مصر: صحوة أزهرية للحد من فوضى الفتاوى

بعد فتوى كره خروج الفتيات للدراسة واعتبار الاقتراض ربا واستباحة قتل المتظاهرين

د. علي جمعة مفتي مصر خلال لقائه رشيد حمد الحمد سفير الكويت في القاهرة للتأكيد على وسطية الأزهر والإفتاء في القضايا العامة («الشرق الأوسط»)
TT

طالب علماء أزهريون في مصر السلطات المصرية بقانون يجرم فوضى فتاوى المشايخ في المحافل والندوات الاجتماعية، وعلى منابر المساجد، وخلال إجابتهم عن أسئلة المسلمين، واختيار خريجي كليات الدعوة وأصول الدين فقط للقيام بالدعوة إلى الله. وأكدوا أن «الأزهر حسم أمر جهة الفتوى ومنح دار الإفتاء الحق الوحيد في إصدار الفتوى في البلاد». وحذروا من دخول علماء ومشايخ غير متخصصين إلى مجال الإفتاء، قائلين: «إن ترك الباب مفتوحا على مصراعيه لكل من قرأ كتابا أو ارتدى جلبابا أن يصبح مفتيا، أمر غير مقبول».

وتحولت الآراء والأحاديث الشخصية لكثير من المشايخ والدعاة إلى فتاوى دينية من شأنها إحداث قلق وتوتر بين جميع التيارات في المجتمع، كان آخرها فتوى لواعظ أزهري أجاز قتل من يتظاهر ضد الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، وفتوى أخرى لداعية سلفي أفتى بكراهة خروج الفتيات لمسافة 25 كلم للدراسة، وثالثة لشيح سلفي اعتبر الاقتراض من صندوق النقد الدولي ربا ومخالفا للشريعة الإسلامية.

ويرى مراقبون أنه على الرغم من تأكيد أن الأزهر ودار الإفتاء هما الأحق بالفتاوى؛ فإننا نجد مفتين متطوعين يقومون بإصدار آرائهم والحديث في السياسة خاصة مع تصدر تيار الإسلام السياسي للمشهد في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011.

من جانبه، قال الشيخ علي عبد الباقي الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية: «إن الأزهر وضع حدا لفوضى الفتاوى حين أكد أن دار الإفتاء المصرية هي المرجعية الوحيدة للفتوى أيا كانت نوعية الفتوى، ومنح لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الحق الوحيد في مراجعة أي فتوى تصدر عن دار الإفتاء»، مؤكدا أن الأمر محسوم، فلماذا كل هذا السيل العارم من الفتاوى المضللة؟

وأضاف الشيخ عبد الباقي: «إن الأزهر يوافق على أية إجراءات لمواجهة فوضى الفتاوى وفي مقدمتها إعداد قانون يجرم الفتاوى التي يطلقها غير المختصين، استنادًا إلى الأفكار المستوردة، التي تحاول نشر العنف والتطرف».

وأوضح الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر أن «المسؤول عن فوضى الفتاوى هؤلاء الذين أحدثوا فوضى في الخطاب الديني وليست الفتاوى الحقيقية، فالناس تحيرت وتبلبلت من اختلاف الآراء»، وتابع: «فوضى الفتاوى تحدث عندما نسمي الإجابة عن أي سؤال بأنها فتوى، مثلا عندما يسألني أحد عمن كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الغار فهذه ليست فتوى، وقس الأمر على ذلك والناس تسميها فتوى، ونحن وراءهم نسميها كذلك، ومن هنا نؤكد أن الفتوى أمر يتعلق بالعمل، والتفريق بين المسائل والقضايا والرأي والفتوى وإجابة السؤال أمر مهم جدا».

وأضاف الشيخ الأطرش: «يخلط الناس كثيرا بين دارس الإفتاء والداعية، فنجدهم يذهبون إلى المساجد مثلا يريدون الحكم في مسألة ما من إمام المسجد وهذا خطأ، لأن الداعية يبين حكم الله تعالى من غير بحث عن الواقعة وما يكتنفها من أحداث، فهو ينقل أحكام الله تعالى للناس بينما يدرس من يقوم بالإفتاء الواقع ثم يلتفت إلى الفقه ليأخذ منه حكم الله تعالى في مثل هذه الواقعة بما يحقق مقاصد الشريعة».

وقال الشيخ الأطرش: «هناك شروط لا بد أن تتوافر في من يقوم بإصدار الفتوى، من أهمها، العلم، فالإفتاء بغير علم حرام، لأنه يتضمن الكذب على الله تعالى ورسوله ويتضمن تضليل الناس وهو من الكبائر، ثم التخصص، بأن يكون من يتعرض للإفتاء قد درس الفقه والأصول وقواعد الفقه دراسة مستفيضة وله دربة في ممارسة المسائل والإلمام بالواقع المعاش، ويفضل أن يكون قد نال الدراسات العليا من جامعات معتمدة في ذلك التخصص، وهناك شرط الاجتهاد وهو بذل الجهد في استنباط الحكم الشرعي من الأدلة، والفطانة والتيقظ فيشترط في المفتي أن يكون فطنا متيقظا ومنتبها بعيدا عن الغفلة».

وقال الشيخ هاني الصباغ، الواعظ بالأزهر: «هناك مسائل كثيرة يمثل الخلاف فيها تكاملا وإثراء للمعرفة الفقهية وهذا رحمة بالأمة؛ لكن لا بد أن نؤكد أمرا في غاية الأهمية، وهو من له حق التصدي للفتوى؟ لأن المفتي هو قائم مقام النبي صلى الله عليه وسلم وهو المخبر عن الحكم الشرعي فيما سئل عنه في أمر واقع من غير إلزام، ولهذا يشترط في من يقوم بالفتوى (المفتي) كي يفتي الناس أن يكون مسلما صحيح الإسلام عاقلا بالغا، وأن يكون شديد الفهم، عالما باللغة العربية، عارفا بآيات الأحكام من القرآن الكريم، عارفا بالحديث، عارفا بالناسخ والمنسوخ، عارفا بالقياس، وأن يكون ثقة ومأمونا ومنزها عن أسباب الفسق، ورصين الفكر، متيقظا عارفا بمواضع الإجماع والاختلاف».

وتابع الشيخ الصباغ: «كما يجب أن يكون (المفتي) ذا نية صالحة وأن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة، وأن يكون قويا على ما هو فيه وعلى معرفته، وأن يكون عارفا بأحوال المستفتي وأن لا يتسرع بالإجابة، وأن لا يجامل أحدا في فتواه، وأن يطابق قوله فعله، وإذا جهل الحكم في مسألة فليس له أن يفتي فيها».

وطالب الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، بأن لا يدخل مجال الفتوى إلا المتخصصون والمؤهلون لذلك، لافتا إلى أن فتح الباب على مصراعيه لكل من قرأ كتابا أو ارتدى جلبابا بأن يكون مفتيا أمر غير مقبول، كما طالب بقواعد منظمة لعملية الإفتاء، لأنه إذا أدت الفتوى إلى الإضرار بالمجتمع، فإنه من الواجب أن يحال قائلها إلى القضاء.

من جهته، قال الدكتور عبد العزيز جبريل عميد كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر بالزقازيق محافظة الشرقية (شمال شرقي القاهرة): «لا بد من توفير دورات على مستوى عالٍ للأئمة والدعاة والمشايخ من أهل العلم والبصيرة من المتسمين بالمنهج العلمي الوسطي المعتدل، لأن كثيرا من المشايخ لم يحاولوا التطوير من محصلاتهم الدعوية بما يتماشي مع مجريات العصر بما يبصرون به الناس، وما زال منهجهم في العمل الدعوي يجري على نسق قديم لا يهدف إلى ما يطمح إليه جمهور المسلمين؛ بل إلى أهداف شخصية».

وأضاف الدكتور جبريل أن تطوير خطاب المشايخ والدعاة الديني يستلزم التنقيب عن الأدلة الصحيحة، فالناس تريد دعوة تقوم على ثوابت القرآن والسنة والحقائق لا على غير ذلك، مطالبا بأن يكون اختيار خريجي كليات الدعوة وأصول الدين فقط، للعمل في مجال الدعوة إلى الله.