«قل اللهم مالك الملك»

صالح المغامسي

TT

حفلت الأيام والليالي الماضية بأحداث عظام، تتعلق بالملك والإمرة والرئاسة والسلطان، شغلت تلكم الأحداث العامة والخاصة من الناس، وكل يفيء إلى من يطمئن قلبه إلى رأيه، ممن لا تكاد تفارق وجوههم الشاشات، وهم ما بين مقل ومكثر، ومحسن ومسيء، ومخطئ ومصيب.

لكن ما أحرى بالمؤمن إذ يرى هذا حوله أن يفيء إلى القرآن يتدبر آياته وينتفع بعظاته. ولا ريب أن قول الحق سبحانه في سورة آل عمران: «قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير»، يكاد يكون أكثر الآيات حضورا في الذهن عند مشاهدة ومعايشة تلكم الأحداث. والآية ذات معان جليلة، ومنها أن قوله سبحانه «مالك الملك»، يعني مالك كل ملك، وهذه صفة لا يستحقها أحد غير الله. وهذا الملك عام، وما بعده خاص. وقد قيل إن قوله جل ذكره: «تؤتي الملك من تشاء»، المراد به النبوة.. قال النيسابوري: «وهذا الملك قيل ملك النبوة، لأنها أعظم مراتب الملك، لأن العلماء لهم أمر على بواطن الخلق، والجبابرة لهم أمر على ظواهر الخلق» أ.هـ.

وهذا القول منه فيه نظر، لأن النبوة لا تنزع، وقد قال الله بعدها: «وتنزع الملك ممن تشاء». وأما قوله جل ذكره: «وتعز من تشاء وتذل من تشاء»، فقد قال بعضهم: تعز من تشاء بالإخلاص، وتذل من تشاء بالرياء. وقيل: تعز من تشاء بالجنة والرؤية، وتذل من تشاء بالنار والحجاب.

وهذا عندي قول يزيد القلوب خشوعا وخضوعا، وهو حق، لكن الآية قطعا أعم من ذلك، فهي تشمل أمر الدين والدنيا، كما تشمل الشأن في الحياتين. وأما قوله تبارك اسمه: «بيدك الخير»، أي بيدك الخير والشر، فاكتفى بذكر الخير لأنه الأفضل، والمقام مقام رغبة ودعاء.

وفي قوله سبحانه: «إنك على كل شيء قدير» إجمال بعد تفصيل، فربنا عظمت قدرته وجلت حكمته، ومن جليل قدرته ما جعله في قلوب بعض عباده مما لا يكاد يجتمع.. قال أهل السير في ترجمة عبد الله بن خازم السلمي: إنه كان يضرب به المثل في الشجاعة والنجدة، وكان مع ذلك يخاف من الفأر أشد مخافة، حتى قالوا إن عبيد الله بن زياد أراه جرذا فأضحى عبد الله بن خازم مثل الفرخ، وأصفر لونه خوفا كأنه جرادة. فقال ابن زياد: إن ابن خازم يعصي الرحمن ويتهاون بالسلطان، ويمشي إلى الأسد، ويلقى الرماح بوجهه، والسيوف بيده، ويخاف من الجرذ، أشهد أن الله على كل شيء قدير.

فما أحوجنا والأحداث كذلك والشخوص كما ترى، إلى أن يزيدنا ذلك كله علما بالله، فيعظم فيه رجاؤنا ومنه خوفنا، وله جل ذكره تعظيم محبتنا.