الشيخ زهير الجندوبي لـ «الشرق الأوسط»: الحرية هي الرئة التي يتنفس بها الإسلام

عالم تونسي: التعليم الزيتوني لم ينقطع في سنين الجمر.. كان تعليما يحافظ على الأصل ويراعي العصر

الشيخ زهير الجندوبي من أعلام الزيتونة في تونس («الشرق الأوسط»)
TT

الشيخ زهير الجندوبي من أعلام الزيتونة، متخصص بالقرآن والسنة، وأصول الفقه ومقاصد الشريعة الإسلامية، وحاصل على الماجستير في الشريعة الإسلامية، كما هو حاصل على إجازة خطية من شيخه عبد العزيز الشاوش، في القراءات، وإمام وخطيب في جامع النخلة بمنزل تميم، (ولاية نابل) وهو متفائل ببشائر الحرية التي تنعم بها تونس منذ 14 يناير (كانون الثاني) 2011. وقال الشيخ الجندوبي لـ«الشرق الأوسط»: «الحرية هي الرئة التي يتنفس بها الإسلام، وذلك في كل الأوقات.. الإسلام دين الحوار، والحوار لا يمكن أن يثمر سوى في جو الحرية التي تتيح للإسلام الانتشار، لأنه دين العقل والعلم والوجدان». ومن آثار الحرية التي تعيشها تونس عودة التعليم الزيتوني بعد الحظر الذي استمر لأكثر من 50 سنة، كما يقول الشيخ الجندوبي: «التعليم الزيتوني استمر رغم المنع، فقد منع رسميا، ولكنه تواصل بطرق أخرى وأنا وزملائي الطلبة واصلنا التعلم على يد المشايخ في منازلهم وفي مكاتبهم وفي أي مكان نلتقيهم، وأخذنا عليهم المتون وحصلنا منهم على الإجازات في العلوم الشرعية التي كانت تدرس في جامع الزيتونة عن طريق المتن وشروحه وحواشيه، وهي دراسة عن طريق الكتاب والشيخ، وهذا العلم لم ينقطع حتى في سنين الجمر. وفي السجن الصغير المعبر عنه بالزنازين والسجن الكبير الذي يسع البلاد كلها، كان هناك من يتلقى العلم بطرق غير رسمية واستمر الحفظ بالسند، وأنا أحمل سندا تونسيا، حيث لازمت شيخي عبد الرحمن خليف، رحمه الله، 9 سنوات، ولازمت شيخي عبد العزيز الشاوش 9 سنوات، ولازمت شيخي الأصولي المناضل حمدي سعيد والشيخ محمد الإخوة، وغيرهم كثير، رحم الله الأموات وبارك ومد في أنفاس الأحياء، والخير ما زال متواصلا، وإن شاء الله العلم الشرعي باق في تونس».

وأعرب عن أمله عودة «التعليم الزيتوني كما كان، وأن يكون عبر هيئات علمية منتخبة أو عبر مناظرات بين المترشحين كما كان في الفترة الحسينية. وذلك حتى تتولى الكفاءات المناصب، فالكفاءة هي الأساس وهي الأصل». وحول الجدل الحاصل بخصوص عودة التعليم الزيتوني، أوضح الشيخ الجندوبي أن هناك من يتكلم في مسائل ليس من أهلها، «يتكلم في هذا الميدان من ليس من أهله وبالتالي وقع الخلط، فالتعليم الزيتوني الذي تلقيناه وتعلمنا من مشايخه واتصلنا بأصوله وفروعه، لم يكن تعليما مبتورا، بل كان تعليما شرعيا شاملا منفتحا على كل مجالات الحياة، فوالدي زيتوني، وعمي زيتوني، وأصهاري زيتونيون، وخال والدتي زيتوني، والتعليم الزيتوني ليس خاليا من الرياضيات واللغات، بما في ذلك اللغة الإنجليزية، فالتلعيم الزيتوني لم يكن يعنى بالمتون فحسب، أو العلوم الشرعية المجردة فقط، بل كان تعليما يحافظ على الأصل ويراعي علوم العصر، العلمية منها والمنهجية».

وأشار الشيخ الجندوبي إلى أن الاعتراض على التعليم الزيتوني من قبل البعض «اعتراض قديم، قام به بورقيبة ومحمد المسعدي وبعض ممن تلقى تعليمه في فرنسا، وانخرط في مشروع تجفيف ينابيع الإسلام في تونس، وأكبر تلك الينابيع التعليم الزيتوني». ويرى الشيخ الجندوبي أن «ضرب جامع الزيتونة، قضى على روح التسامح في تونس وفرص كبح جماح التطرف، والذين أغلقوا الزيتونة كان عملهم عن قصد وعن عمد وسوء نية وسابقية الإضمار، أما من يعارضونه الآن فهم يعارضون ذلك عن جهل، ولو راجعوا تاريخ الزيتونة ورجالات الزيتونة وحقائق الزيتونة لربما عدلوا مواقفهم».

وعن قول بعضهم إن علماء الزيتونة لم يتركوا كتبا، أوضح الشيخ الجندوبي أن ذلك «مغالطة كبرى، فمشايخ الزيتونة لهم كتب ومن بينهم الشيخ المكي بن عزوز الذي صنف 80 كتابا، والشيخ الخضر حسين، الذي تولى مشيخة الأزهر، له الكثير من الكتب، والشيخ عبد الرحمن خليف له الكثير من الكتب، وغيرهم من العلماء لهم كتب تؤكد أنهم علماء حقا، بل تخريج العلماء يضاهي، بل يزيد على فضيلة تأليف الكتب، ومع ذلك لو نظرنا إلى مؤلفات الشيخ محمد الطاهر بن مراد والشيخ محمد بولجفان، شيخ المحققين، وعلماء آل النيفر، والشيخ الطاهر بن عاشور، وابنه الفاضل بن عاشور التي تعد كتبهم اليوم من أمات المراجع، علاوة على أن المجامع العلمية لا تخلو من وجود زيتوني أو أكثر فيها، ندرك تهافت من يقولون إن الزيتونة لم تخرج علماء.. ولو أتيحت لنا الفرصة في مناظرات على وسائل الإعلام لبززناهم ودحرناهم»، وعدد مؤلفات ثلة من المعاصرين، مثل: «الشيخ لحبيب بن الطاهر، والشيخ هشام قريسة، والشيخ محمد بوزغيبة، والشيخ نور الدين الخادمي (وزير الشؤون الدينية التونسي) الذي له أكثر من 30 كتابا، وهناك أسماء كثيرة يطول ذكرها». وكشف الشيخ الجندوبي عن إجراء كان متخذا ضد علماء الزيتونة وهو المنع من الكتابة ومن الطبع والنشر.. «منعوهم من الكتابة والنشر، ثم يحاسبونهم على نتائج سياساتهم.. وقد منعت من الكتابة حتى لو كان ذلك في فنون الطبخ، لكنهم لا يقولون ذلك ويلبسون بذلك على الناس».