرأة، إن فكرت الوثيقة مفيدة ليس لمصر فقط، بل لكل المسلمين السنة في العالم؛ لكنها تخوفت من التطبيق، قائلة: «الأزهر مثله مثل أي مؤسسة به تيارات متشددة وأخرى مستنيرة، ومن المتوقع أن تمارس ضغوط على الأزهر لسحبه إلى تيارات شديدة الانغلاق في تفسيراتها الدينية».

وطالبت الدكتور نهاد بأن تتضمن الوثيقة مسودة بما تحويه وتعرضه ليس فقط على رجال الدين؛ بل على جميع المهتمين والمعنيين بالمرأة، كما يدعى لها رجال دين من كل دول العالم؛ لكنها في الوقت ذاته قالت: «الغالب على العالم الإسلامي هي ثقافة الانغلاق والتأثر بثقافات شديدة المحافظة من عادات وتقاليد حتى من خارج الدين الإسلامي». وتخوفت الدكتورة نهاد من تدخل الإسلاميين في مصر بجعل الوثيقة وسطية ما بين الانفتاح والانغلاق، وبالتالي لا تقدم للمرأة نقلة جديدة. وتابعت: «نحتاج أن ننظر لأفضل التفكيرات التي تستند لقيم العدالة والمساواة وحقوق الإنسان وتتعامل مع المرأة كمواطن كامل الأهلية»، موضحة أن الإجراءات التي ينبغي أن تتبع فيها إقرار الوثيقة مهمة، بقولها: «لا نريد أن نرى الوثيقة معروضة في الإعلام ومنسوبة للأزهر فجأة».

وعما تريد أن تتضمنه الوثيقة، قالت الدكتورة نهاد لـ«الشرق الأوسط» إن «القاعدة الأساسية التي لا بد أن تكون عليها بنود الوثيقة هي المساواة التامة والمطلقة ما بين المرأة والرجل في كل المناحي، وأن يكون أي تمييز في أقل الحدود الممكنة ومبنيا على مبررات قوية، وكذا التركيز على دور المرأة كمواطن، وليس التركيز على الدور الإنجابي لها من أنها مجرد أداة للإنجاب والمتعة، والتأكيد على أنه لا يجب الانتقاص من حقوق المرأة أو عقابها لمجرد أنها تلعب دورا إنجابيا، فأدوار الأمومة أدوار اجتماعية وليست نسوية، بمعنى أنه لا يصلح أن أميز ضد المرأة في العمل، لأنها أنجبت أو غابت عن العمل، وأميز ضدها في الميراث لوجود نزاعات عائلية، وأن نمارس العقاب الجماعي ضد المرأة لمجرد أنهن نساء ولديهن التزامات اجتماعية»، وتابعت: «لا بد من التركيز أيضا على دور المرأة كإنسانة مشاركة في الحياة السياسية، والتاريخ الإسلامي مليء بقصص وروايات لقيادات نسائية خرجت في حروب ولم يكن دورها تضميد الجرحى حسب ما يشاع؛ لكنها خرجت محاربة، وكان في التاريخ الإسلامي شاعرات وقائدات».

وفيما يتعلق بالإرث على التحديد، قالت الدكتورة نهاد: «إن أوضاع المرأة متغيرة على حسب مراكزها القانونية، فليست كل أوضاع المرأة في الميراث (للذكر مثل حظ الأنثيين)».

وعن مشاركة المرأة في الحياة السياسية، قالت الدكتورة نهاد: «لا بد أن نكون مستهدفين تحقيق نتائج وليس وضع نصوص تبدو في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، فما سنته الجزائر مؤخرا بحصول المرأة على ثلث البرلمان، وتونس على 28 في المائة من مقاعد البرلمان للمرأة، والدستور المغربي الذي تحدثت فيه المادة 18 على حقوق المناصفة بين الرجل والمرأة، فالمطلوب تضمين الوثيقة أن تكون نسبة مشاركة المرأة في الحياة السياسية عالية وفق القانون، ولا بد من ضمان حقوق النساء ومشاركتها وفق نصوص قانونية تضمن هذا، وأي حديث عن رفض نصوص قانونية أو كوتة هو كلام ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، لأنه ثابت من التجربة في مصر ونحن نتحدث عن مشاركة المرأة في الحياة السياسية منذ أكثر من 60 عاما من عام 1956 ولم نحقق أي نتيجة. فعلى المسؤولين وصناع القرار أن تكون مسؤوليتهم تحقيق النتائج، المرأة لا تريد نصوصا تتحدث عن العدالة والمساواة؛ بل تريد أن تشتمل وثيقة الأزهر على نتائج على أرض الواقع.

وطالبت الدكتورة آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة جامعة الأزهر، عضو المجلس القومي للمرأة، الأزهر بمشاركة عضوات هيئة التدريس بجامعة الأزهر في صياغة الوثيقة، وقالت: «لا نريد حقوقا أكثر مما أعطاها الإسلام للمرأة، فالإسلام أعطى للمرأة من العدل والحقوق ما لم تصل إليه إلى الآن»، وتابعت: «المرأة بايعت وكان دورها في وثيقة المدينة شأنها شأن الرجل، وقامت في الغزوات شأنها شأن الصحابة، وأخذت من الغنائم مثل الرجل، وشاركت في صحيفة المدينة وكان لها دور عظيم، كما هاجرت مثلها مثل الرجل إلى المدنية، فالمرأة كانت عندما تسمع شيئا لا يعجبها تقف وتقول ذلك، لما قال الرسول (النساء ناقصات عقل ودين)، وقفت المرأة وسألت: ما معنى ناقصة عقل ودين؟ فيبتسم الرسول صلى الله عليه وسلم، قائلا: أليست منكن من لا تصوم الشهر كله ولا تصلي الشهر كاملا، وأنكن تغلب عليكن العاطفة، عندما ترى من زوجها أي غضب، تقول: ما رأيت منك خيرا. وهي لم تكن تقرر لقاعدة ضد المرأة أبدا، وهذا الموقف كان في صبيحة يوم عيد وكان فيها نوع الملاطفة منه صلى الله عليه وسلم وهو يمر إلى الصلاة ويحمل سلمان الفارسي منديلا في يده: تصدقن أيها النسوة، فكان نوعا من الملاطفة نتيجة أن المرأة المكية اختلفت ثقافتها عن المرأة في المدينة أو في يثرب، مما أغضب الرجال القادمين لمكة، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه يذهب إلى الرسول ويقول: (يا رسول الله لقد زأر النساء علينا وطفقن يقلدن نساء أهل المدنية)، في اختلاط ثقافة أهل مكة الثقافة المحافظة بثقافة أهل يثرب الثقافة المستنيرة. وكان رسول الله يكره الشدة على النساء وكان يعجبه تحضر وحضارة المرأة في المدينة، ويستجيب لتساؤلها ولرفضها».

وأضافت آمنة لـ«الشرق الأوسط»: «المرأة عاشت آنذاك واقعا نفسيا وثقافيا متباينا، فالمرأة القادمة من مكة عايشت هذا التحضر في المدينة التي كان بها عقائد وثقافات، والرسول كان يرحب بتقليد نساء الأنصار، إذن المرأة في زمانها لم تحرم من شيء، مثلا أم هانئ بنت أبي طالب عندما استجار بها رجل أجارته وأعطته الحماية والأمان، فالإمام علي بن أبي طالب غضب منها، فذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالت يا رسول الله: (لقد أجرت فلانا ابن فلان، وابن أمي يرفض لي)، فيقول لها (لقد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ).