أول حالة زواج «ملك اليمين» تثير جدلا دينيا في مصر

مفتي مصر قال إنه «حرام شرعا».. و«البحوث الإسلامية»: عودة للجاهلية

مفتي مصر خلال لقائه مؤخرا بكاردينال واشنطن ثيودور مكاريك للتأكيد على حقوق المرأة («الشرق الأوسط»)
TT

أثارت أول حالة زواج «ملك اليمين» في مصر جدلا دينيا بين العلماء في البلاد، مما دعا مفتي مصر الدكتور علي جمعة للإفتاء بأن المرأة التي تأتي للرجل فتقول له «ملّكتك نفسي»، ومن ثم عاشرها معاشرة الأزواج فهو زنا وحرام شرعا. بينما وصف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف الدعوة بأنها «ردة وعودة للجاهلية ولا تعتبر زواجا»، في حين قال علماء دين لـ«الشرق الأوسط» إن هذا الزواج عبث وبعيد كل البعد عن الإسلام، وزواج اليمين غير موجود.

وشهدت مصر أول حالة زواج «ملك يمين» بعد ثورة «25 يناير» وصعود تيار الإسلام السياسي، أجراها شخص يدعى عبد الرؤوف عون، يوصف بأنه داعية إسلامي، ويقوم هذا الزواج على صيغة تمليك المرأة نفسها للرجل دون شهود أو إثبات، بدلا من صيغة وطريقة الزواج المعروفة، حيث إن الزوجة تقول: «ملكتك نفسي بدلا من زوجتك نفسي»، فيرد الزوج: «وأنا قبلت وكاتبتك على سورة الإخلاص»، وأن المرأة إذا أرادت تطليق نفسها، فإنها تتلو سورة الإخلاص، فتكون بذلك في حل من تلك الزيجة.

وكان عون الذي طالب بتعميم دعوة هذا الزواج في مصر مؤخرا، وأنه شخصيا تزوج بها قال: «إننا كمسلمين حاليا نقوم بتعقيد الأمور أكثر من اللازم، ومنها ما كانت مباحة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، مثل نظام ملك اليمين ونظام زواج المتعة الذي كان مباحا».

وفي أول رد فعل على دعوة زواج «ملك اليمين»، أصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف برئاسة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بيانا أوضح فيه أن ملك اليمين حالة من أحوال النكاح خاصة بنظام «الرق والعبودية» الذي كان منتشرا في العالم في بداية الإسلام، وقضى عليها الإسلام بالتدريج في التشريع؛ بل عمل الإسلام على التخلص من جميع صوره التي كانت تشكل إحدى صور الاستعباد، وذلك من خلال فرض عتق رقبة في كل الكفّارات.

وقال الدكتور علي عبد الباقي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، إن «القوانين الدولية والمواثيق صدرت بتحريم الاسترقاق وتقييد حرية الإنسان، فانتهى بهذا ملك اليمين، وأصبح غير موجود بلا رجعة، فالحديث عنه في هذه الأيام ردة وعودة إلى عصر الجاهلية، ودعوة إلى العلاقات الجنسية الآثمة والمحرمة، ولا يسمى زواجا على الإطلاق، لفقده الأركان والشروط الواجبة في الزواج».

وأكد الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية، أن الهدف من وراء إثارة موضوع ملك اليمين هو البلبلة والتشويش على الناس في دينهم، قائلا «إنه شيء تعودناه من أعداء الإسلام عبر القرون.. ونحن لا ننساق وراءه وإنما علينا أن نبين ونوضح»، مؤكدا أن الإسلام لاقى عبر مسيرته الغراء المنيرة الكثير من التشويهات والشبهات وحورب بكل طريقة، فحورب في ثقافته وحورب في اقتصاد أهله وحورب في أرضه، وما زال يحارب إلى يومنا هذا.

وأضاف المفتي: «إننا نشهد كل حين تكرارا لتلك الأكاذيب وإعادة لهذه الشبهات، وكأنها لم يرد عليها وكأنها لم تكذب، فهي نوع من تلبيس إبليس، أي إلباس الحق بالباطل»، موضحا أن الإسلام قد جاء إلى العالم وكان نظام الرق قائما في كل بقاع الأرض، وهو نظام يعني أن يستعبد إنسان إنسانا آخر، فيصير هذا الرجل أو المرأة كالشيء الذي يجوز بيعه ويجوز توريثه، ووصل الحال عند الرومان أنهم كانوا يدربون أبناءهم على السهام ويجعلون العبيد هم الهدف.

وقال مفتي مصر: «كان للرق موارد أربعة، منها رقيق الدَّيْن، أي إنه إذا كان لي دَين عند إنسان وعجز عن السداد فأنا أمتلك هذا الإنسان، وإذا كان الدين أكبر من قيمة هذا الشخص فإنني أمتلك أبناءه وزوجته، وهناك مورد الخطف، وهو أن أخطف رجلا أو امرأة أو طفلا وأبيعه، فجاء الإسلام وجعل ذلك من الفساد في الأرض وحرم ذلك، بالإضافة إلى مورد الجوع، أي إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يطعم أبناءه فإنه يبيعهم، وهو ما يحدث إلى اليوم في الهند، وهو ما حرمه الإسلام أيضا، فحرم قتل الأبناء أو بيعهم، وكان من موارد الرق الحرب والأسر، فأبقى الإسلام على صورة الرق من الحرب (أسرى الحرب)، وكان الإمام أو الخليفة هو سيد الأسرى، ويجوز له أن يستبدل بهم أسرى المسلمين، أو أن يردهم أو أن يضرب عليهم الرق، وأمرنا الإسلام أن نعتق الرقيق ونعتق العبيد، وجعل تكفير الذنوب بعتق الرقاب».

وتابع: «الإسلام جاء فأغلق ثلاثة موارد للرق، وأبقى على واحدة وقيدها، وفتح بابا للعتق حتى أصبح العتق تعبدا لله وتقربا إليه وتكفيرا عن الذنوب»، مضيفا: «إن الشرع يتشوق إلى الحرية».

وأشار الدكتور جمعة إلى أنه في القرن التاسع عشر، وبعد أن ضج الناس من سرقة الأميركان للأفارقة والذهاب بهم إلى ليفربول واستعبادهم وإذلالهم، عقدت عدة اجتماعات لإلغاء الرق في العالم أجمع، وفي أغسطس (آب) عام 1877 انتهى الرق في مصر، وأعلن عن حرمته وتجريمه وأن من يمارسه يُحكم عليه بالأشغال الشاقة، وصدر القانون بذلك.

وأكد المفتي أن «المرأة التي تأتي للرجل فتقول له (ملكتك نفسي)، وعاشرها معاشرة الأزواج فهو زنا وحرام شرعا، فالحر لا يدخل تحت يد شخص آخر حتى برضاه، فلا يجوز أن أبيع أبنائي، فإذا بعتهم ظلوا أبنائي وظلوا أحرارا».

وأضاف المفتي أن «من يقومون بذلك يفترون على الله وعلى الإسلام وعلى المسلمين ويغيرون المسميات، فهو زنا ويسمونه ملك يمين، كل ذلك من عدوان المعتدين ومن تلبيس المفلسين ومن جهل الجاهلين، فمنذ أكثر من 153 سنة انتهى الرق في العالم الإسلامي كله، فإذا جاء أحد البطالين العاطلين يريد أن يتلاعب بالإسلام والمسلمين فقولوا له: خسئت وخسرت، والله من ورائك محيط، وهذا التلبيس إنما هو من قبيل الإفلاس».

من جانبه، قال الدكتور عبد المعطي بيومي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن «هذا النوع من الزواج هو إساءة فهم وتقدير»، معتبرا من تزوجوا وفقا لهذا الزواج «زناة»، داعيا إياهم لتصحيح زواجهم قبل أن تحل عليهم لعنة الزنا إذا كانوا مضللين في ما اقترفوه.

ووصف الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، زواج اليمين بـ«الزنا السافر»، مطالبا أن يقام على مرتكبه الحد بالرجم إذا كان محصنا أو الجلد إذا كان غير محصن، مضيفا: «إن الله تعالى يقول (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين)»، مشيرا إلى أن «المراد بملك اليمين أمور كانت موجودة في ذلك الزمان، باعتبار الأسيرات ملك يمين، فلا زواج يمين ولا ملك يمين إلا في الحالات التي كانت أيام المسلمين وغيرهم»، موضحا أنه في حال نشوب حروب اليوم بين المسلمين وغيرهم، فإن الإسلام لا يعتبر أسيرات الحروب ملك يمين، بسبب وجود قوانين تم تشريعها وسنها، أجمع عليها علماء المسلمين، بأنهن أسيرات، ولسن ملك يمين.

بينما وصف الدكتور محمد وهدان، الأستاذ بجامعة الأزهر، الدعوة لزواج اليمين بـ«العبث»، قائلا: «ملك اليمين انتهى منذ العصر الأول للإسلام، والدعوة لهذا الزواج عودة لزمن العبودية الذي حرر الإسلام منه المسلمين».

بينما قالت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر: «ملك اليمين عرفته البشرية بقرون قبل الإسلام، وعندما جاء الإسلام فتح له أبوابا لتسريب هذه الإهانة الإنسانية»، وتابعت: «فك الرقبة في الإسلام أخذ خطوات حضارية رائعة.. ونحن في هذا الزمان نرى من الجهلاء من يدعو لعودة السباية».

من جانبه، كشف الشيخ محمد عثمان بسطويسي، نقيب الأئمة والدعاة بوزارة الأوقاف المصرية، عن أن «الزواج بملك اليمين له شروط لا تنطبق علينا الآن وليس في زماننا، حيث إنه لا يوجد سبايا وإماء عبيد في زماننا اليوم، كما أنه لا يكون هذا الزواج؛ إلا بالسبي في الحروب بين الكفار والمسلمين وتكون دفاعا عن الأرض والعرض والمال على أكثر أقوال الفقهاء».

وأضاف بسطويسي: «الزواج بملك اليمين له مواطن وأزمان، قد أباحه الإسلام للضرورة القصوى كما في قوله تعالي (ذلك لمن خشي العنت «المشقة» منكم، وأن تصبروا خير لكم)، وجمهور الفقهاء يرون أنه لا يجوز زواج الحر بالأمة إلا بشرطين، أولهما عدم القدرة على نكاح الحرة، وثانيهما، خوف العنت، واستدلوا على هذا بقول الله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا «سعة وقدرة» أن ينكح المحصنات «الحرائر.. العفائف.. المؤمنات»، فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم «إماء» المؤمنات)، وقوله تعالي (ذلك لمن خشي العنت منكم، وأن تصبروا خير لكم)». وأضاف بسطويسي: «قد سئل مالك عن رجل يتزوج أمة وهو ممن يجد الطول، فقال: أرى أن يفرق بينهما، قيل له: إنه يخاف العنت، قال: السوط يضرب به، وقال القرطبي: الصبر على العزبة خير من نكاح الأمة، لأنه يفضي إلى إرقاق الولد، والغض من النفس، والصبر على مكارم الأخلاق أولى من البذالة».